الكيان الشيعي .. الهوية المدنية ( 3- 7 )


فكرة الكيان الشيعي سبقني في طرحها آخرون .. وكان تداولها من المحرمات التي تصل الى درجة الخيانة بسبب ضغط الدعاية والإعلام ( السني) الذي نجده كثيرا ما يردد شعارات الوحدة الوطنية وتخوين الشيعة في الوقت الذي يذوب (السنة) بمختلف توجهاتهم بالمحيط القومي العربي ورهن قراراتهم وإرادتهم السياسية بيد الدول العربية على حساب إنتمائهم الوطني ، ووصل الأمر بهم الى إستضافة مجرمي القاعدة والمخابرات السورية في مدنهم وبيوتهم من اجل اعداد جرائم الأحزمة الناسفة والسيارات المفخخة لقتل أبناء شعبهم من الشيعة ، وحينما تضررت مصالحهم وحياتهم ، أقدم بعضهم على تشكيل الصحوات وحارب القاعدة لأسباب شخصية وليست وطنية !

منذ تاريخ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 دفع الشيعة الثمن باهضا وخسروا كثيرا بسبب غياب البٌعد المؤسساتي والعمل الجماعي عن تفكيرهم الذي يهتم بمصالح الكيان الشيعي بأشمله ، وإهمال الحرص على وجودهم ومصيرهم ومستقبلهم . في البدء إحتكرت المرجعية التفكير نيابة عنهم ، وكانت تلك المرجعية بحكم جذورها الفارسية غير معنية ولايهمها مصالح شيعة العراق ، وقد تعاملت معهم بإستعلائية ونظرته اليهم مجرد أفراد يدفعون أموال الخمس والزكاة ويقبلون الأيادي ، لاحظ على سبيل المثال : طيلة تاريخها المعاصرة لم تقم المرجعية أي مشروع مفيد لشيعة العراق وكانت أغلب أموالها ومشاريعها تذهب الى إيران . ثم جاءت الأحزاب وكانت أشد ضررا على الشيعة نتيجة حصر تفكيرها بالمصالح الحزبية فقط ، وهكذا ضاع الشيعة وقتلوا ونُهبت ثرواتهم ، وأصبحوا بلا حاضر ومستقبلهم يتهدده الخطر من كل جانب !
وكانوا الشيعة طوال تاريخهم مستعبدين تحتلهم الحكومات ( السنية ) وتنهب ثرواتهم وتستعملهم وقودا في حروبها ، ولم يكن الشيعي مواطنا ، بل عبارة عن أسير حرب يعيش في العراق لخدمة السلطة السنية ، واذا ماطالب بحقوقه يصبح خائنا وعميلا، وكان كل شيعي متهم في وطنيته طوال عمره حتى لو كان من أزلام وخدم السلطة السنية التي أبعدت الشيعة عن تقلد المناصب الرئيسية وهمشتهم وعملت بصرامة على قتل أدنى بروز لكوادرهم في مختلف المجالات وخصوصا العسكرية والسياسية !

ماذا يحتاج الشيعة ؟

على الصعيد الإعلامي .. واحدة من النواقص الكبيرة التي رافقت تاريخ الشيعة الحديث هو الفشل في تقديم أنفسهم وشرح قضيتهم للعالم بإعتبارهم كيان بشري يعانى من الإضطهاد والقتل الجماعي بسبب معتقداتهم الفكرية والدينية ، وأطماع خصومهم بثرواتهم .. ولم يستطع الشيعة السير على خطى أصحاب الهويات الاخرى في شرح قضاياهم : كالأقباط في مصر ، والتبت في الصين والأمازيغ في بلاد المغرب العربي ووالموارنة في لبنان وغيرهم ، وسبب هذا الفشل يعود الى غياب الهوية المدنية عن كيانهم ، وإحتكار تمثيلهم من قبل المرجعية وأحزاب دينية متخلفة إعلاميا وسياسيا قرارها مرتهن بيد بإيران !

من الناحية السياسية يحتاج الشيعة الى الكثير من التغيرات في نظرتهم الى الدولة والشراكة السياسية ، و إدراك حقيقة ان وجودهم سيظل مستهدفا من قبل المحيط السني الداخلي والعربي المجاور الذي يخوض حربا مستمرة ضدهم ، وامام خطر التعرض للإبادة .. ليس لدى الشيعة خيار سوى الإجتماع على الوحدة والتعاون وتشكيل الكيان الشيعي بهوية مدنية يضم جميع التوجهات من المتدينين والعلمانيين الليبراليين ، والحزبيين والمستقليين .. كيان يقوم على أساس الدفاع عن مصالح الشيعة جميعهم بعيدا عن الصبغة الدينية دون إقصاء لأحد وفرز الناس على اساس التدين أو الإنتماء للأحزاب الدينية.

يوجد ملايين الشيعة من المستقلين ، وكذلك غير المتدينين والعلمانيين الليبراليين .. وهؤلاء يشتركون في مصير واحد في تعرضهم لخطر االقتل الجماعي ، وهم يريدون العمل والدفاع عن مصالح كيانهم ، لكن المشكلة في كارثة إحتكار السلطة وتمثيل الشيعة من قبل المرجعية والأحزاب وإقصاء الملايين الباقية من خارج هذه الأطر ..والشيعي المستقل والعلماني الليبرالي غير مستعد للإنخراط تحت راية هذه الواجهات الدينية ، فهو لايريد ان يحسب على أية جهة ، وبحاجة الى فضاء أكثر سعة وحرية .. فما هو الحل .. هل نضحي بهذه الملايين الذين لديهم طاقات وكفاءات ، وكذلك حرص وإخلاص لخدمة مصالح كيانهم .. أم نستوعبهم ونوحد جهودهم من خلال إحداث تغيير نوعي في هوية الكيان الشيعي من دينية الى هوية مدنية منفتحة على الجميع ، وتصبح المجتمعات والمدن الشيعية مثل بغداد في عصرها الذهبي المدني في الخمسينات والستينات حيث الحرية الإجتماعية في كل شيء : فن ، سينما ، مسارح إحتفالات غناء رقص ، علاقات حب وغيرها .


وفي نفس الوقت إستمرار حرية المعتقد والنشاط الديني والطقوس للجميع بشرط كل طرف يحترم حرية الآخر .

ماتحققه الأحزاب الشيعية من مكاسب الحصول على السلطة والمال .. وإقصاء الإخرين من أبناء الشيعة .. لايقل خطورة عن جرائم إرهاب القاعدة ، فهذه الأحزاب تشارك في إضعاف وتدمير كيان الشيعة بإقصائها لملايين المستقلين وإحتكارها كل شيء ، علما معظم الكوادر السياسية والعلمية والثقافية الشيعية هم من المستقلين وليسوا من الإسلاميين ، وهؤلاء لايجدون لهم أدوارا حقيقية على الأرض في ظل الإحتكار الشامل والطوق الصارم الذي تفرضه الأحزاب !
على الشيعة الإختيار بين التعرض للقتل الجماعي ومحوهم من الخارطة .. أو التوحد بجميع ميولهم وتوجهاتهم دفاعا عن مصيرهم ووجودهم ، و بين الانانية وشهوة الإحتكار من قبل الأحزاب ، أو نكران الذات والحرص على المصير المشترك .


ان التشيع ليس محصورا في اللطم والتطبير والعمائم السوداء والبيضاء ... بل هو مباديء شريفة وثورة ضد الباطل من أجل الحق والعدالة .. وهذه القيم السامية تصلح كفكر ونهج للجميع المتدين وغير المتدين ، وهي يمكن ان تكون عنوانا وهوية نبيلة لكافة الشيعة وقاعدة لتأسيس كيانهم المدني .

تنويه :

رفضي للتدخل الإيراني وكلامي عن جذور المرجعية الفارسية .. ليس موجها ضد الشيعة العراقيين من الأصول الإيرانية ، فهؤلاء أعرف من بينهم العديد من الشرفاء وهم جزء من كيان الشيعة الذي يضم العرب والكورد الفيلية والتركمان والهنود والباكساتيين جميعهم يشتركون في حق المواطنة العراقية ويتعرضون لنفس المصير والخطر .علما لاأعتبر قوميتي العربية ميزة تتفوق على غيرها ، بل أشعر بالخجل والإشمئزاز من تاريخ أجدادي العرب حينما كانوا يقومون بالغزوات والنهب وسبي النساء وجعلهن جواري وغيرها من جرائم التخلف!