العراق والشام بين سليماني وداعش! |
العراق تايمز: كتب رضوان السيد.. عندما صدر كتاب ديبورا أموس عن العراق عام 2010 عده الجميع متطرفا لجهة معاداته الاحتلال الأميركي بالعراق، والسلطة الجديدة في البلاد. وعنوان الكتاب طويل لكنه ذو دلالة فاقعة: «أفول أهل السنة: التهجير الطائفي وميليشيات الموت وحياة المنفى بعد الغزو الأميركي للعراق» (ترجم الآن ونشرته الشبكة العربية للأبحاث ببيروت). وكانت مستندات الكاتبة ثلاثة: التهجير لصنع مناطق صافية طائفيا، وتسليط ميليشيات الموت التي جاءت مع فرق المعارضة مصاحبة للغزو الأميركي، أو التي تكونت بالداخل بعد الغزو مثل جيش المهدي لمقتدى الصدر. وقصة ميليشيا الصدر طويلة، فقد عمل الإيرانيون وعمل المالكي على اصطناع انشقاقات في جيش المهدي على أثر تردد الصدر بعد عام 2007 في السير بحسب الخطط الإيرانية. لكن فرق الموت ما اقتصرت على قوات الصدر وانشقاقاتها لدى الشيعة ولا اقتصر وجودها على الشيعة أنفسهم. فقد ولد الجنرال قاسم سليماني عشرات التنظيمات للقتل والتهجير، وليس باسم المذهب فقط، بل باسم معاداة الأميركيين، ثم كانت هناك أهوال قاعدة الزرقاوي (2005 - 2006)، التي شهدت تحولين: فقد تحولت أولا من قتل الأميركيين إلى قتل الشيعة، ثم تحولت عن قتل الشيعة إلى قتل السنة لدخولهم في «الصحوات» التي أنشأها الأميركيون، أو لأن بعض عشائرهم مالت للتواصل مع الشيعة بهدف إقامة حياة وطنية عراقية إن بقي ذلك ممكنا! وبالإضافة للتهجير والقتل الطائفي للكفايات من الطرفين، كانت هناك المنافي القريبة والبعيدة التي ولدت راديكاليات طائفية ومذهبية قاتلة؛ فقد استخدمت المخابرات السورية العراقيين المنفيين، كما استخدمت الشبان السنة المتحمسين في سوريا والأردن والسعودية، ودربتهم وأرسلتهم تحت أسماء مختلفة مثل البعث والجهاد للقتال ضد الأميركيين بالعراق. والواقع أن هؤلاء بالذات هم الذين أعطوا الفرصة للأميركان، لاعتبار كل التحرك ضدهم تحركا إرهابيا. فلست أدري لماذا يكون من حق الفيتناميين أن يشكلوا مقاومة لمكافحة الغزو الأميركي لبلادهم، ويكون من حق الجزائريين أن يفعلوا الشيء نفسه في مواجهة الفرنسيين، والفلسطينيين في مواجهة الإسرائيليين المحتلين، ولا يكون ذلك من حق العراقيين؟! بل إنني أدري ذلك، وقد قاله وزير الخارجية الإيراني الأسبق في اجتماع وزراء خارجية دول جوار العراق أواخر عام 2006؛ فقد كان هؤلاء (وهم وزير الخارجية السعودي والأردني والسوري والتركي والإيراني) يريدون إصدار توصية بالطلب من المحتلين الانسحاب من العراق، فقال الإيراني: التوصية غير مفيدة، لأن الذين يقاومون ما يسمونه بالاحتلال هم من السنة وحدهم بدعم خليجي، فأخرجوا من قصة الاحتلال، لكي يمكن الحديث مع الأميركيين بشأن الانسحاب! فقد كان الإيرانيون يعدون أنفسهم شركاء للأميركان، وجاء السوريون من طريق من أدخلوهم ووجهوهم ليطالبوا بنصيبهم أيضا من كعكة السلطة الجديدة. فالتطرف السني من داخل العراق وخارجه للسوريين والإيرانيين نصيب فيه منذ البداية.
لكن الإيرانيين ضاقوا ذرعا بالعشائر من ناحية، وبالحزب الإسلامي من ناحية ثانية. ولذلك فقد أخرجوا الهاشمي من السلطة بمجرد خروج الأميركيين، وهم يحاولون الآن إخراج العشائر (الذين صنعوا الصحوات ضد «القاعدة») بوصفهم إرهابيين! وبذلك لا تبقى لدى السنة زعامات عامة، بل محليات، وليس في بغداد بل في الموصل وحسب. ولم تمشي الزعامات الشيعية الأخرى وبخاصة مقتدى الصدر ثم آل الحكيم في الخطة الإيرانية وكادوا يهددون (مع بارزاني) حظوظ المالكي في فترة ثالثة. ولذلك جاءت الحملة الأخيرة في الفلوجة والأنبار لإسقاط إمكان بروز متحد سني ينضم إلى الصدر والحكيم في تحدي المالكي في الانتخابات المقبلة، بعد أن ضربوه جزئيا بتحالفاتهم مع السنة في الانتخابات البلدية. وكان المالكي قد زار الولايات المتحدة قبل شهرين وسمع كلاما قاسيا بشأن تصرفاته مع حلفائه الشيعة والسنة. لكنه الآن وقد بنى له سليماني ملفا عن الإرهاب السني قدمه للأميركيين فقبلوه، عاد فاتجه لضرب السنة ليس للحصول على أصواتهم في الانتخابات؛ بل لإضافة الشيعة الذين تمردوا عليه بحيث يعودون لبيت الطاعة الإيراني، بعد إذ لم يعد هناك حليف سني، وصار السنة جميعا محسوبين على الإرهاب الذي يكافحه الإيرانيون وأنصارهم لحساب أنفسهم، وحساب الأميركيين والبريطانيين وربما الروس، وليس في العراق فقط؛ بل في سوريا ولبنان أيضا! |