أؤيد بحماسة تدويل قضينا العراقية، بل أؤيد أن نضع أنفسنا إلى حين تحت وصاية الأمم المتحدة. يبدو ان هذا هو الحل الأمثل لمشاكلنا الكثيرة التي تزداد عَوْصاً اليوم بعد الآخر، فخلال الاحدى عشرة سنة الماضية، منذ سقوط دكتاتورية صدام حسين، مضت أحوالنا في الاتجاه المعاكس، من سيئ الى أسوأ، ولا يلوح في نهاية النفق ضوء يبعث على الأمل بالخلاص من هذي الحال. المتصارعون على السلطة والنفوذ والمال في العراق ليس بينهم سياسي حقيقي، يقتنع بان السياسة هي فن الممكن وان الصراع السياسي له ضوابط ومحددات وخطوط حمر وخضر. وهؤلاء المتصارعون ليس بينهم رجل دولة يدرك ان الصراعات والخلافات داخل الدولة يتعين أن تُضبط على ايقاع المصلحة العامة. دولتنا التي يديرها هؤلاء المتصارعون دولة فاشلة، باعتراف المنظمات والهيئات الدولية المعتبرة والخبراء الثقاة. ودولتنا الفاشلة هذه تتخرب وتتدمر ذاتياً بفعل الصراعات غير المنضبطة لهؤلاء المتصارعين. دولتنا يدخلها الآن سنوياً من النفط وحده مبلغ مئة مليون دولار، وزادت موازناتها السنوية خلال عشر سنين عن 600 مليار دولار، لكنها لم تستطع بهذه الثروة الفلكية أو تبني سداً أو تمدّ خطأ للسكة الحديد أو طريقاً برياً دولياً أو تقيم مصنعاً أو تنشئ مزرعة أو ترفع فوق سطح الأرض مئة مدرسة وعشرين مستشفى وعشرة ملاجئ للأيتام والعجزة بمواصفات عصرية، ولم تستطع أيضاً حل أيّ من مشاكل الكهرباء والمجاري والماء الصالح للشرب في محافظة واحدة، بل في مدينة واحدة.. والسبب ان من يقف على رأس دولتنا رجال فاشلون بامتياز، فاسدون بامتياز، طائفيون بامتياز، يتضاعف فشلهم ويتفاقم فسادهم وتتعمق طائفيتهم على مدار الساعة. الحلّ في التدويل والوصاية .. لا خوف من هذا على السيادة الوطنية والاستقلال الوطني، فالدولة الفاشلة هي بالضرورة منقوصة السيادة والاستقلال، والتدويل والوصاية يمكن أن يكونا طريقاً مثلى لتحقيق السيادة وانجاز الاستقلال. تاريخ الأمم المتحدة يشهد على هذا، فدول عدة اعضاء في المنظمة الدولية كانت ذات يوم تحت وصايتها .. الأمم المتحدة ساعدتها في تهيئة الظروف المناسبة لنيل الاستقلال والسيادة، وبين هذا تدريب كوادر وطنية لإدارة الدولة، وهذا بالذات ما تحتاج إليه الدولة العراقية الآن. نظام الوصاية الذي ظل قائماً منذ تأسيس الأمم المتحدة حتى العام 1994 كان له الفضل في إنشاء دول مستقرة ومتطورة الآن كغانا وناميبيا وتوغو والكاميرون وبالاو. لنضع أنفسنا تحت وصاية الأمم المتحدة خمس سنوات مثلاً، تتولى خلالها المنظمة الدولية تدريب قيادات الاحزاب السياسية، وبخاصة المتنفذة في السلطة الآن والمتصارعة على هذه السلطة والنفوذ والمال، على كيفية ادارة الدولة وادارة الصراع السياسي وضبطه على ايقاع المصالح العليا لدولة العراق وشعب العراق. الوصاية الأممية ستحفظ لنا خلال خمس سنوات عشرات الآلاف من الأرواح التي ستزهق في اتون الصراع الطائفي الحالي، وتوفر مئات مليارات الدولارات التي تذهب هباء الان بفعل الفساد المالي والاداري. ما العيب في ما يحفظ لنا ارواحنا واموالنا ويضمن ظهور قيادات سياسية وطنية بدل القيادات الحالية المتصارعة بانفلات؟
|