أمن اللبس بين النظرية والتطبيق |
مساء الأحد التاسع والعشرين من ديسمبر العام الماضي 2013 وعلى رأس السادسة ابتدأت انا عبد الاله الصائغ بالقاء محاضرة عنوانها النص بين الحضور والغياب واخترت ان اركز جهدي على قاعدة أمن اللبس شعورا مني بأن هذا الموضوع الفادح المثقل بالضرورات لم يعد احد منا يوليه مقداره من الأهمية وقد القيت المحاضرة في قاعة مكتبة المجمع الاسلامي الثقافي الذي يحظى برعاية خاصة من سماحة آية الله العظمى الشيخ عبد اللطيف بري وبرعاية اخوية من السيد غالب الياسري مدير مؤسسة العراق الجديد الاعلامية! قدمني الاستاذ حيدر التميمي وهو احد اثنين من مؤسسي التجمع الثقافي العراقي في امريكا !قائلا كيف اقدم لكم شخصية تعرفونها جيدا فدعوني ارحب باسمكم وباسم التجمع الثقافي العراقي في امريكا بالبروفسور عبد الاله الصائغ ! وقد فوجيء الحضور بوجود الشخصية الاسلامية سماحة الشيخ الدكتور محمد شبر وهو حضور مبهج حقا اذا ما عرفنا مشروع هذا المفكر في التعايش العملي بين رعايا كل الاديان السماوية والمذاهب والطوائف ولهذا مجال آخر ! كما فوجئت انا شخصيا بحضور الاستاذين سالم الشمري ومصطفى العمري وعدد من الاعلاميين والمبدعين من نحو الفنان الاستاذ قاسم ماضي والشاعر صادق العلي والناشطين الاجتماعيين الاستاذ طالب الجبوري والاستاذ محمود الطائي ممثل الجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الانسان وكان ممن حرص على انجاح الامسية الاستاذ عائد شاهين احد مؤسسي التجمع الثقافي العراقي في امريكا ! الحق فوجئت بحضور كوكبة يعتد بها من رجالات الجالية العراقية مثل الاساتذة عبد الاله الجابري والاستاذ غازي جلوب والاستاذ حسن عزيز والاستاذ صلاح اللامي والاستاذ زياد المرهوب والاستاذ اياد الصافي والاستاذ عبد السلام الخرسان والاستاذ المصيفي الركابي والدكتور جلال الزاملي والاستاذ حسين العباسي فضلا عن طاقم فضائية هنا بغداد المتألف من الفنانين الاستاذ المخرج والمصور هيثم الدفاعي والمقدم المحاور الاستاذ مفيد اللامي مراسل هنا بغداد والاستاذ زياد الماهوني وانما ذكرت اسماء السادة الذوات لأنهم ناقشوني وعارضوني واختلفوا معي وعدلوا في محاضرتي واضافوا اليها بما اغناني انا اولا واغنى محاضرتي ثانيا ووعدت المناقشين ان اصوغ محاضرتي من جديد احتراما للملاحظات والمداخلات التي اغتنيت بها صدقا وحقا ! اول سؤال كان من سماحة الشيخ الدكتور محمد شبر هل يمكن دمج دلالتي الاسم اللغوية والاصطلاحية تيسيرا للباحثين وتعميقا لأمن اللبس ؟ سوال السيد محمود الطائي هل تنفعنا نظرية أمن اللبس في قراءة الواقع العراقي السياسي الحالي تحديدا ؟ الحاج عائد شاهين هل يعتد المحاضر قضية اللبس نعمة ام نقمة ؟ سؤال الفنان الاستاذ قاسم ماضي حول اللبس المتعمد في المسرح فاوديب مثلا يغرق المتلقي في شبكة من اللبس في مونودراما قائمة على توخي اللبس في المواقف والقناعات واضاف قاسم ماضي ان نظرية امن اللبس تتضح في المسرح اكثر من اي فن اخر! سؤال الاستاذ غازي جلوب جاء بهيئة اضافة فقال ان الحلفاء لم يتفاهموا مع هتلر قبيل اعلان الحرب الكونية الثانية مما اشعر هتلر بانهم يوبخوه ولم يسمح لهم البقاء في المانيا فقامت الحرب وقتل خمسون مليون نسمة بسبب اللبس الذي حصل بين الحلفاء وهتلر ! اما الشاعر صادق العلي فهوم في سؤاله نحا صوب ديالكتيك الحياة من خلال الثنائيات خير وشر موت وحياة شرف ودعارة فما هي حدود امن اللبس بين هذه الثنائيات ثم مالذي صنعه ت س اليوت في الارض اليباب ؟ لقد جعل سيبيل التي تعشق الحياة تعشق الموت من خلال مقاطع اسطورية وسحرية وكتابات سنسكريتية ! وما كان ذلك ليكون لولا ازرا باوند الذي اعتده اليوت الصانع الامهر ..وجاء سؤال الاستاذ سالم الشمري بهيئة تساؤل فلسفي فاجع وهو كيف نحت الفكر الارهابي واستخرج من الاسلام دينا لايشبه الاسلام ؟! سؤال الاستاذ زياد المرهوب حول اللبس في الدراما فالنص دون اللبس مثل الزاد دون ملح ! ابو فارس الاستاذ المصيفي الركابي تحدث عن قصة الومضة في نسيج من السرد القصصي الجميل وقال ان القران الكريم توفر على قصص كثيرة بينها الومضة مثل (والعصر ان الانسان لفي خسر ) ! وثمة سؤال الاستاذ مفيد اللامي ان كانت هناك حلول ناجعة لدرء اللبس ؟ وسؤال الاستاذ طالب الجبوري عن اسباب ندرة المواهب العربية الكبرى ففي كل عصر تنجب العربية عمالقة فكر وادب فما الذي حدث ؟ اين هي المواهب الكبيرة ؟ هل عقمت العربية ام ماذا ؟ وسؤال الاستاذ اياد الصافي ان كانت واقعة الطف او التقاطع بين موقف يزيد بن معاوية وموقف الحسين بن علي عليهما السلام ينسب الى اللبس بين الموقفين ؟ وسؤال الاستاذ مصطفى العمري عن حدود اللبس والوضوح وكيف نقي ثقافتنا مما حاق بها من اللبس ؟ وتمنى الاستاذ العمري على الصائغ ان يوسع في طرحه ليشمل قضايا حياتية اخرى غير اللغة !وكان الاستاذ عبد السلام الخرسان قد ربط بين اللبس وبين الانتحاريين والمفخخين ! الباقون فقد اكتفوا بالثناء على المحاضرة وشكر المحاضر .كنت قد رحبت بالضيوف الكبار في ليلية شديدة البرد وشكرت المجمع الاسلامي الثقافي وجهود السيدغالب الياسري ثم بدأت المحاضرة : السلام عليكم ايها الاصدقاء اشعر ان محاضرتي تمتد افقيا مع حرصي على امتدادها عموديا ! قال السهروردي : رَقّ الزُّجاجُ وَرَقَّت الخَمرُ فَتشابَها فَتَشاكل الأَمرُ فَكَأَنَّها خَمرٌ وَلا قَدح وَكَأَنَّها قَدحٌ وَلا خَمرُ ولابد من القول كنوع نت الاحتراز ان نظرية امن اللبس ليست ثمرة اللغويين حسب بل هي ثمرة المؤرخين والجغرافيين والاقتصاديين والقانونيين والممحققين الجنائيين ومحللي النص ! واذا كنت امعنت في الجانب اللغوي فذلك لقربه من اختصاصي وادعوا زملائي الكتاب من مسرحيين وتشكيليين وموسيقيين وفنانين البحث في أمن اللبس ضمن همومهم واختصاصاتهم . والسؤال الأول لماذا أمن اللبس ؟ والجواب المقترح هو ان قاعدة أمن اللبس تعصم المعنى عن الانحراف او التماهي مع الشاذ او التضاد ! واللبس يقع في كل مظاهر الحياة ! يقع من خلال التعامل والتعايش والتقارب والتنائي ... الخ ! واللبس يقع في اللفظ فيتغير المعنى او يتنقل ! ويقع في الروع فيتهيأ للانسان تهيؤات ملتبسة ! ومنذ اقدم العصور كان اللبس والالتباس مسوغات كافية لشنِّ الحروب الطاحنة بين الامم والقبائل والافراد ! والخراب الذي يعقب الحروب ! وإذا لم يكن اللبس حروبا بين الجيوش او القبائل فانه يمثل قطيعة بين طرفين تربطهما وشائج ما او تربطهما وشائج اللاوشائج ! بين دولتين او مذهبين او شركتين او شريكين او شقيقين او زوجين حتى ! وعلماء تحليل النص في العالم ادركوا خطر اللبس في كل شيء فحذروا منه بما يكفي ! كما ان علماء العربية أوْلوا اللبس وأمنه اهتماما كافيا لدرء مخاطره فضلا عن عدم شيوعه وندرة حدوثه في الكلام لدى فصحاء المتكلمين ! فالجاحظ حدس ضرورة امن اللبس وخطورته في البيان وفي الحيوان وابن السكيت في اصلاح المنطق وتهذيب المنطق وابن جني في الخصائص وعبد القاهر الجرجاني في دلائل الاعجاز واسرار البلاغة كل هؤلاء وسواهم حذروا من اللبس في القول والفعل ! وواصل العلماء المعاصرون العناية بأمن اللبس فاولوه مقداره من الاهمية من نحو البروف كمال بشر الذي اصدر كتابا بعنوان دراسات في علم اللغة والبروف تمام حسان الذي انجز كتاب اللغة بين المعيارية والوصفية وكتاب دلالة الألفاظ للبروف ابراهيم أنيس والبروف زهير غازي زاهد الذي انجز كتابا عنوانه العربية والأمن اللغوي ، وما زال الطلب على اغناء موضوع اللبس وأمنه مستمرا !. والسؤال الثاني في حدود اللبس والأمن ؟ اللُّبْسُ، بالضم: مصدر قولك لَبِسْتُ الثوبَ أَلْبَس، واللَّبْس، بالفتح: مصدر قولك لَبَسْت عليه الأَمر أَلْبِسُ خَلَطْت. واللِّباسُ: ما يُلْبَس، وكذلك المَلْبَس واللِّبْسُ، بالكسر، مثلُه. ابن سيده: لَبِسَ الثوب يَلْبَسُه لُبْساً وأَلْبَسَه إِياه، وأَلْبَس عليك ثوبَك.وثوب لَبِيس إِذا كثر لُبْسُه، وقيل: قد لُبِسَ فأَخْلَق، وكذلك مِلْحَفَة لَبِيسٌ، بغير هاء، والجمع لُبُسٌ؛ وكذلك المزادة وجمعها لَبائِس؛ قال الكميت يصف الثور والكلاب: تَعَهّدَها بالطَّعْنِ، حتى كأَنما يَشُقُّ بِرَوْقَيْهِ المَزادَ اللَّبائِسا يعني القماشة التي استعملت حتى أَخْلَقَتْ فهي أَطوَعُ للشَّقِّ والخَرْق وثوب لَبِيس إِذا كثر لُبْسُه وقيل قد لُبِسَ فأَخْلَق وكذلك مِلْحَفَة لَبِيسٌ بغير هاء والجمع لُبُسٌ وكذلك المزادة وجمعها لَبائِس قال الكميت يصف الثور والكلاب تَعَهّدَها بالطَّعْنِ حتى كأَنما يَشُقُّ بِرَوْقَيْهِ المَزادَ اللَّبائِسا يعني التي قد استعملت حتى أَخْلَقَتْ فهو أَطوَعُ للشَّقِّ والخَرْق ويفيد ذلك ان اللبس حالة من تشاكل الشيء المقصود بشيء غير مقصود ! والشخص المقصود بشخص آخر ! والمعنى المراد بمعنى ثان ! والسبب خلل في المُرسِل او الرسالة او المُسْتَقْبِل ! الأمن: النأي عن الخطر في كل شيء ! واللبس سنخ من الخطر ! قارن قوله تعالى : وإذ جَعَلْنا البيتَ مثابةً للناس وأَمْناً؛ قال أَبو إسحق: أَراد ذا أَمْنٍ، فهو آمِنٌ ! وقد أَمِنْتُ فأَنا أَمِنٌ، وآمَنْتُ غيري من الأَمْن والأَمان.والأَمْنُ ضدُّ الخوف.والأَمانةُ: ضدُّ الخِيانة قال حسان بن ثابت : وَأمينٍ حَفَّظْتُه سِرَّ نفسي فوَعاهُ حِفْظَ الأمينِ الأمِينا وصيغة أمين هي فعيل وصوابها مفعول فالأمين هو الذي يؤمن جانبه وتتوط ثوابته ! وكانت العرب تسمي سيدنا محمد بن عبد الله قبل الرسالة تسميه الأمين ! واطلالة على الفعلين الثلاثيين المجردين ( لبس وأمن ) في المعجمات اللغوية العربية الكلاسيكية تعطينا فكرة كافية عن دلالات الكلمتين في العقل اللغوي العربي ! و نظرة في كتب المصطلحات تكفي لمعرفة حدود امن اللبس وخطورته .ويتبقى منطوق أمن اللبس فهو يخبيء مسكوته للضرورة ! وما مركزية أمن اللبس إلا وسائل قولية او فعلية او ذهنية تكرس الوضوح والبيان ! وقولنا في المصطلح انه جامع مانع نعني به ان المراد لايلتبس بآخر قريب منه لفظا او معنى شكلا او مضمونا ! والغاية الدقة لدى المتكلم والسامع معا بما يعصم القول عن الحلول في المحذور وإذا أمن اللبس جازت الحرية في القول فابن هشام يستملح الخروج عن القواعد حين لايختلط المعنيان كإعطاء الفاعل مثلا إعراب المفعول وعكسه عند أمن اللبس مثل خرق الثوبُ المسمارَ وكسر الزجاجُ الحجرَ، وأورد: إن من صاد عقعقا لمشوم كيف من صاد عقعقان وبوم فإذا قلنا أعجب موسى وزيدا عيسى فاللبس زائل لأن القول يعني أن موسى مفعول به بعطف زيد عليه لأن المنصوب لا يعطف إلاّ على نظيره ! اما قولنا ضَرَبَ عيسَى مُوسَى فينبغي ان يكون الفاعل هو عيس لأنه تقدم وفي جملة ضَرَبَ مُوسَى عِيسَى فينبغي ان يكون الفاعل هو موسى لتقدمه والمفعول في الجملة الاولى موسى وعيسى في الثانية وذلك ضَرْب من الاحتراز لأمن اللبس ! وحين يمثل الاعراب يغيب اللبس مثل قولنا كافأ زيداً موسى ! موسى فاعل تقدم ام تأخر وحين يؤمن اللبس فذلك معناه جواز القول بلغة المرسل الى لغة المستقبل فمثلا العرب تعرب الاسماء الستة ابو اخو حمو ذو هنو فو على ثلاثة مستويات : الاول/ اعراب الإتمام اي بالحروف كقولنا : جاء ابوك سلمت على ابيك ساعدت أباك . الثاني/ اعراب النقص اي بالحركات مثل قولنا : جاء ابُك سلمت على ابِك ساعدت أبَك قال الشاعر : بأبِهِ اقتدى عَدِيٌّ في الكرمْ ومن يُشابهْ أبَهُ فما ظلم الثالث / إعراب القصر اي القصر مطلقا في الرفع والنصب والجر ! جاء اباك نظرت الى اباك أحببت أباك قال ابو النجم : واهَاً لِسَلْمى ثُمَّ وَاَهَا وَاهَا يَا ليْتَ عَيناهَا لَنَا وَافَاهَا إنَّ أبَاهَا وأبَا أَبَاهَا قَدْ بلغَا في المجْدِ غَايتَاهَا حين يريد المرسل افهام المستقبل نصا ما فعليه اجتراح وسيلة لإفهام المخاطب مضمون رسالته اللغوية كأن يضع كوابح تمنع اللبس فالغاية من النص هي ايصاله الى المستقبل ( بكسر الباء ) دون مشقة لحصول الفائدة المتوخاة ! فإذا خيف اللبس فيجتنب المتكلم القول الملتبس ! قال ابن مالك : وإنْ بشكلٍ خيفَ لبس يجتنب السؤال الثالث عن سبب شيوع اللبس في القول والمعنى ؟ اولا / لغات العرب الكثيرة وتوفر تلك اللغات على عيوب نطقية لم يألفها عرب شمال الجزيرة ووسطها فضلا عن تداولات المعنى وفق تاثيرات طوبوغرافية وحرفية او عزلة بعض القبائل العربية بعضها عن بعض حتى قال ابو عمرو بن العلاء (مالغة حمير بلغتنا ولا عربيتهم بعربيتنا ) !! وقد احتازت بعض لغات العرب او لهجاتهم او السنتهم او عاداتهم اللغوية ! احتازت اسماء لغاتهم من صفات نطقية بدت عليها !قال الفراء الكوفي ت 207هـ كانت العرب تحضر المواسم في كل عام وقريش يسمعون لغات العرب فما استحسنوه من لغاتهم تكلموا به فصاروا افصح العرب وخلت لغاتهم من مستبشع اللغات ومستقبح الالفاظ ) . ! ومعنى قول الفراء في فهمنا ان لغة قريش باتت اللغة الثالثة او المنطقة المشتركة في اللغة واللهجات لدى القبائل العربية الكبيرة تقوم مقام اللغات فبعضها لهجات او لغات لها ثوابتها وبعضها اعراض صوتية ذكرها النحاة وبوبوها ورتبوها مثل الشنشنة تجعل الكاف شينا مطلقا كلبيش اللهم لبيش ومنها الكشكشة وهي في ربيعة ومضر يجعلون بعد كاف الخطاب في المؤنث شيناً فيقولون رأيتكش وبكش وعليكش فمنهم من يثبتها حتى الوقف فقط وهو الاشهر ومنهم من يثبتها في الوصل ايضا ومنهم من يجعلها مكان الكاف ويكسرها في الوصل ويسكنها في الوقف فيقول منش وعليش ! ومن ذلك الكسكسة يجعلون بعد الكاف او مكانها في المذكر سينا على ماتقدم ! ومن ذلك العنعنة تجعل الهمزة المبدوء بها عينا فيقولون في إنك عِنك وفي أذن عذن ! ومن ذلك الفحفحة يجعلون الحاء عينا كقولهم في حمي الوطيس عمي الوطيس ! ومن ذلك الوكم فيكسرون كاف عليكم ومن ذلك الوهم فيكسرون هاء منهم ومن ذلك العجعجة حيث يجعلون الياء المشددة جيما فيقولون في تميمي تميمج ومن ذلك الاستنطاء فتجعل العين الساكنة نونا اذا جاورت الطاء كأنطى في أعطى ومن ذلك الوتم تجعل تجعل السين تاء مثل النات في الناس والغمغمة وهي عدم تمييز حروف الكلمات وظهورها في اثناء الكلام وهي في قضاعة والطمطمانية وهي جعل ام بدل الـ كقولنا طاب امهواء في طاب الهواء وهي في حمير وثمة تلتلة بهراء وهم بطن من قضاعة يكسرون احرف المضارعة مطلقا مثل يَكْتب تكون يِكْتب ومن ذلك اللخلخانية في شحر وعمان كقولهم مشا الله في ماشاء الله ومن ذلك قطع طي وهي في حذف آخر الكلمة يقولون في يا ابا الحكم يا ابا الحكا و الابدال اي ابدال الميم باء وابدال الباء ميما في لغة مازن فيقولون بإسمك في ما اسمك ومكر في بكر ! وقلب الثاء فاء والسين صادا والصاد سينا و لهجات العرب التي يسميها النحاة لغات هناك الكثير منها ربما العصي على الاحصاء بسبب انقراضه قبل وصول التدوين اليه ولكن ما بين ايدينا كاف!! ومعلوم اثر المجاورة في اختلال اللغة فالعرب المجاورون لبلاد فارس شيبت لغتهم بكلمات واصوات غير معهودة وحتى الجمع الفارسي ربما هو بعض من ذاك تقول في الجمع الفارسي أسب حصان اسبان اي خيول وتقول في الجمع العربي ضيف ضيفان وذلك مما زهد المشافهين بلغة عرب جوار فارس او الروم ومنها عزلة بعض القبائل العربية وانكفاؤها على نفسها ؛ لذا تولَّدَتْ وتكوَّنتْ هناك لهجات عديدة ، وصار من الصعوبة بمكان في بعض الأحيان نسبة تلك اللهجات إلى قبائلها , لأنَّهم كانوا لا يهتمُّونَ بها بالقدر الذي يحافظ عليها ، وفي الوقت نفسه لم يهملوها ذلك الإهمال الذي يمحوها أو يمنع تداولها , فبعضها معروفة بقبائلها ، وبعضها مجهولة مختلطة ومتداخلة .! ومن هنا تأتي عظمة القرآن الكريم إذ جمع العرب والأعراب على لغة واحدة رحمة بهم وحرصا عليهم وسعيا الى وحدتهم لكنه خفف على الجميع فأباح بعض القراءات على عدد من اللغات رحمة بالقراء الذين تشق عليهم القراءات العسيرة ! وقد تنبه المفكر النحوي الدلالي أحمد بن فارس الى إنَّ الاختلافات في لغات العرب او لهجاتهم تتمظهر في تمظهرات مختلفة كالخلاف في حركات الاعراب والاشباع والاقطاع والتسهيل والتفخيم والاشمام والحذف والتقدير والامالة والتعدي واللزوم والتيسير والتفخيم وإنَّ الاختلاف في اصوات الحروف ومخارجها ساعد في ظهور الترادف اسماء وافعالا: اللبس والكسوة , والحب والعشق ! جاءوا واقبلوا ..وثمة الاضداد كقولنا المولى للسيد والمسود والجون للابيض والاسود ! وفي الأثر : اختلف اثنان في هل الصقر بالصاد ام بالسين ؟ فاحتكما لعارف فقال لهما بل قولا الزقر !والمشكلة قديمة لكن العقل العربي وجد حلولا مؤقتة ! فكان الشيوخ والخطباء والشعراء يعتمدون على لغة قريش وهي لغة العاصمة مكة ويدعونها اللغة الثالثة فلا هي لغة هذيل ولا هي لغة شنوءة ولا حمير ولا كندة بل هي لغة قريش العربية الميسرة المفهومة للجميع ! امرؤ القيس شاعر من كندة اي لغته حميرية ولكنه كان يكتب شعره بلهجته ثم يترجمه لعربية قريش كي يفهمه من يريد ان يفهم ! وطرفة بن العبد عراقي كتب معلقته بلغة قريش وكذلك اعشى قيس ميمون بن قيس البكري ! فانظر الى ذكاء المبدعين الجاهليين وذكاء جماهير الاسواق والمواسم وحرص اللغويين العرب فالغاية التوصيل بلغة صالحة وليست الغاية الارهاب اللغوي والتسقيط . وقد حرصت الاسواق الجاهلية في مواسمها على التقريب بين اللهجات بل ان بعض ذوي اللهجات كانوا يتكلمون بلغة السوق مثلا سوق عكاظ كانت لغته المتبعة هي لغة قريش حتى ان الشعراء من قبائل حمير والعراق واليمامة صنعت قصائدها على لغة قريش الا ما ندر ! وكذلك الخطباء والدعاة والمبشرون ! وكمثال نرى في زماننا هذا تواضع اهل العراق مثلا على ثلاث لغات الاولى فصحى وهي لغة رسمية وادبية ولغة عامية وهي لغة مناطقية اي لغة المنطقة او القبيلة ولغة ثالثة هي لغة العاصمة فيها قواعد تمنع اللبس فابن الناصرية وابن تكريت وابن الكاظمية يتحدثون باللغة الثالثة وهي لغة بغداد ! لتجنب اللبس بين ابناء الشعب العراقي الواحد ! ثانيا / دخول غير العرب في الاسلام والتوسع في اللغة للتيسير على المسلمين من غير العرب مما أدى إلى دخول اللحن في اللغة فخاف الغيارى على العربية وتنادوا لحماية اللغة من التباس الفصيح باللحن ! وروي أن أبا الأسود الدؤلي تلقى من ابنته سؤالا هو : ما اجملُ السماء ؟ فقال لها نجومها ! فقالت له أبي انما اردت ان اتعجب فقال لها قولي ما اجملَ السماء !! وقيل انه مر برجل يقرأ القرآن هكذا (إن الله بريء من المشركين ورسوله) ، كان الرجل يقرأ (رسوله) مجرورة كما لو انها معطوفة على (المشركين) أي أنه غير المعنى؛لأن (رسوله) منصوبة فهي معطوفة على لفظ الجلالة فذهب أبو الأسود إلى الخليفة علي بن أبي طالب عليه السلام ووصف له ما تناهى اليه ! فجلس الامام علي اياما يتفكر فيما ينبغي عليه فعله لصيانة اللسان العربي من العجمة التي يلتبس فيها اللفظ والمعنى ! فتوصل الى قواعد واصولا واثبتها في ورقة وكتب عليها: بسم الله الرحمن الرحيم.الكلام اسم وفعل وحرف. الاسم ما أنبأ عن المسمى. والفعل ما أنبأ عن حركة المسمى. والحرف ما أنبأ عن ما هو ليس اسما ولا فعلا. ثم قال لأبي الأسود: انح هذا النحو. وقد شهدت بنفسي عام 1999 في متحف صنعاء نسخة من القرآن الكريم بخط ابي الاسود الدؤلي مكتوبة بالحبر الأسود ولم تكن ثمة حركات بل نقاط بالحبر الأحمر . ثالثا / تكريس الروح المناطقية والعشائرية والقُطْريَّة فكأن الإصرار على لهجة المنطقة ضرب من الوجاهة وجنس من الانتماء ! فإذا نظرت الى حال الشعوب العربية اليوم ادركت المأزق الذي وقع فيه المعنى العربي او الدلالة في النص العربي ! فالرغيف له اسماء في كل قطر عربي مختلفة والدينار ! وكذلك الملابس وقطع غيار السيارات فالليبيون يسمون السكّان ستيرسو واطار عجلة السيارة كَمة ومصلح التايرات كَميسي مثلا ! بل وحتى السنما فهي اسماء واسماء ! بل ان الكلمات النظيفة في العراق تبدو كسيفة في ليبيا مثلا ! فالقرط او الحلق في اذن الفتاة نحن العراقيين نسميه ترجية والجيم تلفظ هكذا CH! والترجية في ليبيا معناها عجيزة الفتاة او كفلها ! وفعل الأمر : ولِ عندنا يختص بطرد الكلاب او بالناس الذين هم بمستوى الكلاب ! اما في ليبيا ففعل ( ولِّ ) معناه تفضل اذهب ! وحين سمعت غفير بيوت جامعة طرابلس ( الفاتح سابقا ) يقول لي دكتور ( ولِّ ) زعلت جدا ونزلت من سيارتي لكي اتحقق مما سمعته منه ! ثم افهموني انني استاذ جامعة وليس على سيارتي تفتيش فكرمني وقال لي وَلِّ اي تفضل اذهب !! بل ثمة دلالات للكلمات بين العراق ومصر والمغرب وتونس واليمن نسأل الله السلامة ! فمتى تتحرك المجامع اللغوية وتوحد المصطلحات بين شعوب الاقطار العربية ؟ بل متى تتوحد برامج وزارات الثقافة العربية ووزارات الاعلام في الدول العربية لوضع برنامج تربوي للانسان العربي يبدأ من الروضة ومتى يوضع برنامج اعلامي تلتزم به الفضائيات التي تكرس الفرقة في كل شيء واولها اللغة ! ولا نريد ان نتلبث عند الانترنت والفيسبوك والتويتر ! فالتمويل جار مثل النفط ليكرس اختلاف اللسان العربي .نحن لاندعو الى الارهاب اللغوي لاننا نرفضه ولكننا ندعو الى الأمن اللغوي وعدم التلاعب بالالفاظ والدلالات وعدم اجتراح مصطلحات غير مفهومة لأن صياغة المصطلحات الجديدة من اختصاص المجامع العلمية . ومعلوم اثر البيئة والصنعة في اللغة فقد كان الكهنة مثل شق وطريفة وعبد السطيح يتكلمون بالسجع ويجترحون افعالا على غير قياس فلغتهم مغربة وصورهم عجائبية وهم يلبسون الحقيقة بالسحر ! كان شق وسَطيح من أعاجيب الدنيا!! فسَطيح لحم دون عظام ! ووجهه في صدره !!و شق نصف إنسان! له يد واحدة وقد جمع المرزوقي انماطا من لغة الكهنة ! والصوفيون يقولون كلمات ملتبسة لحظات الشطح ! والغموض في الشعر الحديث ! والغموض في خاتمة القصة او الرواية ! والغموض في حياة العظماء الذي يضعهم موضع الاساطير ! وسيان في ذلك التفكير البشري الشرقاوسطي المتخلف والتفكير البشري الغربي ! فالعقل البشري ميال للتلغيز والتشفير ! ويبدو ان اللبس والإشكال والغموض يمثل احيانا حاجات نفسية ! . خامسا / طبيعة اللغة العربية حيث الواقع والمجاز والكناية والتورية والاستعارة بما يلتبس على المتلقي فلابد من قرينة مانعة عن ارادة المعنى الاول ويقول ابو عبيدة لايعرف القرآن من لايعرف المجاز ( مجاز القرآن ) وقال ابن جني اعلم ان اكثر اللغة واقع في المجاز فإذا فتشته فلا حقيقة له ( الخصائص ) . ولعل اول ثمرة مرة للبس في المجاز هي ظهور الفئة التي تظن التشبيهات في القرآن الكريم حقيقة واطلق عليها المشبهة ! امثلة في اللبس المجازي البياني فمثلا الابهام وهو الكلام الموهم لان له اكثر من وجه وابهام الامر ان يشتبه فلا يعرف وجهه وقد ابهمه واستبهم عليهم الامر ولا يدرون كيف يأتون له واستبهم عليهم الأمر استغلق .ويقول استاذنا البروف احمد مطلوب التكريتي حفظه الله في معجم المصطلحات البلاغية وتطورها: والابهام عند البلاغيين ايراد الكلام محتملا لوجهين مختلفين ! وثمة استعارتان اصيلتان هما : اولا / الاستعارة المكنية / يحذف المشبه به ويحضر المشبه تكون الاستعارة مكنية مثل قول ابي ذؤيب الهذلي : وإذا المنية انشبت اظفارها ألفيت كل تميمة لاتنفع شبه المنية بالسبع في اغتيال النفوس وحذف المشبه به وهو السبع وابقى شيئا من لوازمه وهي الأظفار التي لايكمل الأغتيال إلا بها . ثانيا / الاستعارة التصريحية / هي ماصرح فيها بلفظ المشبه به دون المشبه كقول المتنبي : واصبح يمشي في البساط فما درى الى البحر يسعى ام الى البدر يرتقي المشبه به حاضر وهو البحر المشبه الغائب وهو سيف الدولة الحمداني . إ . هـ وانما ذكرنا الاستعارتين الاصيلتين المكنية والتصريحة لانهما الاساس في الإعارة وباقي الاعارات عيال عليهما سوى الإعارة او الاستعارة التمثيلية وهي ان يكون وجه الشبه فيها منتزعا من متعدد نحو ما كتب يزيد بن الوليد لما بويع الى مروان بن محمد وقد بلغه انه متردد في البيعة ( أراك تقدم رجلا وتؤخر اخرى فإذا اتاك كتابي هذا فاعتمد علي ايهما شئت والسلام ) فشبه صورة تردده في المبايعة بصورة من قام ليذهب في امر وهو متردد فتارة يقدم رجلا وتارة يؤخر اخرى من ص 93 الى ص 95 والكناية ايضا تشبيه صورة ظاهرة غير مقصودة بصورة باطنة مقصودة كقولك في فتاة خانتك قميصك متسخ وقد يكون قميصها الظاهر نظيفا ولكنك تقصد الوساخة الداخلية ! !يقول البروف احمد مطلوب ص 568 : الكناية ان تتكلم بشيء وتريد غيره وكنى عن الامر بغيره يكني كناية وتكنى تستر من كنى عليه قال عبد القاهر الجرجاني دلائل الاعجاز ص 52 الكناية ان يريد المتكلم اثبات معنى من المعاني فلا يذكره باللفظ الموضوع له في اللغة ولكن يجيء الى معنى هو تاليه وردفه في الوجود فيوميء به اليه ويجعله دليلا عليه . السؤال الرابع هل من تصور غير ملتبس لقضية اللبس ؟ والجواب قد التقليل فلقاعدة امن اللبس خوارط حياتية إبتكرها العقل الانساني حين تداخلت المصطلحات وتشابهت الاطروحات وتبلبلت الألسن لدى الشعب الواحد والامة الواحدة ! وباتت الكلمات تغادر معانيها ! فالأنجليز المعاصرون مثلا لايعرفون انجليزية جوسر أوشكسبير فتترجم لهم الى الانجليزية الحديثة خشية حصول اللبس ! ولقد دُرِّست قاعدة امن اللبس في ارقى جامعات العالم المتطور وفرضت في اختصاصات كثيرة كعلوم الاجتماع واللغة والجغرافيا والتاريخ والسياسة والقانون والاقتصاد ... والتحقيق الأمني والبحث البوليسي بحيث تناولت أمن اللبس جل مناحي الحياة ! وقد عرف العرب الجاهليون هذه القاعدة وعملوا بها دون ان يجترحوا لها مصطلحاً كدأبهم مع كثير من الاسماء التي لم يجعلوا لها مصطلحا ! ومن اجل ان لا تلتبس الأمور في حيوات الحاكم والمحكوم ظهر المتفرس والقائف والعين والرائد والقلمّس والرائي والحازي والكاهن والمتنبيء ؟؟ .. وكان الوعي الاجتماعي ينفِّذ قاعدة امن اللبس ضمن دائرة المسموح والمحظور والقبول والرضا وذلك ما يدخل بصورة غير مباشرة في دائرة ( نعم ) و ( لا ) لدى الجاهليين وحرام وحلال عند المسلمين ! : للمُثَقِّب العَبدي جاهلي حَــــســَنٌ قَـــوْلُ نَعَــــــمْ مِـــــــنْ بَعْــــدِ لا وقـــــــَبِـــيحٌ قـــــــــــــولُ لا بــــــعد نعم وكانوا حين يلتبس الشيء بالشيء يستقسمون بالازلام فثمة كيس فيه عيدان مكتوب عليها افعل او لا افعل !ويوم الفتح دخل النبي ص الكعبة فوجد جدرانها مزدانة بالصور بينها صورة سيدنا ابراهيم وسيدنا اسماعيل ع يستقسمان بالأزلام فأمر علي بن ابي طالب ع بطلس الصورة وقال يعلم الله انهما لم يستقسما بالازلام قط !وقد نهى الاسلام عن الاستقسام بالازلام ونهى عن الكهانة والسحر والتنجيم ! والعرب قسمت الازمنة والامكنة وفق مقولة حرام وحلال ! فثمة اشهر محرمة! فانما الاشهر الحرم هي رجب وذو القعدة وذو الحجة ومحرم وثمة امكنة محرمة مثل الكعبة والاسواق وبيوت الجار ! وانما وضع المحظور والمسموح في اللغة لكي يزول اللبس خلال القول و إنما وضع - الإعراب مثلا في الأسماء ليزيل اللبس الحاصل فيها باعتبار المعاني المختلف عليها، ولما كان الفعل المضارع قد تعتوره معان مختلفة كالاسم دخل فيه الإعراب ليزيل اللبس عند اعتواره، ومنه رفع الفاعل ونصب المفعول فإن ذلك لخوف اللبس منهما لو استويا في الرفع أو في النصب ولدفع اللبس في صياغة القول فهناك اجماع على رفع الفاعل إذا ذُكِرَ الفاعل !كما الاجماع على نصب المفعول به وجر المسبوق بحرف جر وكذا المعطوف عليه فإذا ذكر الفاعل إلا أنه قد جاء الفاعل منصوبا والمفعول مرفوعاً إذا أمن اللبس يقول ابن مالك : ورفع مفعول به لا يلتبس ونصب فاعل أجز ولا تقس . والاعراب ليس حكرا على الحركات ولا حتى الرتبة لذلك اختلف فقهاء النحو على اعراب آدم عليه السلام في القرآن الكريم البقرة 36 ! اغلبهم كان يعربه فاعلا وأقلهم أعربه مفعولا به وفق مسوغات دلالية ( فتلقى آدم من ربه كلمات) فابن كثير وهو واحد من القراء السبعة كان ينصب آدم ويرفع كلمات فمتى كان آدم فاعلا وربه الذي القى اليه الكلمات ومثال آخر يجيء بهيئة سؤال وهو لماذا يضم حرف المضارعة في الرباعي دون غيره ؟ الجواب حصل ذلك خيفة التباس الرباعي بزيادة الهمزة بالثلاثي نحو: ضرب يضرب، وأكرم يكرم، لأن الهمزة في الرباعي تزول مع حرف المضارعة، فلو فتح حرف المضارعة لم يعلم أمضارع الثلاثي هو أم مضارع الرباعي، ثم حمل بقية أبنية الرباعي على ما فيه الهمزة . قل كلامك ولا تخش اذا امنت اللبس في الالقاء وفي الاصغاء فحين ننسب الى عبد شمس عبشمي والى اذربيجان اذربي نجد في النسب إلى عبد مناف منافي لأنهم لو قالوا عبدي لالتبس بالنسبة إلى عبد القيس لذلك قالوا في النسبة إليه عبدي ! ومنه عدم لحاق التاء في صفات المؤنث الخاصة بالإناث كحائض وطالق ومرضع وكاعب وناهد وهي كثيرة جدا لأنها لاختصاصها بالمؤنث أمن اللبس فيها بالمذكر فلم تحتج إلى فارق! السؤال الخامس كيف ننجم التوصلات في أمن اللبس ؟ النجمة الأولى : رأينا أن الامثلة فوق الحصر لأن امن اللبس ليس قواعد وقوانين حسب بل هو منهج في التفكير وطريقة في التواصل دون اعتساف اللغة او المصغي لذلك بات أمن اللبس حلبة تبارى فيها فرسان تحليل النص وفرسان سدنة العربية ! فلو احسنا الظن بالمسألة الزنبورية التي جعلت العربية تخسر الامام النحوي الكبير سيبويه الذي مات كمدا بسبب كمين اللبس فإن الصراع بين الكسائي الكوفي وسيبويه البصري قائم على اللبس بين هو وهي واياها ! بل ان لعبة المسألة الزنبورية قامت على تقصد اللبس ! فقد جاء بكتاب الانصاف في مسائل الخلاف لابن الانباري ان الكسائي أقبل على سيبويه ( بعد حكاية مفبركة ) فقال له تسألني أو أسألك؟ فقال: بل تسألني أنت فأقبل عليه الكسائي قائلا : كيف تقول كنت أظن أن العقرب أشد لسعة من الزنبور فإذا هو هي أو فإذا هو إياها؟ فقال سيبويه فإذا هو هي ولا يجوز النصب! فقال له الكسائي لحنت! إ . هـ ولقد بالغ الكسائي وعاضل واستعمل الارهاب اللغوي في التسقيط والغاية هي حذف اي سانحة لنبوغ سيبويه البصري في بغداد ! والكسائي لم يكن اصوليا سلفيا في اللغة العربية كدأب المدرسة النحوية الكوفية ولكنه البس الأمر على سيبويه حسداً لينتصر عليه حقا او باطلا في مجلس البرامكة الأعاجم ! والكوفيون يعرفون انه لولا الحذف والتقدير لعرفت النحو حتى الحمير ! بل ان الكسائي حين توفاه الله وجد كتاب سيبويه تحت وسادته ! نحن مطالبون اذن باحترام اسس القواعد في الفهم والافهام والاسس ليست وثنية جديدة ! علينا تجنب الغلو في التعبير وتفهم نظرية النظم بوصفها العاصم الأمين و الرصين عن غواية اللبس ولعل ابا الفتح عثمان بن جني هو اول من ارسى اصولا وقواعد في امن اللبس من خلال معالجته لنشوء اللغة ونظريات النشوء واشتغاله على نظرية التواضع او الاصطلاح وجهود كثير من المفكرين عصمت العقل العربي من اوحال اللبس ! بهذه النظرية الفذة التي تعصم النص عن اللبس فوضعت المؤلفات والرسائل في ذلك! وقد حذر ابن هشام من اسناخ اللبس الذي يقلب المعنى خلال حديثه عن لغات العرب ولهجاتهم التي تلتبس معانيها ومفرداتها وذلك ما شد العلماء اللاحقين الى العلماء السابقين ! ففي الخطاب العربي حاجة الى امن اللبس وكان ابو هلال العسكري رحمه الله يقول ان تعبير الرجل قطعة من عقله وأدبه فالقول هو القائل ! وما التعمية إلا عماء والمعاضلة سوى غباء وذكر لنا مثلا في العماء والغباء هو ابن جحدر الذي قال : حلفت بما ارقلت حوله شمردلة خلقها شيظم وما شبرقت من تنوفية بها من وحى الجن زيزيم ومن وصايا النقاد للكتاب أن يتجنبوا ما يكسب الكلام تعمية فيرتبوا ألفاظهم ترتيبا صحيحا ولا يكرهوا الألفاظ على اغتصاب الأماكن. وقد يحتاج المرسل والمستقبل الى الكفاية اللغوية في ميادين النص من مثل معرفة المحكوم به والمحكوم عليه أو المشبه والمشبه به أو المبتدإ والخبر، ففي الجملة السابقة استوى طرفا الجملة في التعريف، ومع ذلك يجوز فيها أن يتقدم الخبر كقولنا ابو فرزدق سيبويه اي ان ابا فرزدق يشبه سيبويه ! سيبويه وهو المشبه به ويتأخر المبتدأ أبو فرزدق فيحق لنا تقديم ابو فرزدق او تأخيره لوجود القرينة المعنوية وهي التشبيه الحقيقي تقضي بأن يكون " أبو فرزدق " مبتدأ تقدم أو تأخر لأنه مشبه، وأن يكون " سيبويه " خبرا سواء تقدم أو تأخر لأنه مشبه به !. الحرب اولها كلام اما ان يكون ملتبسا غفلة من الطرفين او احدهما ! وكانت المنافرات في الجاهلية حروبا سلاحها الكلمات المنثورة والمشعورة ايضا لكنها الى النثر اميل الكلمات القاتلة المغطسة بسموم الهجاء والفخر والعتو والبذاء وقذف المحصنات واشهر منافرات الجاهلية هي المنافرة التي حدثت بين عامر بن الطفيل وعلقمة بن علاثة وقد نهى عنها الاسلام ! وحين حكم البيت الأموي استحدث حروب المنا قضات وهي حروب سلاحها الشعر والنثر معا لكنها الى الشعر أميل ! اتبعت عتو الجاهلية وتفوقت عليه ! فأثيرت الإحن والترات بين الحميرية والعدنانية وسكان المدر وسكان الوبر ! وسكان الصحاري وسكان الثغور ! وكانت كناسة المربد في البصرة موضعا لتجميع اوساخ البصرة وقاذوراتها قبل تمصيرها ايام كان اسمها ( الأُبُلَّة ) واتخذت سوحا ومسارح واسواقا لتستوعب كبار الشعراء المتعاركين مثل الديكة الفرزدق وجرير والأخطل وسواهم الكثير ! فهتكت الاعراض ومحقت القيم وضللت الجماهير وغسلت ادمغتها ! ونقل ابو عبيدة شيئا من تلك الحروب المهاترات في كتابه النقائض !ونقل الجاحظ حروبا قولية بين العرب والعجم وحروبا بين اصحاب الحرف ومفاخرات كمثل الحروب القولية بين الجواري والغلمان والعرب والأعراب والكرماء والبخلاء بل وحروبا قولية بين ذوي العاهات من الصلعان والقرعان والعوران والعرجان والخصيان ! النجمة الثانية : ------------------------------------------------- لم تعد نظرية امن اللبس وقفا على القول والسمع واللغة ! بل تعدت حدود اللغة الى حدود البحث عن الجريمة فيحرص المحقق ان لايقع في تضليل المجرم كأن يترك في مكان الجريمة حاجات امرأة بريئة او رجل خالي البال ! وقد افلح المجرم الالماني كورتز الذي صار اسمه السفاح افلح في تضليل البوليس والمحققين عشرين عاما وكان من جملة من ضللهم زوجته ! واعترف المحققون بأن المجرم اوقعهم في اللبس ! التباس ملامح العنصر البريء بملامح العنصر المسيء ! وكثيرا ما يلتبس الأمر على القضاة فيحكمون البريء ويبرؤون المسيء ! بسبب قدرات بعض المتهمين على تضليل المحققين والمنقبين ! وثمة روايات موريس لبلان أرسين لوبين تجعل اكتشاف الجريمة والمجرم مسألة رياضية ملذة للقاريء ! وروايات اجاثا كريستي وبخاصة جزيرة الموت وافلام الفريد هتشكوك المعتمدة على تلبيس الأمور النجمة الثالثة ------------------------------------------------ لعل السياسيين هم اكثر الناس التماسا للبس والتعمية ! فتجد في تصريحات بعضهم تورية او غمزا ولمزا ! بل هم يعدون غير معنيين بالواقع الجماهيري والتوقع المثالي ! وحتى يحبكوا تخديرهم لطموحات الفقراء واصحاب الحاجات فهم يحققون من خلال الاعلام كل عصي على التحقيق ليلتبس الأمر على الجماهير فتكون مخدرة بالوهم ! وهذا يفسر كثرة الفضائيات والصحافة الضوئية والورقية ! فقد اثبت الاعلام البصري قدرته على التضليل وغسيل العقول وهذه هي عناصر اللبس . والسياسة تعتمد التحريف والتلبيس قال معروف الرصافي يصف الحكومة ويشكو من الأسماء الملتبسة :
أنا بالحكومة والسياسة أعرف أأُلام في تفنيدها وأعنَّف عَلَم ودستور ومجلس أمة كل عن المعنى الصحيح محرف أسماء ليس لنا سوى ألفاظها أما معانيها فليست تعرف كم من نواصٍ للعدى سنجُزّها ولحىً بأيدي الثائرين ستنتف
النجمة الرابعة ---------------------------------------------- التباس الاسلام السياسي والاسلام الديني ! فكثير من رجال الدين يكرسون وقتهم وجهدهم لنشر ثقافة القناعة كنز لايفنى ! وثقافة قهر النفس ومحاربة الحاجات الجسدية على انها تلبيس شيطاني ! وابليس يجعل الرؤية ملتبسة فيحذرون من تلبيس ابليس ! ولكنهم يسقطون في اول امتحان بل في اول سؤال ! فتسأل نفسك اين الخلل ؟ اهو في رجل الدين ام في تربيتنا ام في ماذا ؟ في مصر في تونس في ليبيا في اليمن في سوريا اختطف الاسلام السياسي ثورات الشباب ودخلوا اللعبة البرلمانية ووصلوا الى السلطة ليبدأ الهدر في كل شيء ! وهذه معضلة تلتبس فيها الدنيا والدين والانحراف يلتبس بالقدوة الحسنة ؟. والاسلام السياسي منذ البدء قد التبس بالاسلام الحق الاسلام السياسي لم يهزم بعد فهو سليل تجربة طولها اربعة عشر قرنا، وكل الحروب التي دارت بين المسلمين ومهما كانت المسوغات فهي حروب بين السياسيين بغطاء ديني مهلهل، والمتأسلمون الذين ظهروا في العقدين الأخيرين وتطوروا بسرعة غير اعتيادية وجذبوا نحوهم الاضواء الاعلامية يمتلكون التاريخ الذي يخدم وجودهم الجغرافي ونزوعهم المتطرف، بل ووجدت الدول المتحضرة (الطموحة) في هؤلاء حصان طروادة تدخل به الامم المسيجة دون عناء تعثرت التجربة الاسلامية بعد موت النبي صلعم، موته المفاجيء،تعثرت حتى خلال عهد الخلفاء الراشدين حيث اغتيل ثلاثة خلفاء راشدين من اصل اربعة لمسوغات مختلفة تماما، وباستثناء خطابي ابي بكر الصديق وعلي بن ابي طالب فإن خطابي الخليفتين عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان تسللا الى العهد الأموي وصبغاه بصبغة خاصة، خطاب الخليفة عمر بن الخطاب الشديد وخطاب الخليفة عثمان بن عفان المنفلت،واذا سقطت الدولة الاموية وصفيت رجالاتها وبيوتاتها بوحشية مؤلمة لم يشهد مثلها التاريخ، فإن الخطاب الأموي لم يصفَّ فاندلق الى الخطاب العباسي، فتهم الزندقة والشعوبية وأهل التسوية والارتداد كانت تتسرب من عهد سابق الى عهد لاحق بانسيابية مدهشة المكر،وكان الضحايا من العلماء والمفكرين والفقراء ... يتوارثون جلاديهم، الجد والوالد والابن والحفيد، واساليب القمع باسم الله هي هي، حتى قال احد ضحايا البيت العباسي ملخصا القول: تالله ما فعلت أمية مثلما معشار ما فعلت بنو العباس وحين سقط البيت العباسي على يد الغازي هولاكو 656 هـ سقط على ايدي كبار رجالات السلطة العباسية مثل ابي بكر ابن الخليفة المستعصم بالله، لم يجد مؤرخو الغفلة والنفخ في الرماد سببا لسقوط بغداد على ايدي المغول وتآمر بعض اعمدة البيت الحاكم مع المغول سوى عالم زاهد جليل قاده سوء حظه للسياسة المتجلببة فعمل رئيسا لوزراء الخليفة المستعصم فاتهموه بالخيانة لا لأنه خان حقا بل لأنه مخالف لرجال السلطة في قناعاتهم جغرافية ومذهبا وولاءً !! ،ويتبقى لدينا الفكر الاسلامي، فنعجب كيف تعدد الفكر الاسلامي حتى بات افكارا، بحيث ظن بعض المفكرين الكبار انه بات اسلامات مثل الصادق النيهوم الذي توصل الى ان الفكر الاسلامي واقع في الأسر واننا نعيش زمننا هذا لنشهد حروبا بين المسلمين ، ظاهرها الدين وباطنها السياسة، فثمة (اسلام ضد اسلام) ،اذن لم يهزم الحكام الملتحون بل المهزوم الحقيقي هو الشعب المسكين، وثمة الدكتور الشهيد علي شريعتي الذي وصف تحريف الاسلام والتفكير الجمعي المتواطيء بـالاستحمار وذلك يتطلب النباهة الشديدة ( النباهة والاستحمار ) ! نعم نحن نقطف ثمارالعصبية والدموية في التاريخ العربسلامي المقيت بعد أن نضجت ثماره ، ثمار دراسته الشيطانية أو تدريسه من المدرسة الإبتدائية الى مراحل الدكتوراه، نقطف ثمار اطلاق يد المؤرخين الكذابين او الموتورين الممالئين للسلطة كل سلطة دون ان يكون للجماهير دخل في ذلك، وكما قيل (الحكام يزرعون الشوك والجماهير تحصده) المؤرخون المنافقون لكل سلطة، أي سلطة او الملتاثون بلوثة انا الحق المطلق وسواي الباطل المطلق، انا من حزب الله وحزب الله هم الفالحون وغيري من حزب الشيطان وحزب الشيطان هم الخاسرون، نقطف ثمار المجالس المتخمة بالفراغ و المنفتحة على اي منطيق بارع في الحديث وجاذبية المناورة، نحن نجني ثمار حكومات العائلة التي حكمتنا منذ فجر تاريخنا، نحن ضحايا بيوتات العائلة، او البيوتات المقدسة دون بيوتات الآخرين المدنسة، من القرن الاول الهجري حتى الساعة وحتى قيام الساعة،، فشيعة أهل البيت يرون دماءهم مهدورة ودماء المسلمين مغدورة لأن السلطة اغتصبت منهم وهم اولى من كل المسلمين دون استثناء لأن السيدة فاطمة الزهراء أم الأئمة عليها وعليهم السلام في خندقهم وتباركهم، العباسيون يرون قول الشيعة مخالفا لمنطق روح الدين وقيم العرب فشيعة بني العباس ينكرون على الشيعة الفاطميين دعواهم و المسوغات وفيرة، يزعمون ان ميراث الفاطميين غير شرعي فالسيدة فاطمة الزهراء امرأة (كذا) والعباس عم النبي ذكر، والذكر اولى من الانثى في الفكر البدوي وإن تأسلم فبيتهم اي بيت بني العباس اولى، تاريخنا العروسلامي وباء مكثف وثقافتنا الدينية دماء معلبة ماركتها طبعة متميزة قائمة على التاريخ، السُنة ملتزمون بسنة الرسول والصحابة وهؤلاء اقرب للاسلام والشيعة ملتزمون بالبيت النبوي ففي بيوتاتهم تنزلت سور الكتاب فهم الصق بالاسلام من غيرهم، دعبل الخزاعي توفي في العقد الثاني من القرن الثالث الهجري، يشير الى حق اهل البيت في ادارة البيت الاسلامي وظلم مناوئهم لهم: مدارس آيات خلت من تلاوة ومنزل وحيٍ مقفرِ العرصات حتى الجواهري الكبير رحمه الله في زمننا هذا حين خاطب ملك الاردن الملك حسين رحمه الله ! نافح عن حق ثقفه بالرضاعة عن اهل البيت : يا ابن الذين تنزلت ببيوتهم سور الكتاب ورتلت ترتيلا البيت العباسي اعاد صياغة السلطة الاموية بدموية اكثر ! فكرس ان الاسلام نهض بهم، والعباسيون هم اهل بيت النبي دون سواهم (خطبة داود بن علي : الحمد لله شكرا شكرا شكرا الذي أهلك عدونا وأصار إلينا ميراثنا من نبينا محمد أيها الناس الان أقشعت حنادس الدنيا وانكشف غطاؤها وأشرقت أرضها وسماؤها وطلعت الشمس من مطلعها وبزغ القمر من مبزغه وأخذ القوس باريها وعاد السهم إلى النزعة ورجع الحق إلى نصابه في أهل بيت نبيكم أهل الرأفة والرحمة بكم والعطف عليكم)،، انتهى بمرارة اقول ان العقلاء او الحكماء منا ومنهم بين قتيل وسجين وطريد، المسلم ان لم يوافق قرارات البيت الشيعي فهو سني، والمسلم ان لم يؤيد مواقف السنة فهو شيعي، ليس ثمة فرق بين الشيعي والسني ولكن اللبس حصل بسبب الغوغاء ! فائمة السنة يوقرون اهل البيت ! وائمة الشيعة يوقرون الخلفاء الراشدين ! والقرآن الكريم تنزل بلغة العرب وطبيعة لغة العرب ان تكون الجملة حمالة اوجه ! وقد لعب المتشددون ادوارا غير محمودة في توسيع الشقة بين الاجتهادات الاسلامية ! ولعب دعاة السوء المتجلببون بالدين دور من يحرض السلطة على مغايرهم في التفكير او المصالح وبسبب اللبس في التعبير او الفهم او التأويل قطعت رؤوس الابرياء وسبيت بنات النجباء ومازالت مع الاسف ! من اين جاءت فكرة ان تقتل غيرك من اجل الدين ؟ ان يقتلك غيرك في سبيل الدين ! وكيف يختصم فريقان من المسلمين وكل يخاطب غريمه قتلانا في الجنة وقتلاكم في النار ! فعن اي جنة وعن اي نار يتكلمون ؟ النجمة الرابعة -------------------------------------- التباس العلم بالجهل! ثمة عالم ومتعالم وكثيرون اولئك المتجلببون بالعلم لكنهم يخفون جهلا مروعا ! ووصف النبي ص دعي العلم بالمتفيهق والمتشادق ! وبعض المتعالمين يصنعون في بيوتهم مكتبات فخمة بيد انهم لايقرأون منها شيئا ! فهؤلاء كمثل الحمار يحمل كتبا : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) الجمعة 5 وفي القرآن الكريم سؤال كبير وهو هل يستوي العالم بالجاهل ؟ وهو سؤال العارف في علم البلاغة ! وجوابه طبعا لا ولكن في زماننا هذا يستوي الذين يعلمون والذين لايعلمون بل احيانا يفضل الذين لايعلمون على الذين يعلمون . (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ) الزمر 9. وقد شكا ابو العلاء المعري من تفشي الجهل والجهلاء من حوله : ولـما رأيتُ الجهلَ في الناسِ فاشياً تـجاهلْتُ حـتى ظُـنَّ أنّيَ جاهل فوا عَجَبا كم يدّعي الفضْل ناقصٌ ووا أسَفا كم يُظْهِرُ النّقصَ فاضل وكان الشيخ الدكتور احمد الوائلي قد شكا من اللبس الحاصل بين الاصلاء والادعياء ! فالمجتمع قد يلتبس عليه الامر فيحترم غير المحترم وينتقص من المحترم : ويد تكبل وهي مما يفتدى ويد تقبل وهي مما يقطع ويصان ذاك لأنه من معشر ويضام ذاك ؛ لأنه لا يركع ووضع المتنبي قاعدة لأمن اللبس وهي اذا كان الهجاء من ناقص فهو مجروح : وإذا أتَتْكَ مَذَمّتي من نَاقِصٍ فَهيَ الشّهادَةُ لي بأنّي كامِلُ وهاهم الجهلاء يشترون شهادات الدكتوراه ويزورونها ليلتبس الدكتور الحقيقي بالدكتور المزيف فيلتبس الأمر على الناس . وفي العراق يسمون الدكتوراه المزيفة دكتوراه سوق مريدي . ان دكتوراه المعمقة واختصارها PH.D !! تعني درجة العالِم والعالِمية وفي علم الوحدات قد تساوي سنوات خبرة مقننة بالسعة والعمق والزمن والكم !وهناك انماط من الدكتوراه وخاصة في بعض دول الاتحاد السوفيتي سابقا و فرنسا تكون درجات بعضها يعادل عندنا شهادة معهد بعد الاعدادية او دبلوم !وفي هذه الدول (بعض دول الاتحاد السوفيتي سابقا و فرنسا) جامعات عريقة ذوات سمعة عالية تمنح الشهادة كدكتوراه تعادل الدكتوراه الاعتيادية مع ترقيتين لرصانة الجامعة والشهادة ! وفي العالم المتمدن هناك دكتوراه فلسفة يمكن ان تكون في اي اختصاص من الطب الى الفيزياء الى العربي الى الى !! يعين حامل الدكتوراه المعمقة بدرجة مدرس غالبا ان لم يكن حاملا على درجة سابقة !! مثلا درجة الزميل المرحوم دكتور جليل رشيد فالح وكان يدرس معنا الدكتوراه ودرجته استاذ مساعد وهي أعلى من درجة رئيس قسمنا الفاضل الدكتور عمر ملا حويش وكان لايراقبنا في الامتحان احتراما لدرجة الطالب جليل رشيد فالح !! ثم بعد دراسات وبحوث لاتقل عن 3 سنوات يترقى الى استاذ مساعد وبعد سنوات من البحث والتدريس وتقديم دراسات وبحوث لاتقل عن ثلاثة كل بحث بدرجة ممتاز اصيل ومرور ثلاث سنوات يترقى الى استاذ مشارك ( في العراق الترقية من استاذ مساعد الى استاذ مباشرة ) وبعد سنوات من البحث والتأليف يقدم ثلاثة بحوث يشرف عليها علماء مشهود لهم بوزن ( في العراق ) مثلا علي جواد الطاهر ومحمد مهدي المخزومي او احمد مطلوب او خديجة الحديثي وعناد غزوان والبحث ينبغي ان يكون بدرجة اصيل مبتكر يرقى الى درجة استاذ كامل فول بروفيسور Full professor العلامة الكبير مدني صالح حصل على الاستاذية وليس معه سوى ماجستير والطود العالم طه باقر الحسيني استاذ كرسي وليس معه سوى الماجستير !! وكذلك فقيد العلم الكبير ابراهيم حرج الوائلي فهو استاذ كامل الاستاذية وكان الوائلي مختصا بتدريس طلبة الدكتوراه ودرسني ومازلت فخورا لانه درسني وليس معه دكتوراه ! بل ان السير جيمس فريزر مبدع كتاب الغصن الذهبي حصل على كرسي الاستاذية وليس معه شهادة عليا !! الأستاذ ينتهي مشواره بعد الاستاذية فتتنخل بعض الجامعات المرموقة اسمه المرموق لكي تمنحه درجة عظمى وهي استاذ كرسي ولا شيء بعدها سوى الراحة او الموت!! كنت في منتصف الثمانينات من القرن العشرين مدرسا في جامعة الموصل العريقة العتيدة وفي مقابلة اجراها معي الاديب والقاص والصديق الاستاذ عبد عون الروضان قد اقترحت تشكيل مجمع اكاديمي يراقب الكتب المنشورة دراسات كانت ام دواوين وتقرأ المطبوعات بدقة وحرص أكاديميين ثم يستدعى المؤلف وتشكل له لجنة مناقشة علمية وتناقشه فيما كتب وتأخذ بعين الاعتبار دفاعه عن مطبوعه وتختلي اللجنة ثم توصي بمنح المؤلف بكالوريوس ان لم يكن معه بكالوريوس واذا كان معه فتمنحه ماجستير ! بل ان العلماء والمبدعين الكبار يمكن ان يكونوا ضمن لجنة مناقشة الدكتوراه مثل وقتها العلامة جلا ل حنفي والشاعر عبد الوهاب البياتي والشاعرة لميعة عباس عمارة ! فضلا عن منح هؤلاء واضرابهم دكتوراه حقيقية وليست فخرية بل وحتى الموتى يمكن مناقشة كتبهم وطبعها طبعات ذهبية وتقديم ريعها لعوائلهم ويمنحون درجة دكتوراه مثل الاب انستاس ماري الكرملي وعباس العزاوي وعبد الرزاق الحسني وعبودي الشالجي وعبد الكريم الدجيلي وجعفر الخليلي والشيخ اسد حيدر وعبد الرحمن التكريتي ... إ . هــ وكما ان الجوامع والكنائس والمنديات بسل على من لايريد ان يعرف قداستها ! فإن الجامعات محرمة على الزعانف والطحالب والأشنات ( والحر تكفيه الحجارة في هذا الزمان ) كما حرمت مكة على اليهود الجامعات محرمة على الدهاقنة في السياسة ومن يحاول تنجيس الدين الطاهر باغراضه البشعة الجشعة ! للجامعة حرمة كمثل حرمة المسجد كمثل حرمة العرض ! لايجوز ان يدخل عليها الغرباء ! وهي لا تخضع لسوى مستجدات الفكر العلمي الاكاديمي ! وهي ممنوعة على الدخلاء والغرباء وبين ايدينا جامعات عريقة مثل الكوفة وبابل والقادسية والبصرة وما بين هذه الجامعات وهي سانحة قد تكون الوحيدة والأخيرة لنثبت من خلالها للعالم اننا في هذه البقعة من الدنيا نحترم العلم لوجه العلم ونكرس احترامنا حد المبالغة والتوجس للمعاهد الاكاديمية دون ان نسمح تحت اي عذر او مسمى او مصلحة او ضرورة لتسرب جزء من اكاديمياتنا نحو حضيض الوحل او تسرب حضيض الوحل الى اكاديمياتنا فالعلوم الصرفة لاوطن لها ولا دين ولا عقيدة سياسية ( اطلب العلم ولو في الصين ) والعلوم الصرفة ( الناسوتية ) فهي كما ذكرنا !! اما العلوم ( اللاهوتية ) فموضوعها مختلف لأنها تخضع للمكا ن واشتراطاته !! العلوم الصرفة ومنها الانسانيات كالقانون والفنون : هي نظريات علمية بحتة وفرضيات ومختبرات وتطبيقات ومقارنات وتوصلات ! عودة الى المدرس حامل الدكتوراه : بعد دراسات وبحوث لاتقل عن 3 سنوات يترقى الى استاذ مساعد وبعد سنوات من البحث والتدريس وتقديم دراسات وبحوث لاتقل عن ثلاثة كل بحث بدرجة ممتاز اصيل يترقى الى استاذ مشارك ( في العراق الترقية من استاذ مساعد الى استاذ مباشرة وفي ذلك نظر !! ) وبعد سنوات من البحث والتأليف يقدم ثلاثة بحوث يشرف عليها علماء مشهود بمقامهم ( في العراق ) مثل علي جواد الطاهر ومحمد مهدي المخزومي او احمد مطلوب او خديجة الحديثي اوعناد غزوان في الادب والثقافة العامة او فرحان باقر في الطب او طه باقر في الحفريات والبحث ينبغي ان يكون بدرجة اصيل مبتكر فيرقى الى درجة استاذ كامل فول بروفيسور Full professor العلامة الكبير مدني صالح حصل على الاستاذية وليس معه سوى ماجستير والطود العالم طه باقر الحسيني استاذ كرسي وليس معه سوى الماجستير !! وكذلك فقيد العلم الكبير ابراهيم حرج الوائلي فهو استاذ كامل الاستاذية وكان الوائلي مختصا بتدريس طلبة الدكتوراه ودرسني ومازلت فخورا لانه درسني ! وكذلك مصطفى جواد رحمه الله بل ان السير جيمس فريزر مبدع كتاب الغصن الذهبي حصل على كرسي الاستاذية ومعه بكالوريوس فقط !! الأستاذ ينتهي مشواره بعد الاستاذية فتتنخل بعض الجامعات المرموقة اسمه المرموق لكي تمنحه درجة عظمى وهي استاذ كرسي ولا شيء بعدها سوى الراحة او الموت Chair professor واقولها بحسرة قاتلة ان بعض الادعياء حصلوا على الدكتوراه دون وجه حق وتحصلوا على درجة الاستاذية بـ ( بساتيق الطرشي والفستوكَيات ) !! ومازلت طامحا حتى اليوم رغم المنغصات والمخاوف في ان يكون للجامعات العراقية دورمؤثر في حياتنا العلمية والادبية والثقافية بل والاجتماعية ! فأكاديميو علم النفس مثلا يزورون البيوت ويعملون على اصلاح العوائل المتفككة علميا وليس خرافيا مثلا ! واكاديميو البيطرة او الزراعة يزورون القرى والقصبات لينتفع المجتمع من علمهم ويعرف فضل الأكاديميات ! والجامعات ( وحدها وحصرا ) كفيلة بان تكرم وتمنح شهادات التقدير للمبدعين وتكون المرجعية الوحيدة في ذلك حتى لايتطاول اشباه الاميين والمثقفين فيمنحون الشهادات للمبدعين والاساتذة الكبار وهم لايشكلون مثقال خردلة في العير او النفير ! والمشكلة ان يتراكض المبدعون مع الاسف دون احترام للمقام العلمي او الابداعي !! نعم يمكن للمثري شبه المثقف شبه الأمي ان يقدم هدية نقدية للمبدع ( نقود ! بيت ! سيارة ! بطاقة علاج مفتوحة سفرة الى اوربا ) ولكن ليس له ان يطبع دروعا وشهادات دون وجع قلب وحتى دون اجازة رسمية او استشارة علمية ويمنحها لمن هب ودب لا ليكرم بها غيره بل ليسد ثغرة في نسقه التركيبي ! بل واتمنى ان لا تتعالى الجامعة عن دراسة ( الجديرين ) من الاحياء والانفتاح على تجارب الشعر الشعبي واتذكر ان دكتوراه العلامة الفقيد رزاق القريشي ( ابو عذراء ) كانت في الفنون الشعرية غير المعربة وحصل على الامتياز من جامعة القاهرة ومازالت هذه الاطروحة التي طبعتها وزارة الثقافة العراقية مرجعا لايمكن الاستغناء عنه ! يعني لدينا تجارب في الشعر الشعبي درسها مشتشرق فرنسي في كتابه المترجم العرب من الامس الى الغد وتوقف معجبا منبهرا امام شعر الحاج زاير عنجورة الدويج ! الدعوة قائمة مازالت ولكن الخشية ان تدس انفَها نجاسات السياسة الى مقترحاتنا واحلامنا فتجعل منها لعنة تفري ارواحنا ونحن في قبورنا ! الاكاديمي ليس من حمل الدكتوراه بل من احسن حملها وافاد الناس بها لكي يعزز هاجس الحضارة وليس هاجس الدعارة ! ثقافة الحياة وليس ثقافة الموت ! الشهادة التي يحملها صاحبها دون ان يكتبها ولنقل يحملها مزورة او مكتوبة له فيبين على سيمائه جبين الحمار وفق الآية العظيمة (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا. ) وكما ان الجوامع والكنائس والمنديات بسل على من لايريد ان يعرف قداستها ! فإن الجامعات محرمة على الطارئين والدخلاء كما حرمت مكة على اليهود الجامعات محرمة على الدهاقنة في السياسة ومن يحاول تنجيس الدين الطاهر باغراضه البشعة الجشعة ! للجامعة حرمة كمثل حرمة المسجد كمثل حرمة العرض ! لايجوز ان تخضع لسوى مستجدات الفكر العلمي الاكاديمي ! وبين ايدينا جامعات عريقة مثل الكوفة وبابل والقادسية والبصرة وما بين هذه الجامعات وهي سانحة عظيمة وربما اخيرة كي نثبت من خلالها للعالم اننا نحترم العلم لوجه العلم ونكرس احترامنا حد المبالغة والتوجس للمعاهد الاكاديمية دون ان نسمح تحت اي عذر او مسمى او مصلحة او ضرورة لتسرب جزء من اكاديمياتنا نحو حضيض الوحل او تسرب حضيض الوحل الى اكاديمياتنا فالعلوم الصرفة لاوطن لها ولا دين ولا عقيدة سياسية بل هي نظريات وفرضيات ومختبرات وتطبيقات ومقارنات وتوصلات ! والحمد لله رب العالمين .
|