تظاهرات ...إعتصامات ... ثم ثورة أبناء العشائر

 

انطلاقاً من الرأي القائل أن استثمار الحدث أهم من الحدث ذاته فقد انطلقت الشرارة الأولى لثورة أبناء العشائر من الرمادي والفلوجة إثر إعتقال النائب د.أحمد العلواني رئيس لجنة الإستثمار في البرلمان العراقي ثم رفع خيام المعتصمين وواقع الأمر أن كل خيمةٍ كانت ترمز لقبيلة أو عشيرة من عشائر الانبار الأمر الذي أعتبر إمتهان لكرامة تلك العشائر العربية الأصيلة علماً أن حرق أو رفع خيام المعتصمين كان بذريعة وجود 35 إرهابي من داعش في ساحة الإعتصام (ساحة العزّة والكرامة) إستناداً إلى معلومات من الحكومة المحلية إلى المركزية ، حدث الأمر مع دخول العام الميلادي الجديد 2014 ليتطور الأمر إلى مواجهات مسلحة بين العشائر وبين القطعات الأمنية أعقب هذا الصِدام تشكيل المجالس العسكرية في كل مدينة وحي وهذا ما يذكرنا بذات الأمر مع بداية الإحتلال الأمريكي للعراق عام 2003م لتسري وتمتد الشرارة إلى نينوى والشرقاط ثم بيجي وصلاح الدين وسامراء فبغداد وهكذا سيكون الأمر أشبه بكرة الثلج حتى تعم كل مدن العراق رغم كل محاولات الإعلام الرسمي حرف المسار وتضليل الرأي العام وخلط الأوراق بين ثورة عشائر العراق وبين الإرهاب وداعش في محاولةٍ لشيطنة ثوار العشائر ومحاولة إلباس الجميع ثوب داعش والقاعدة ولإيصال إنطباع أن ما يجري في الرمادي والفلوجة هو صراع بين أتباع الحُسين (عليه السلام) وبين أتباع يزيد والكل يعلم أن محافظة الأنبار هي من تصدت للقاعدة فيما مضى ولا زال ثوار العشائر يقاتلون على أكثر من جبهة بما فيها القتال ضد داعش ومن المفارقات أن أول مَنْ قُتل مِن أهل الرمادي هو (عليّ) شقيق النائب العلواني ثم الطفل (مسلم بن عقيل) والقائمة ستطول ....وهنا يبرز التساؤل التالي : لماذا لم يتأجج الشارع إثر قضية طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية وغيره الكثير ؟؟؟

لتطفو على السطح الكثير من الإجابات لعل أبرزها أن لعنة الدستور الذي كان سبباً في تمريره قد حاقت به أو حلّت عليه !! أو ربما العهد الذي قطعه في زيارته لأحد المعتقلات والسجون وتعهده بعد أن امسك بشاربه للإنتصاف لمن غيبتهم غياهب السجون والمعتقلات ، وحنثه بهذا العهد قد دارت عليه الدوائر ليصبح اليوم شريداً طريدا بعيداً عن العراق !! لكن وبمرور الوقت حين بدأت رؤوس الساسة من زعماء السنة تترنح تباعاً ، أثار هذا الموقف حنق الشارع السُنّي وأثار حفيظته حيث تولد انطباع لدى الرأي العام أن الأمر أصبح قضية فالقضية تتولد من رحم المشكلة ، إذن فالخطب جلل ولا بد من التغيير الذي ينبثق من رحم المعاناة .

ولكن كيف السبيل والاختلاف ضمن المكون السني يقصم ظهر توحيد الموقف وهذا ما يتجسد الآن في دخول صحوات وسام الحردان الجديدة وصحوات أحمد أبو ريشة القديمة خصوم الأمس حلفاء اليوم على خط الصراع ودخولهم للقتال مع القطعات العسكرية ضد ثوار العشائر بزعم أن أبناء العشائر هم القاعدة وداعش والكل يعلم ضحالة هذه الفرية خاصة بعد أن أعلن أمير الدليم الشيخ علي الحاتم السليمان أن كل رجل يقتل بعشرة من الطرف الثاني المتمثل بمحافظ الرمادي والبو ريشة مما يعني إستمرار نزيف الدم ولا يخفى عليكم الطابع القبلي والعشائري المهيمن على المشهد في الأنبار؟؟

فأصبح هناك شبه إجماع أن الخيار الجبهوي هو الحل لتلافي الإشكاليات في ظل التناحر بين التيارات الإسلامية السنية التي كانت وبالا ً على أهل السُنّة إزاء هذا الخطر الداهم الذي لن يبقي ولا يذر ، فالناس تجتمع بالخوف وتحافظ على التجمع بالحب والوئام والرفق خاصة إذا ما انطبقت وتوحدت عقارب الساعة مع البوصلة .

إذن كانت قضية إعتقال النائب الدكتور أحمد سلمان المهنا العلواني وإعدام شقيقه وسحق رأسه بعد مقتلة بأحذية الجند ومداهمة البيت بعد معركة استمرت لمدة ساعتين هي الإيذان بناقوس الخطر الذي جعل الأمة تتبنى القضية ويقيناً أن القضية لا يحملها الإ عاشق متيم حد الرومانسية ليتأتى عن كل ما ذكرناه هذا الثورة المسلحة لإبناء العشائر الأمر الذي يُوجب بروز قيادات جديدة تتبنى التجديد ( الهدّام ، البنّاء ) وأعني هنا الهدم لنهج عفا عليه الزمن وأكل وشرب ، وبناءٌ حيّ ثابت صالحٌ لكل متغير مستند إلى عقلِ يتكيف وفقاً لمستجدات الموقف ، ومرتكز على واقعِ متغير وفقاً للمؤثرات خاصةً والشعب العراقي يعاني من طائفيةٍ مقيتة ولكلا الطرفين والأحزاب الإسلامية بشقيها الشيعي والسني التي أثبتت هزيمة هذه الأحزاب لأنها لم تستطع ترسيخ المبادئ الإسلامية وثقافة الإسلام ( المسلم اخو المسلم ) بل انحرفت هذه الثقافة الراقية الى ( المسلم الشيعي عدو المسلم السني والعكس صحيح ) وبهذه العقلية السمجة سنفقد وحدتنا وقوتنا وسنكون أضحوكة للعالم الآخر وعلى غرار ما حدث في أوربا أيام ( حرب الوردتين ) بين المسيحيين أنفسهم ..؟ ما هو الحل ..؟ سؤال طالما راودنا ونبحث عن جواب له ..؟ كيف السبيل الى عودة الإخوة الإسلامية بين الشيعة والسنة ..؟ من بدأ الطائفية المقيتة .. ولماذا لم تكن على عهد الأنظمة السابقة .. ؟ من الذي أججها ويذكيها ..؟ أسئلة كثيرة لا جواب لها .. كيف ننقذ بلادنا من سطوة هؤلاء السياسيين الذين يئسنا منهم كما يئس الكفار من أصحاب القبور طالما استمروا يقبعون على مركز القرار ... الكلام كثير والأمل ربما أصبح ضربا من ضروب الخيال .. فما من عراقي غيور إلا ويحمل هموم شعب ووطن أصابه الجرب ولا نملك الدواء الشافي له إلا الدعاء.

فالعالِم هو مَن يُبصر الفتن وهي مقبلة ، والجاهل مَن يُدرِكُها بعد وقوعها والأحمقُ مَن يَراها وهي مُدبرة .

عليه فإن تسارع الأحداث يُحَتِمُ علينا أن ننظر الى الواقع ونحدد المشكلة ثم ننظر الى الوصف الشرعي ماذا يقول ( تقعيدً أو تأصيلاً ) ، لذلك نجد في القرآن الكريم أن الله أخذ الميثاق من الأنبياء كما في سورة آل عمران الآية 81( وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آَتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ ) فالقضية تتغير من مجتمع الى آخر والحركة الحياتية تتغير من مجتمع إلى آخر لذا فالطبيب الذي يخوض في الأمراض المعدية يجب أن يحتاط لئلا يتلوث ، وقد علمتنا التجارب أن القضية مهما كانت باطلة لكنها مع الإصرار تأتي بنتائج ، فكيف إذا كانت قضية عادلة ؟؟ !!!

هاهي السنة الثانية من الإعتصامات السلمية التي وُصِفت بأبشع الوصف وأشنع النعوت من قبل رأس الهرم ودون أن تتفاعل السلطة التنفيذية مع أي مطلب مشروع ودون أن يلمس الشارع الثائر ثورته السلمية أي نتائج ملموسة الأمر الذي سيتناسب طردياً مع ارتفاع سقف المطالب التي بدأت بالإفراج عن المعتقلين وإلغاء المادة 4 إرهاب أو المسماة ( 4 سُنّة ) و.... ثم تطور الأمر إلى المطالبة بإسقاط الحكومة التي لم تتفاعل مع متطلبات شعبها ( والشعب هو مصدر التشريع ) خاصة بعد رفض الإنتربول التعامل مع المؤسسات القضائية في العراق باعتبار أن القضاء مُسّيس.... الأمر الذي يُعّد إشارة أولية لتشكيل ( أول معارضة مسلحة خارج العراق) واعتبار أن المطلوبين قضائياً لأي سبب كان سيساعدهم هذا القرار في الحصول على حق اللجوء السياسي وبالتالي هو مشروع جديد سيدخله العراق وهو خطوة لم تنتبه إليها الحكومة العراقية برمتها ولم تُدرك خطورة الأمر كونها مدعاة لتشكيل تيار معارض مسلح الخاسر فيه الشعب العراقي برمته ....وها هي ثورة أبناء العشائر التي بدأت من الفلوجة والرمادي وستصل إلى كل مدن العراق ولكن جُل ما نخشاه أن يتحول الأمر كما حدث في سوريا خاصة مع شراسة التضليل الإعلامي ليصبح القتال بين أبناء الشعب الواحد وانقسام الأمة إلى شيعة وسُنة ويستمر بحر الدماء خاصة وقد أدركنا إنحراف التظاهرات في ما مضى من أهدافها النبيلة السامية إلى سفاسف الأمور بعد أن ركب ساستنا الموجة ليستثمروا الأمر لمصالحهم الخاصة والحزبية والفئوية بحيث تم انحراف بوصلة التظاهر من القضية المتعلقة بالعراق وهويته وكرامته وشرف نسائه وعشائره والحيف الذي لحق بأهل العراق والتهميش والإقصاء والإذلال والإعتقال إلى الفساد رغم استشرائه ولقمة العيش رغم شظفه والبطالة رغم تفشيها في وطن مجروح وشعب مذبوح بفعل هؤلاء القادمين مع الدبابة الأمريكية الملعونة ؟؟؟؟ ولكن نحن على يقين أننا متى ما أعدنا لهويتنا وقضيتنا الوجه الناصع فكل ما وراء ذلك سيأتي تباعاً .....

يقولون ليلى في العراق مريضة

وقد قتلوا حتى الطبيب المداويا

وإن عِراقا غارقاً في دمائه

يفيضُ جراحاتٍ يسيلُ سواقيا

وحتى الحصى قد غص بالدمع والأسى

وكل نجوم الليل بُتنَّ بواكيا

وإن نخيل الفجر والسعد والشذى

يعاني الدواهي السود تلو الدواهيا

ففي كلّ يومٍ نكبةٌ ومناحةٌ

بلا رحمةٍ ترديه نعشاً وناعيا

إذا لم تضع حداً لسُقمي وعِلتي

فلا ضير في أن يصبح الموت شافيا

وأي عراق يرتضي ذو كرامةٍ

يرى الموت فيه والحياة تساويا

 

اللهم بّصّر أهلنا في العراق بحقيقة الأمور

اللهم هيئ للعراق من يأخذ بيديه إلى بر الأمان

اللهم من قُتل من أهل العراق فأقبله شهيدا

اللهم شافِ جرحاهم ومرضاهم وعافِ مبتلاهم

اللهم فك أسراهم وأرحم ذلهم وضعفهم وشيبتهم وغربتهم وهوانهم على الناس

اللهم إحفظ العراق وأهل العراق