يضع السياسيون مستقبل العراق وأخوة شعبه على كف عفريت، من خلال تناحرات وعلاقات مأزومة منذ سنوات، وكأنهم يديرون شركات مضاربة تجارية تسمح بكل المساومات والتغليس ، متجاهلين عن سوء تقدير وثقب في ذاكرة العقلانية أن الشعب قد أكتشف كل أوراقهم، وما عاد مهووسا بتقليبها مرة أخرى، فهي باب الفتنة الذي حان وقت اغلاقه الى الأبد. من غير المعقول ان يتحول الهم العراقي الى حوار طرشان بين سياسيين، يتسابقون على نشر كل الغسيل بلا خجل، أو حسابات مرحلية، خاصة وان الفهم الاستراتيجي غير متوفر عند غالبيتهم المطلقة، ما يؤكد أن العراق يعيش أزمة حكم خطيرة جدا، وذلك بسبب الافتقار الى رجال دولة يعرفون كيفية ادارة الأزمة وايجاد الحلول لها، بعيدا عن توصيفات العرقية والطائفية والمزاج الحزبي احادي الجانب، يتعانقون حد الاختناق بالأمس ويتشامتون سياسيا وشخصا على كل الفضاءات بعد ساعات!! ان ما يجري في العراق من سجالات شخصية ومهاترات سياسية ، هي أقرب الى شغب العلاقات العامة وفوضويتها، نقول ان هذا الانحراف عن الأولويات والثوابت الوطنية قد بعث اليأس في النفوس، ليزيد من فرص المطالبة المسموعة بتغيير منهج الحكم " الديمقراطي جدا"، بكل عناوينه التشريعية والتنفيذية، و التي أثبتت بالملموس أنها بعيدة جدا عن هموم الشارع العراقي، رغم ما نراقبه من ركوب بالمقلوب للأزمات للتغطية على فشل في الأداء العام على مختلف المستويات، لذلك يؤصد السياسيون الأبواب خلفهم لتفادي مواجهة المواطنين بشكل مباشر، بعد أن فقدوا الثقة بهم وبحسابات ردود الأفعال. ان من المفارقات المؤلمة في العراق اصرار الساسيين على بث سموم الفرقة الطائفية والعرقية بين أبناء شعبهم، فيما يرمي العراقيون بهذه السيناريوهات وراء ظهورهم، قناعة منهم بأن اي تخندق خارج مصلحة الوطن وأهله، هو رهان خاسر بل ومشلول، لأن العراقيين لم يكونوا طائفيين، ولن ينخدعوا بلعبة جر حبل سياسية من هذا النوع مرة أخرى، ما يبرر ازدياد عزلة السياسيين بكل عناوينهم ، واتساع رقعة التواصل بين الجماهير، حيث يتناخى أبناء الوطن لحماية عراقيتهم بوصفها عمود البيت الكبير.
ولأن التحديات أعمق من فهم الكثير من السياسيين العراقيين، ولأن المشكلة ليست نزاعا عشائريا أو حزبيا، فان الوقت قد حان للاعتراف بالخطا، والابتعاد عن الشحن الطائفي والعرقي لتبرير الفشل، والاسراع في تغيير التوجهات، وعدم الوقوع في خطأ سوء التقدير بحكم احادي الجانب، في ظل متغيرات اقليمية متسارعة، ومزاج شعبي تعدى مرحلة الخوف وتحالفات سياسية غير ناضجة، خاصة وأن العراق ليس مرشحا لحكم طائفي، مثلما هو ليس ضيعة لحزب أو جماعة، ما يتوجب معه العودة السريعة الى منطق العقل، والقبول بنتئج معادلة حياتية بسيطة، " الفشل مبرر لكن السكوت عليه جريمة لا تغتفر".
ان المراهنة على احتقان طائفي جديد هي من بين أوهام السياسيين وقلة حيلتهم لوحدهم ، وان محاولة افراغ الاحتجاجات من المصلحة الوطنية هي قفز على الحقائق والتعمد في تشويه صورتها، لكن لا التفسير الأول مقبول، ولا الالتفاف الثاني مبرر، لأن القضية لا تتعلق بمصلحة افراد أو فئات، انه شعب يئن من "القحط" الرسمي منذ سنوات، وكأن الحكام قد أصيبوا بارتجاج مخ المواقف، بالأمس كانوا يتباكون على أخوة العراقيين وضنك عيشهم بكل تفاصيله، ويبشرون بعهد مزدهر، فما أن تسيدوا القرار حتى ذهبت الريح بحساباتهم و أولوياتهم، وكشروا عن انياب سلطة تجيد نهش لحم أبنائها، وتضرس مع غيرهم، ومع ذلك عندما تنقلب الصورة يركبون موجة الفئوية، ويلوحون بنهرجديد من دماء الأبرياء، وكأنهم يستنسخون شعار " العراقيون مشروع استشهاد دائم". لا ياسادتي فلن تستغفلوا شعب العراق مرة أخرى، وحقوقه ليس منحة حزبية أو رسمية، انها من ضروريات استقامة الحياة، و اذا انتم لم تتعجلوا قارب الغرق السياسي ، فلا تراهنوا على ذبح الأخوة العراقية ، لأنكم ستدفعون ثمنها مرات عديدة، فتدافعوا لصيانة وحدة الوطن وأهله حتى في ربع ساعة مباراتكم الأخيرة، فالشعب العراقي شبع الوعود المؤجلة والفتن مدفوعة الثمن والخلافات التي لا تبني وطنا، فارحموا هذا الشعب واعتذروا له، بدلا من الفتن في تخريب نسيجه الاجتماعي، نحن شعب ينام قرير العين على وسادة أخوة حقيقية، لا علاقة لها بتحالفات تلد خارج رحم العقلانية، و تتوهمون نضوجها المبكر، ومن من الحكمة الاصطفاف مع الشعب لتحصينه أكثر من الشحن الطائفي، وكفاكم نفخا في قربة احلام منسية، فنحن نعاني أزمة حكم وعقلانية، لا علاقة لها بما ينسج من افلام خيال طائفية !!
رئيس تحرير " الفرات اليوم" shaljubori@yahoo.com |