التسقيط درع الشمولية

لا اعرف بالضبط من أين جاءت الشرارة الأولى، وكيف أُلهِمَ المفكرون والعلماء من بين الحواجز، هموم وشجون جماهير تعيش نير الأمية والقمع، قصص الثورات والنكبات أوجدت قاعدة مفتوحة الأبواب للعقلاء، استنهضوا العقل للتخلص من الشر والإستعباد ومطارحة الرأي بالسجون والتعذيب والقتل والتشريد، إستطاعت المنابر الجوالة والمقاهي والمندتيات والدواوين، جعل من لا يقرأ ويكتب تلميذأ مجداً يصارع مدارس فكرية، يجابه الوجودية والشيوعية والبعثية والقومية والإقطاعية.
ما سجله تاريخ العراق من ثورة العشرين الى 2003 يستحق القراءة، نقف على الشواهد والمشاهد والشواخص والرموز، نتوقف كثيراً ومنه ننطلق الى المستقبل.
قصص عظيمة للمقاومة والربيع قبل ان يفكر العرب في إقتلاع اوراق الخريف الذابلة، المعاناة سلاح مجابهة الفوضى الفكرية، وأرضية صلدة لمجتمع مزقته العقول الشمولية والطموحات السلطوية ، تجمع حبيبات ذراته المتطايرة، وتجبر هشاشة عظامة المتكسرة كي يستطيع النهوض مرة اخرى، صدح بصوت الحق ليكون مطلباً والواجب مأرباً للإنتصار.
نخبة قدمت نفسها بين الجماهير، تسير بخطى من محل الإقتداء والأقتفاء، ومقاومة الإستبداد منهج التحرر وحب التضحية والجود بالنفس، يستأنس بالأخر المكمل ولبنة تشدّ من بعضها ببعض، يزيح ظلام يعمي العيون، يتكأ على بعض، ظهورهم سلالم الصعود، ورقابهم حلقات القوة، متشابكي الأيدي نحو هدف المواطن.
عهد الأميين إنتهى، وبدأ عهد حملة الدكتاتوراه في العبثية، من تملك التفنن بالخطابات التسقيطية والشعارات الثورية الطائفية، تخادع ولا تخدع الاّ نفسها، لا تشبع من مال الشعب، جوعية حتى تقضم أصابعها وأرجلها.
تنسيج من الخيال روايات وصراخ قلبت المفاهيم، وردود فعل شخصية تضرب من حارب الدكتاتورية والطاغوتية.
التسقيط من السقوط مصطلح دخيل على المجتمع العراقي، وفكر مجنون يسير نحو الهاوية، يدمر المدن ويوقف الإقتصاد، يشعل الحرب الطائفية والمناطقية، يحول صور الأبطال الى شيطان، ويرتدي الوطن درعاً تختفي تحته نوايا الشمولية.
كي نفهم ما سجله التاريخ لا نحتاج الى سجلات وذكريات وبطولات السابقة من الحاضرين اليوم، يحتاج الى عقل يفكك الأفعال وينظر الرجال ويقارن الشعار والشعور.
يبدوا إن البعض كان دكتاتور يصارع الدكتاتورية، طبع على ذاكرته التأثير بأفعاها وأكثر دهاء، سقط في مستنقع راكد ضحل، يحاكي أفكار البلهاء، يلعب على من أتعبته مشاق البحث حقائق عتمة صراع الشعارات. لا يعرف الدكتاتور سوى حشو العقول بالكلمات الرنانة الإنشائية الثورية، في هجمة تراجع عن المباديء والقيم والألتزام، وثورة على الذات تريد قتل الأبطال.