سُرّ ما خَطرْ!!(20,19).. بقلم/ د. صادق السامرائي

 

 

 

 

 

 

 

- 19 -

كنت أتجول في مدينةٍ على ضفاف نهر السين

فوجدتها تحفة فنية متباهية

بإنتمائها للنهر الأصيل

شوارعها كل حجارة فيها تتكلم بلغة الفن

جدرانها متراصفة بإرادة إنسانٍ فنان

أبدعها فأطلق ما فيه من رؤى جمالية

ساحاتها معارض فنية لإرادات إنسانية

حدائقها , أزهارها , أشجارها في مسابقات نحو الأجمل

محلاتها تعج باللوحات الفنية والمنحوتات والتماثيل والرسومات

والألوان المتمازجة المتوافقة المتجانسة

المتفاعلة بجوهرها

لإظهار روعة اللون والفكرة والمكان

وكأنها تقول

إن الإرادة المقرونة بحب الجمال

يمكنها أن تخلق الأصيل

وتبني عمارة الحياة الأروع

هذه المدينة رسالة جمالية كتبتها الأجيال

إنها مسلة أفكارها وقدراتها الإنسانية

وملحمة مسيرة تريد صناعة الوجود الأفضل

بتفاعلها مع النهر الذي حولت ضفافه إلى تحف وهاجة

تعشقها الأمواج والأطيار والزوارق

والمراكب والإنسان

حتى صارت الحياة أغنية ذات ألحان دفاقة

 

النهر يمنح الناس فيض أفكار

ومهارات إبداع

وعليهم إدراكها

بإيمانهم به وبقدرتهم على قراءة أبجدياته

وإلا فأن الأمية تطغى عليهم

فيعبثون بالضفاف

ويخربون كل جميل

فيصبح النهر عدوهم

ولا يأخذون منه إلا ما يعينهم على الآهات

فهل سنتعلم فنون مراعاة الأنهار

بالمحبة والطيبة والحنان

فالنهر نبض حياة

وروح إنسان

وبدن ولهان

- 20 -

الحصان يُرتّب إيقاع خطواته على إيقاع الأمواج

ويمشي جذلانا على ضفة نهر السين

والأطفال يكركرون بضحكاتهم الواعدة

والوجوه الجميلة تستحم بالنسيم

وبالشعاع اللذيذ المعتق في قوارير الغيوم الحالمة فوق المياه

والأمواج تلاعب الأضواء

وتطلق موسيقى عذبة شجية الألحان

تبعث النشوة في الأفئدة والمسرات في الوجوه

وعلى الضفة عاشقان

يغرقان في بحر القبلات

ويغيبان في بدن اللحظة الوَلادة المِعطاء

وحولهما اغصان الأشجار تتمايس

والأطيار تشدو أغانيها

وتضرب أوتار الأعماق بريشة عازف أجاد جوهر الألحان

إنه غناء الطبيعة

ولحن الخلود

في مهرجان التعبير عن جواهر الذات

ودرر الأعماق الثرية المنيرة

المبتسمة المتشوقة لكتابة أبجديات التنامي

والتسامي والإندماج في ذات الكون وبحر النقطة الفياض

 

عندما تتناغم إيقاعات الإنسان مع الأمواج

فإن الحياة تكتسب روعتها

وتتجلى فتنتها

وتنطلق مكنوناتها البديعة

فتنغمر الأشياء في أفياض الإشراقات الفكرية

والثقافية والفنية

فيتحقق مهرجان الوجود الرقراق

وتتوحد القلوب

وتتضافر الجهود

ويتضح المسير

فترى الأجيال مستقبلها

وتعرف مسارات الوصول إلى الأمل

وتكون الأهداف كالأزهار الفواحة في أياديها

فلنرتب خطواتنا على وقع أمواج أنهارنا

كي نسعد بالأنهار وتسعد بنا