كربلاء والأنبار والجرم المسكوت عنه |
اشارت المادة 140 من الدستور العراقي إلى قضية مهمة وتبعة خطيرة من تبعات النظام البعثي السابق، وهي استقطاع الكثير من الأراضي والمناطق من بعض المحافظات وإهدائها إلى المحافظات الأخرى ، طالبت هذه المادة السلطة التنفيذية اتخاذ خطوات لازمة لتنفيذ المادة 58 من قانون مجلس الحكم والتي نصت على إصلاح أي تغيير بسبب التلاعب في الحدود الإدارية للمحافظات في زمن النظام السابق وأقرت تلك المادة على أن تلك التغيرات كانت غير عادلة . كل الشرفاء في العراق من كل الطوائف والأعراق تؤمن أن النظام السابق عندما عمد إلى هذا التغيير الجغرافي لبعض المحافظات ، كان خطوة لايريد من خلالها أي خير للعراق ، وهي تضاف إلى أعماله التي اتسمت بالشر والشذوذ والتي كان منها إزهاق أرواح الملايين ودفن مئات الآلاف في مقابر جماعية ، ونعتقد ويعتقد معنا المخلصون من أبناء العراق أن زمن ما بعد إزاحة النظام البعثي المقيت هو زمن آخر يجب أن تصلح فيه ما أفسدته حماقات ذلك النظام ، وإذا كان البعض يريد أن يتناسى بعض تلك الأعمال لأسباب سياسية تتعلق بما يسمى بالمصالحة أو غيرها ، فإن بعض الجرائم والحماقات لايمكن السكوت عنها لأنها تتعلق بكرامة البعض في هذا الشعب وتهدد وجوده ومصالحه الحاضرة وفي المستقبل . فمثلا لايمكن لأي سياسي في الدولة مهما كان منصبه أن يتنازل عن حقوق الشعب العراقي التي انتهكت في جرائم المقابر الجماعية والتي تعتبر من الجرائم الكبرى المخلة بالشرف وهي إبادة جماعية وتطهير عرقي ، ومن حق هذا الشعب وغيره أن يهز قبضته ويرفع صوته في المطالبة بحقوقه ومعاقبة المجرم الذي سبب له هذه الكارثة . كما أن هناك الكثير من الجرائم ارتكبت من قبل النظام السابق تفوح منها رائحة طائفية تزكم الأنوف وكان يأمل من خلالها إثارة الفتن والاقتتال في العراق ، ومنها جرائم التغيير الديموغرافي الذي مارسه في بعض مدن إقليم كرستان وكركوك والموصل وبعض محافظات الوسط والجنوب ، إلا أن أكثر بشاعة تلك الجريمة التي عمد فيها البعثيون خلال حكمهم المقيت على اقتطاع أراضي ومناطق وضمها إلى محافظات أخرى لأسباب طائفية خالصة يعرفها الجميع ، وكانت هذه الجريمة واضحة وصارخة في معالمها في مدينة كربلاء المقدسة والتي اقتطع النظام بعد سنة 1968 مناطق سترايجية ومهمة وإهدائها من غير مبرر قانوني إلى محافظة الأنبار ، وكلنا نعلم والجغرافيون والمتخصصون في تاريخ العراق الحديث ، يعلمون بشكل دقيق من خلال الوثائق البريطانية والعراقية أن محافظة كربلاء تمتد في حدودها الإدارية في عمق المنطقة الغربية إلى مسافة 70 كم من مثلث الحدود العراقية السعودية الأردنية ، وحسب التنظيم الإداري الجديد والذي فرضه النظام البعثي المقيت يكون قد اقتطع من محافظة كربلاء مسافة 300 كم تمتد مع الحدود السعودية وما يقرب 250 كم في عمق المنطقة الغربية . وبهذا يكون النظام البعثي قد منح محافظة الأنبار من غير أي مسوغ قانوني مساحة تقدر بـ 40 ألف كم مربع الكثير منها تعتبر غنية بالمعادن وفيها منطقة غنية بالغاز الطبيعي ، وأخرى سياحية كبحيرة الرزازة ، ولذا فإن الكثير من المخلصين من أبناء العراق يرفضون السكوت غير المبرر من قبل الحكومة العراقية ازاء تلك الجرائم التي تضر بمصالح محافظة كربلاء المقدسة ، وخاصة أن ابناء تلك المحافظة يعتبرون السكوت عن ذلك وعدم إقدام السلطة التنفيذية في الحكومة الإتحادية على البدء بالخطوات اللازمة لإعادة كل هذه المناطق إلى محافظاتها الأصلية ، انما هو هدر لحقوقهم واستخفاف بالدستور الذي ابتنيت عليه العلاقات السياسية والإجتماعية بعد التغيير في نيسان 2003. لقد أشار أحد مسؤولي محافظة كربلاء في سنة 2008 إلى حقوق محافظته في استعادة إدارة تلك المناطق ، وكم كانت النتيجة مخيبة للآمال عندما شنت عليه حملة كبيرة من الانتقادات من بعض القيادات والمسؤولين في المنطقة الغربية ، قابلها برود غير متوقع من مسؤولي الحكومة العراقية والتي يفترض منها أن تعيد الحق إلى جميع فئات الشعب وأن تسعى إلى إصلاح أي فساد تم في زمن النظام السابق ، باعتبارها السلطة التنفيذية التي تقع عليها مسؤولية تنفيذ بنود الدستور ، وبذلك تكون الحكومة في سكوتها عن المبادرة في إرجاع المناطق المقتطعة من محافظة كربلاء حنث في قسم رئيس الوزراء وطاقم حكومته وجريمة أخرى تمارس بحق ابناء المحافظة . كما أن اعتراضات الأخوة في المنطقة الغربية ومحاولة تفسير المطالب المشروعة بالشكل الذي يبخس حق محافظة كربلاء ويمنح السالب شرعية غير مبررة ، أمر لايمكن القبول به من قبل أبناء الشعب العراقي بكل طوائفة وإثنياته ، كما أن رفض استرجاع تلك الأراضي إلى وضعها الطبيعي قبل سنة 1968 يعني بشكل واضح رفض أي حل لكل التجاوزات التي أقدم عليها النظام السابق في كركوك والموصل وديالى وصلاح الدين ، ونحن نعتقد أن ذلك يقدح في معنى الشراكة في الوطن والذي يتحدث عنه الكثير من السياسين مع كثير من التبجح ، إذ لا شراكة في وطن يأكل الشريك فيه حق شريكه ويستهين بحقوقه ويستخف بمشاعره . فوطن بهذا الشكل يؤسس لصراع مستقبلي ، ويسمح لبذور الفتنة أن تنمو كالفطر رغم أنف الجميع ، وهو بذلك يؤسس إلى الإنفصال المحتم الذي يتباكى منه الرافضون لعودة المناطق التي تبرع بها صدام وحزبه لغير أصحابها الشرعيين . إن أبناء كربلاء وكل الشرفاء معهم في العراق يطالبون الحكومة العراقية ، أن تبادر إلى تفعيل المادة 140 من الدستور العراقي والذي ينص على إعدة النظر في تعديلات النظام السابق على الحدود الإدارية لمحافظة كربلاء ، وإذا كان الأخوة الكورد يصرون - ومن حقهم أن يفعلوا ذلك - على تفعيل هذه المادة من أجل حقوقهم كا يدعون في كركوك فإن أبناء محافظة كربلاء يصرون أيضاً على حقوقهم الثابتة التي تؤيدها المخطوطات الإدارية البريطانية والعراقية قبل استلام حزب البعث الحكم في العراق . كما أن سكوت الحكومة عن هذا الحق لايسقطه ، فقبل ذلك سكتت الحكومة عن أقدس وأنبل حق وهو حقوق الضحايا وذويهم في جرائم المقابر الجماعية في العراق . وأخيرا أحب أن أنبه أهلنا في كربلاء والنجف اللذان سلبت أرضهما وأهديت إلى الأنبار من قبل النظام البعثي المقيت لأسباب طائفية أن السكوت عن استرجاع هذا الحق المسلوب فترة أطول سوف يعقد عملية استرجاعها على ضوء المستجدات السياسية والصراع الطائفي وتنامي مظاهر العنف في العراق وفي المنطقة ولذا أرى لزاما على مجلسي محافظة النجف وكربلاء إلى العمل بمسؤلياتهما الوطنية والقانونية والطلب من الحكومة العراقية إلى الشروع بأسرع ما يمكن بتنفيذ ( المادة 140 ) من الدستور وتهيئة الأجواء القانونية والدستورية من أجل أعادة تلك الأراضي إلى وضعها القانوني والإداري في وقت ما قبل تولي حزب البعث المقيت السلطة في العراق . ونحن نعتقد أن أي تردد أو استخفاف بتلك المطالب سوف يجبر مواطني المحافظتين إلى سلوك طرق سلمية وقانونية جماهيرية للشروع باسترداد تلك الحقوق .. |