بالقوة ام الوطنية : تعالج الأزمات ...؟


يعتقد البعض , ان العراق يحتاج الى رجل قوي , وكأن الأمر مواجهات شخصية على حلبة مصارعة , فالقوة في مفهومها التقليدي , الشدة ووحشية الأجراءات وحالات الألغاء , مفاهيم لا يمكن جمعها مع المفهوم الأخلاقي والأجتماعي والقيمي للوطنية , انها وفي جميع حالاتها , تعبر عن مركب نقص ونقاط ضعف وعقد نفسية وانانية , عاهات اجتماعية خطيرة , فاللذين يتقمصون مظاهر الشجاعة والقوة ويمارسونها حماقات دموية , دائماً ما تختفي في دواخلهم حالات خوف وجبن في مواجه مستحقات الواقع , فالقائد ( هتلر ) الذي اشعل حرباً عالمية كلفت المانيا وحدها ملايين القتلى ودمار شامل , انتحر وبأنانية اشرف على تصفية عشيقته والبعض من عائلته قبل سقوط برلين ببضعة ايام , القائد والضرورة ايضاً ( صدام حسين ) الذي اشعل عدة حروب واحتلالات وحصارات , انهار قبل سقوط بغداد بأربعة ايام واختفى في حفرة عار لا تشرف فأراً .
الشجاعة ظاهرة روحية وقوة معنوية لها ابعاد اخلاقية وقيمية ومنظومة مباديء وطنية , مانديلا مثلاً والذي قضى ( 28 ) عاماً سجيناً , ثابتاً على مواقفه التحررية , تسامح مع النظام العنصري وتنازل عن السلطة للوطنيين الكفؤوين النزيهين من شباب جنوب افريقيا , الشهيد الخالد عبد الكريم قاسم , قاد ثورة في اصعب ظروف نجاحها , اتخذ مواقف وطنية شجاعة وسباق جريء مع الزمن لتحقيق الكثير من الأنجازات لشعبه , ولم تأخذ من شخصيته العراقية الفذة مغريات السلطة , فكان نموذجاً غير مسبوق للنزاهة والكفاءة ونكران الذات , ولم تمنعه شجاعته الروحية الفائقة عن التسامح حتى مع الذين حاولوا اغتياله , وكان مظهره وطنياً انيقاً متحدياً في مواجهة مصيرة , فكان اقوى من دسيسة وجريمة العملاء والخونة وانبل من تخاذل ومساومات المدعين , وقد لاحقهم استشهادة , حتى اخر حفرة بائسة لنموذجهم , كل هذا , لأنه كان وطنياً ذو خلق انساني بكل المقاييس , وليس قوياً في مواصفات الجبناء .
ما يحتاجه العراق حقاً , وفي مرحلة ضعفه الراهنة , شخصيات وقيادات  وتيارات وطنية , تنبثق عنها حكومة شديدة التواضع امام المصالح العليا للشعب والوطن , وطنية في مواجه اسباب ضعفها وفسادها واميتها وتمزقها , العراق يفتقر الآن حد اللعنة لمثل تلك الشخصيات والقوى والتيارات , العملية السياسية ومنذ مجلس الحكم الموقت , فتحت ابوابها لحثالات الطائفين والقوميين , واصبحت سيرك كل يمثل على حباله ادوار تبعيته , انها مختبر لأنتاج نماذج جبانة حادة التطرف  .
لم يبق في جعبتنا ما نميز فيه بين هذا وذاك, فالجميع مصابين بعاهات الفساد وفقدان النزاهة والكفاءة والمصداقية , كوجوه غربان الفطائس , سوداء بلون الفضائح, كل يتهم الآخر بسواد الوجه , ثم يحاول سحب العراق للهوة التي اختارها له مستأجريه دولياً واقليمياً , فالأنشطار الطائفي القومي اتسع ولا امل في اعادة لحمته من دون اجتثاث رموزه , من يدعيا تمثيل المكون السني او الشيعي , كلاهما ممسوكاً من ذيله مدفوعاً ( مهشوشاً ) لأفتراس الأبرياء من المكون الآخر, اما على صعيد التحالف الكوردستاني , فقياداته كبست قضايا شعبها بين فكي محارة الهواجس القومية , فتراجعت هنا المشتركات الوطنية بشكل مخيف , واصبح الأمر ملحاً والحاجة ماسة , الى مجتمع وطني , تلد من رحمة شخصيات وتيارات ثم حكومة وطنية ودولة مدنية , تشكل الوطنية العراقية نسيج مؤسساتها . 
المواجهات الحاصلة الآن في مدن واقضية وقصبات الأنبار , هي مواجهات شعب و وطن مع قوى الردة التي تتصدرها القاعدة وداعش والمغامرين من بقايا فلول البعث, قوات الجيش والأجهزة الأمنية وكذلك اهالي الأنبار وابناء عشائرها, تتحمل شرف مسؤولية الحفاظ على وحدة العراق وسلامة نسيج مجتمعه , العراقيون وفي مثل تلك المواجهات المصيرية , متوحدون ـــ او هكذا يجب ان يكونوا ـــ خلف قواتهم المسلحة واهلهم في الأنبار, صورة تعبر عن امل ومستقبل اخوي مشرق , بعكسه اطراف حكومة الشراكة !!! تعبر عن هزال تام وصبيانية رثة تعكس بلادة مخزية , لا تعنيهم الدماء والمعاناة والخوف والرعب والعوز والتشرد الذي يعانيه عراقيوا الأنبار , بقدر ما يعنيهم الكسب المجاني لأصوات الأبرياء . 
الوطنية وصدق الأنتماء والولاء, هي العنصر المفقود ـــ المسروق ـــ من داخل المجتمع , مهمة استرجاعها تبدأ, عند رفع الغطاء عن الطائفية وسحب الثقة عن رموزها وقطع شريان المتاجرة بعواطف الأبرياء واصواتهم , يرافق ذلك فتح ابواب التغيير والأصلاح واعادة البناء الشامل للدولة والمجتمع , تلك هي مهمة الوطنيين المخلصين, شخصيات وتيارات ومنظمات مجتمع مدني مستقلة واعية . 
الوطنية : الا يفقد المواطن ثقته وصوته ثم وعيه في صفقات انتخابية, يسرق فيها دوره كما هي ثرواته وامنه وحرياته وكرامته والمتبقي من هامش ديمقراطيته , الوطنية ايضاً : ان ندعم بقوة جيشنا واهلنا في الأنبار في مواجهاتهم المصيرية , وبذات الوقت والقوة , رفض المصالحة مع مؤسسات الفساد من داخل الحكومة والدولة والمجتمع  .
دعوات اقلمة العراق التي ترافق الآن المواجهات مع الأرهاب , تاخذ احياناً صيغ اعلانات انتخابية , تعبر عن مشاركات غير نزيهة في مشروع التقسيم الطائفي ـــ المؤجل ـــ , ولا تمت بصلة للوطنية وصدق الأنتماء , انه عربوناً مسبق لتأجير مقعد انتخابي في دورة الفرهود القادمة, ودليل على تعفن شخصي وموت ضميري وتفاهة موروثات غير حميدة , خوفنا الا تكون كل تلك الدماء والمعاناة العراقية  حلقات مسلسل لمسرحية التقسيم . 
ان مرحلة التسلط القومي الأسلامي وموجة التطرف الطائفي التي تعبر الآن عن دموية غاياتها ووسائلها ـــ ورغم ثقل معاناتها على الوطن والموطن ـــ  ستكون النقطة الأخيرة في نهاية السطر الأخير لمسلسل الفتن الذي تواصل عذابات والآم اجتماعية على امتداد ( 1400 ) عام .
اخيراً : فالذي استمد عافية هيكليته من مراضع الفساد والتطرف الطائفي القومي , شخصاً كان ام حزباً قومياً اسلامياً , لا يمكن له ان يكون وطنياً بالمطلق , او عراقي الأنتماء والولاء والأيمان بوحدة كيان الأرض والمجتمع , انهم سيتواصلون قراد يعيد افتراس الجسد العراقي ويترك ندوباً تاريخية مخجلة على جمالية طلته . 
بالوطنية العراقية لا غيرها , يمكن للعراقيين اعادة بناء دولتهم وحماية وطنهم والحاق الهزيمة بقوى الأرهاب ومؤسسات الفساد ودسائس الأقلمة والتقسيم .