عصور وقرون تأتي وتنجلي ولا احد يستطيع أن يغيير شيئا من التاريخ. وصانعوا التاريخ إما أن يكونوا من فئة الذين خدموا الانسانية خدمات جليلة وسطروا اسمائهم في التاريخ بحروف من ذهب وإما أن يكونوا من الذين طغوا وبغوا وقتلوا وشردوا شعوبا أو أبادوهم ابادة تامة وخلدوا اسمائهم في التاريخ في سجل المجرمين بحروف من الدم.
منذ الازل ظهرت على ارض الرافدين شخصيات بارعة فأول مَن وضع القوانين على الارض لخدمة الانسانية واعمار الارض ونشر العدالة هو المشرع الخالد حمورابي الذي اشتهر بمسلته المسماة بإسمه(*) وهي تحتوي على 282 مادة تعالج مختلف شؤون الحياة ذلك قبل 1790 سنة قبل الميلاد .
إن سيدنا ابراهيم ابو الانبياء عليه وعلى نبينا افضل الصلاة والتسليم الذي وقف ضد الشرك وهو في مقتبل عمره وتحدى جبروت نمرود هو خير نموذج لابن بلاد النهرين. وبناءا عليه فالانبياء الذين جاءوا من صلبه على مر التاريخ وفي مختلف انحاء المعمورة هم اصلا من ابناء ارض الرافدين. هذه الارض منبع الحضارات الاصيلة قدمت للانسانية خدمات لاتعد ولاتحصى بأيادي مبدعيها على مر العصور وحكمها حكام عادلون وجائرون وكانت دائما هدف الغزاة تدمرت مئات المرات وعُمرت فهي مدينة ابو الانبياء ومدينة اشوربانيبال وحمورابي ومدينة كسرى ومدينة حجاج وهارون الرشيد والمعتصم و ..و..
من سخرية القدر ان يولد عليها اول قوانين لخدمة الانسانية ورقيها ، تلك القوانين بدلا من تطويرها واضافة قوانين جديدة عليها فإننا قمنا بنسفها جملة وتفصيلا ياحبذا لو يقرأ حكامنا تاريخ حياة حمورابي (خليل الرب) ففي حياته رسالة واضحة لكيفية ادارة شؤون البلاد بالعدالة التي نفتقدها هذه الايام . فالعراق الان هي الاولى في انتهاك حقوق الانسان و في تحطيمه واذلاله وهي الاولى والسبّاقة في الفساد والسرقة والنهب اضافة الى القتل بالجملة للابرياء .وكأن المجرمين المحليين لاتكفي فالعراق تحول الى محطة للغزاة والقراصنة واللصوص والمجرمين .
هل المجرمون حقا يؤمنون بالله ؟؟؟
لاتمر اطلاقا جريمة دون عقاب مهما كان منصب المجرم أو مقامه. أما مجرموا الغرب فهم اصلا غير مؤمنين بالله فلا مبادىء لمن لادين له وان كان فيهم مَن يدّعي الايمان فهو عدو المسلمين ومؤيد للحروب الصليبية الجديدة التي كانت ولايزال الهدف منها هي نهب ثروات المسلمين.إلاّ أن الغريب في الامر مجرموا اليوم في العراق لحد هذه اللحظة غير مدركين بشاعة ما يرتكبونه من الجرائم ولو سألتهم لماذا هذه الجرائم؟؟
فالجواب إن مايفعله هو عين الصواب وله مبرراته وليست بجريمة ( الذينَ ضلّ سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يُحسنون صُنعا)
المواطن العراقي لديه سجل ضخم فيه حسابات الماضي والحاضر لم تحسم بعد. حسابات خارجية وداخلية حساباته مع جيرانه الذين ساعدوا وسمحوا لاعداء العراق بالدخول اليها مع اسلحتهم الفتاكة والمحرمة دوليا او الذين سعوا ولايزال يتلهفون الى ارسال الارهابيين المغرر بهم مع اسلحتهم الينا أو الذين ينشرون سموم المخدرات بكافة اشكاله بين الشباب.
الاعداءلايشفي غليلهم الابرياء الذين يذّبحون بالمئات كل يوم سواء بالتفجيرات أو الاغتيالات وأقسموا على ان يقضوا على الخير كله في العراق سواء بأيديهم أو بأيدي عملائهم .مهما ابدينا من حسن نية وطلبنا الخير للكل فالعدو يبقى عدوا ويتربص لنا ويخطط لتدميرنا.
أما حسابات المواطن العراقي الداخلية فمنذ السقوط يطالب بحقه في ارضه وممتلكاته المغتصبة دون فائدة فالمنجز من نزاعات الملكية في خلال تسعة سنوات ضئيل جدا نسبة الى العدد الحقيقي من الدعاوى. وأن المواطن الذي لديه دعوة نزاع ملكية و عمره في الستينات لااعتقد انه سيرى نتيجة محسومة لصالحه اذا مشت الامور على هذا المنوال لان حياته لاتكفي . فماالحل إذن؟؟؟؟ الحل يكمن في حكومة وطنية من صلب الشعب غير موالية لاية دولة مهما كانت ( شرقية أو غربية لان لكل دولة اجندتها ومصلحتها فوق كل مصلحة) لاطائفية ولاعنصرية وتعمل لمصلحة العراقيين دون تمييز او تفريق او تهميش لاية فئة وتحقق العدالة الاجتماعية وتعمل جاهدا للقضاء على الفقر والبطالة وتأخذ بيد الشباب وتنير لهم الدرب وتحثهم على العمل من اجل عراق حر ومزدهر .
أما النعرات الطائفية التي اثيرت بعد السقوط فهي الاخرى في سجل الحسابات الداخلية والتى لم تحل لحد الان لان هناك مَن يسكب الزيت عليها ليضل مشتعلا ومتأججا على الدوام .
في الغربة عندما يأتي وقت الصلاة ونحن ضيوف في بيت احدنا من العراقيين كنا ولانزال نصلي بنفس الاذان ونفس الاقامة ويؤمنا صاحب البيت ولم يخطر على بالنا بأن مَن يؤمنا في الصلاة سني أو شيعي ودائما ندعوا لخير الامة الاسلامية . بعد كل هذا أ يجوز لنا ان نقول لبعضا انت سني أو شيعي بعد أن جمعتنا شهادة لاإله الاّ الله محمد رسول الله.
امنيتي في الحياة ان ارى صاحب كل حق ونال حقه المغتصب منه عنوة . وأن يعدل الذين يريدون السوء للانسانية ويصحوا من غفوتهم ويستقيموا ويحسبوا حساب حقَ كل انسان في الحياة بحرية وسلام وامن قبل أن يحاسبوا.
(*)مسلة حمورابي النسخة الاصلية موجودة في متحف اللوفر في باريس
|