بين المبدأ والازدواج، مسيرة كون


ليس الوقت هنا مناسبا لمناقشة الأسباب والتوقيت التي دعت القائد العام للقوات المسلحة لخوضه منازلة لم يكن قد وضع لها الخطط السليمة والحنكة العسكرية، في حركة تدل على بساطة فكر القيادة الأمنية وغياب الوعي العسكري لمسووليها.
إنما اردت ان أضع هنا بين يدي القاريء اللبيب مجموعة من التساؤلات التي وقعت في ذهني بعد ما شاهدت وسمعت بعض الامور التي تغيرت بشكل مفاجيء هذه الايام سواء ما كان منها متعلقاً بالشخصيات او ما كان يخص انتقاد الرأي ومدحه في نفس الوقت، اي بمعنى اخر الازدواج المصلحي لدى البعض لو جاز تسميته.
فمثلا حينما كنت أشاهد اتباع الحاكم يسبون ويشتمون الشيخ احمد ابو ريشة وينعتونه بأبشع وأرذل النعوت، وهو بالامس كان الرجل المعزز المكرم الاول لدى رئيس الحزب الحاكم، وجدت اليوم ان الامر نفسي ومصلحي شخصي بحت، ليس له علاقة بالعقل ولا المصلحة العامة ولا اي شيء اخر يخدم العراق، مجرد تحشيد مدفوع الثمن لاجل تسقيط اي شخصية تقف بوجه الحزب الحاكم ورئيسه مهما كان اسمه وعنوانه، شيعيا كان ام سنيا، عربيا ام كرديا.
والا ما تعدت اشهر على اتهام دولة الرئيس المالكي للشيخ احمد ابو ريشة بالوقوف مع الارهاب وقتله الجنود الخمسة في ساحة الاعتصام، لا لشيء الا لانه كان مؤيدا للاعتصامات والمطالب التي وصف بعضها دولة الرئيس بالشرعية في اخر خطاب أسبوعي له، حتى رأيناه اليوم يجالسه ويسلمه المسوولية من جديد ويظهره من على شاشة قناة الحزب الحاكم الخاصة مدليا بخطاب ناري جعله هذه المرة رجل المهمات الصعبة ومنقذ العراق من الارهاب بعد ان كان بالامس القريب راعيا له.
وليس هنا وحسب تنتهي المشكلة، بل انني اسمع من لسان دولة الرئيس وتكرره أقلام وافواه الببغاوات ممن اصبحت عقولهم كحائط يعكس صدى كلام الزعيم دون تردد او بطء، من ان هناك مطالب مشروعة، وان هناك عشائر ثائرة وهناك سنة وطنيين وغيرها من الامور التي كنا حين نتحدث بأقل منها وصفا تقوم علينا الدنيا ولا تقعد.
فالطائفيون الانتهازيون من سياسيين ورجال دين واتباعهم من سذج القوم، حين تريد ان تطرح رأيا معتدلا لا يخرج من صميم الواقع، ينتفض بوجهك ويكفرك ويخرجك من الملة، بل سيتهمك باسرع وقت ممكن من أنك تريد اضعاف المذهب وتدميره وإسقاط حكومته.
وما ان يتحرك كبارهم في اتجاه معاكس لحركته السابقة ويغيرون من آراءهم تجد هولاء الببغاوات يتحدثون بنفس النبرة ونفس الطرح الجديد، متناسين ما كانوا يصرون عليه ويستقتلون على قوله بالامس ومن دون ذرة حياء او خجل.
ولاننا في صميم موضوع التحرك العسكري الاخير في الأنبار، ولكي لا نذهب بعيدا عنه دون الدخول في تفاصيله العسكرية الميدانية البحتة، اقول ان هذا الامر وغيره من الامور الاخرى آنية الفكرة والحركة والتي تُدار بها عجلة الدولة، وضعت البلد كل هذه السنين في مفترق طرق ودوامة صراع وكثرة مشاكل.
سواء على المستوى السياسي او الطائفي او الاقليمي، وليس بعيدا من ذلك العربي.
وهذا الفكر الضيق والمحدود والمتواضع الخبرة في إدارة شؤون الدولة، لم تكن اثاره السلبية محصورة في نطاق راس السلطة، بل انه تسبب بوضع محرج للبلد على كافة الأصعدة الداخلية والخارجية.
حتى اصبح الهم الاول والأخير لأبنائه هو كيفية تسقيط بعضهم الاخر، وكيفية إقصاءه وإلغاءه، بل وصل الامر الى إيجاد كل السبل والطرق لمحو الاخر من الوجود.
وهذا الامر المُصطنع الطارئ بطبيعته جعل الشعب مُنشغلا ومُبتعدا كل البعد عن المطالبة باحتياجاته وحقوقه المشروعة سواء ما كان يتعلق بحفظ أمنه او توفير الخدمات له، او ايجاد لقمة عيش تحفظ كرامته.
وبقي مُلتهياً بالتسقيط والسب والشتم والحقد فيما بين مكوناته.
وهنا لابد من بيان امر مهم يصلح ان يكون مُلخّصاً لهذا الموضوع وهو؛ انه يجب ان يعلم أنصاف العقول والسذج من انه مهما كان الفرد معارضا لسياسة الحكومة فان المنطق العقلي والشرعي يحتم عليه ان يحفظ كيان تلك الدولة ويقف بوجه كل من يريد بها سوءا، الا انه في الوقت نفسه فان الفرد اذا شعر بالغبن او غياب حق من حقوقه من قبل دولته، فان واجبه الشرعي والأخلاقي يتطلب منه مطالبة الدولة بهذه الحقوق المشروعة، وان لا يتهاون مطلقا في تحقيقها، لذا فانه ومن هذا المنطلق اقول ان واجبنا الشرعي والأخلاقي والوطني لا المصلحي الضيق، يلزمنا جميعا بالوقوف مع القوى الأمنية في حربها على الارهاب والمليشيات المدعومة حزبيا والقتلة والمجرمين أمثال التكفيريين والقاعدة والبعثيين المجرمين وعملاء المحتل.
وهو امر لا يختلف عليه اثنان من العقلاء، لان الدولة يجب ان تقف على قدميها وتتعافى من سرطان الارهاب الذي نخر جسدها، بسبب تكالب الأعداء عليه، من داخل ارضه وخارجها.
اللهم احفظ قواتنا الامنية الوطنية المخلصة لشعبها ووطنها، وادحر الارهاب وأهله ومن يروج له في السر والعلن.