المالكي يضيع الفرص ويحارب الإرهاب بالأغاني


مثلما كان يفعل نظام صدام حين كان يهيج الأوضاع، ويجيش الجيوش تروح ماكنته الإعلامية تشتغل بضجيج الأغاني والمهرجانات الشعرية و«الهوسات» في الشوارع لكي يقول إنه انتصر على أعدائه. راح رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي يفعل الشيء نفسه، بحيث اصبحت كل قنوات الإعلام الحكومي تبث ذلك النمط من الفعاليات الجاهزة، على افتراض أن الحرب على الإرهاب تكون أجدى وأنفع بهذه الأغاني والمهرجانات الشعرية من أن تكون بالعمل على ترسيخ الجبهة الوطنية وتوفير مستلزمات الوفاق الوطني، وسد منافذ الكراهية الطائفية، واحترام الدستور والبرلمان وعدم الانفراد بالسلطة، وهي المستلزمات المطلوبة لدعم القوات الأمنية من جيش وشرطة لخوض الحرب على الإرهاب.

كانت حملة المالكي العسكرية في الأنبار ذات هدف مشروع يحظى بتأييد المواطنين الذين جزعوا من تنامي الإرهاب الذي اصبح يحصد أرواح الآلاف سنويا، وجزعوا من تراخي الحكومة وقواتها الأمنية في محاربة هذا «الغول» الذي استفحل واستشرس في ظل اوضاع سياسية متدهورة، وحكومة منشغلة بخلافاتها الداخلية على السلطة، وعلى صلاحيات الحكم، لكن المالكي رغم شعار الحملة المشروع استخدم وسائل غير صحيحة وأسلوبا مغلوطا لتحقيق الهدف المنشود، مما أدى الى فوضى أمنية وسياسية نتج عنها احتلال الفلوجة من قبل القاعدة، وسقوطها بايدي الإرهابيين.

ولم تكن هذه النتيجة الوحيدة، انما أدى الانفراد بالقرار العسكري وعدم الاستماع لقادة عسكريين وسياسيين نصحوه بالتريث واستنفاذ الوسائل السلمية قبل العسكرية، ادى الى انقسام سياسي كبير بين الحكومة والبرلمان من جهة، وبين الحكومة التي اعتمدت على حزب الدعوة الحاكم فقط، وبين الأحزاب الأخرى المفترض ان تكون شريكة لحزب المالكي في الحكم. كما أدت الحملة العسكرية الى صراع طائفي مكشوف يدفع للحرب وفوضى امنية تمثلت بهروب المئات من عناصر الشرطة المحلية ومن الجنود والضباط الذين فضلوا ولاءهم العشائري على ولائهم للدولة، مما يعني ان ما يقال عن وجود أجهزة امنية واحدة ذات ولاء واحد للوطن هو أمر مشكوك بصحته .

لقد سحب المالكي الجيش من مدن الأنبار بعد «خراب الفلوجة»، ورضخ لقرار العشائر في المدن بأن يتولى الأمن فيها الشرطة المحلية فقط، والصحوات والمتطوعون من العشائر، وعدم تدخل الجيش والشرطة الاتحادية في بغداد بالشأن الأمني، وأن يبقى الجيش في الصحراء خارج المدن، وهذا يعني تدهور الالتزام بالدولة وعدم الاعتراف بالحكومة وبسلطتها المركزية، وهذا ايضا احدى النتائج الوخيمة لحملة المالكي العسكرية، وهي نتائج يضاف اليها تنامي العداء الطائفي نتيجة الشحن الإعلامي الذي يقوم به حزب الدعوة المسيطر على وسائل إعلام كثيرة، منها قنوات العراقية.

كثير من السياسيين كانوا ينصحون الحكومة بالتزام الحقائق، وعدم التهريج بانتصارات وهمية. فالفيلم الذي يعرضه الواقع يشاهده كل المواطنين بوضوح، أما الذي تقوم الحكومة بمونتاجه وتركيبه وعرضه حسب مصلحتها السياسية، فهو فيلم مزور سرعان ما يكتشف المواطن تزوير الحقائق فيه.