الخطوة التالية.. كبش فداء شيعي


ثلاث عمليات استباقية للانتخابات السابقة (2010)، اهلت السيد المالكي للفوز بالولاية الثانية.

فقد مر صيف عام 2008 ساخنا بمواجهاته نارية، بين المالكي من جهة، وتيارات مناوئة لها صبغة طائفية، شهد ذلك الصيف اولى الاجراءات الاستباقية لانتخابات الدورة البرلمانية انذاك.

المواجهة الاولى، التي تركزت في البصرة وميسان (صولة الفرسان) استهدفت نفوذ التيار الشيعي المتطرف (جيش الامام المهدي)، حصد في محصلتها السيد المالكي اصوات الشارع البصري والليبرالي الشيعي، فكانت خطوة ضرورية بالغة الدقة ومدروسة لتضفي على شخصية رئيس الوزراء صفة (رجل دولة) تمحي بها صورة الزعيم الطائفي المتخندق، تلك التي ورثها عن سلفه الرئيس ابراهيم الجعفري.

وصورة رجل الدولة، صاحب الكاريزما، التي يحتاجها في الانتخابات، لا تكتمل بدون تحقيق بعض الانتصارات العسكرية في معاقل الارهاب، فتهيأت له الاجواء، ربما باعتباره مرشح الامريكان، لحصد النقاط على حساب منافسيه في عمليتي بشائر الخير وام الربيعين، كان المستهدفون فيها هذه المرة هم المتطرفين السنة، الذين يوصفون دائما بالارهابيين، وكونها العمليات العسكرية الاولى التي تاخذ طابعا طائفيا في عراق ما بعد التغيير، فقد وفرت للسيد المالكي غطاءه الطائفي الذي يحتاج.

ولم يكتمل المثلث الا بتصعيد الاجواء مع اقليم كردستان، فحشدت القوات العراقية قطعاتها للانتشار في ناحيتي كفري وقرة تبه، وعسكرت على اعتاب خانقين من اجل اجتياحها، ومع نذر الحرب التي لاحت انذاك، لتذكر بحروب حقبة البعث في المنطقة الكردية، انتعشت به امال القوميين، المشبعين ببقايا مشاعر البعث تجاه الشعب الكردي، واضافت للسيد المالكي نسبة جديدة من الاصوات كانت على وشك ان تصب في مصلحة خصومه السياسيين انذاك.

وهكذا، في صيف ذلك العام اللاهب، كان المالكي يتحرك مثل حصان الشطرنج، يقفز بين مربعات الرقعة، او "مثلثات" العراق، ويرتقي سلم الصعود على حساب الشخصيات الاخرى التي كان لها شعبية اكبر ونفوذ اكثر.

صحيح ان ضرب القوى الاكثر رمزية بين الشيعة والسنة والاكراد، معا، في توقيت واحد، وفي موسم الانتخابات، كان يعد ضربا من الانتحار السياسي، الا ان الدعم الامريكي اللوجستي المقرون بغطاء اعلامي جعلها الخطوة الاكثر جرأة ونجاحا في اللعبة الانتخابية، وقد تم نتفيذ السيناريو المثالي الذي اعده الامريكان بدقة من اجل صعود نجم رجل كان مغمورا، لم يسمع باسمه غالبية العراقيين، قبل عامين من ذلك التاريخ، ليتخطي نجوم السياسة ممن ورثوا اسماءا لامعة، كانت تفوقه شهرة وحظوة في حينها.

اليوم، ونحن على اعتاب الانتخابات الجديدة (2014)، فان السيناريو (ثلاثي الابعاد) يكاد يعيد ذاته، نفس الشد والنفس الطائفي، بدأ باعتقال السيد واثق البطاط، في المثلث الشيعي، ثم القفز الى الانبار في المثلث السني، وبعد ذلك افتعال ازمات جديدة، كان قد خزنها في درج مكتبه طويلا، في ضلع المثلث الثالث، اقليم كردستان.

وفي هذه المرة ايضا يعلن الراعي الامريكي للعملية الديمقراطية، ومهندس المزاج الانتخابي الجمعي، عزمه الابقاء على السيد نوري المالكي على رأس طاقم المنطقة الخضراء دورة اخرى، وهذا ما يبدو بوضوح من الدعم اللوجستي المقرون بالغطاء الاعلامي، كما حصل بالضبط في المرة السابقة، فقد تم وبدون مقدمات تزويد الجيش العراقي بطائرات استطلاعية بدون طيار، مقرونا بمباركة جون كيري في الحرب الاستعراضية ضد مقاتلي "داعش،".

ولكن الاهم من ذلك في الامر كله، ان العمليات العسكرية والشد البارد كانت تتم بضجة اعلامية لضمان توظيفها الامثل انتخابيا، الا اعتقال السيد البطاط، فقد تم دون احداث تلك الجلبة المعهودة، وهذا ما يثير احتمال وجود مشروع اخر، لم يظهر بعد، لضرب مكون سياسي شيعي غير السيد البطاط؟

والمالكي الذي يحتاج الى ابقاء جذوة الاحتقان الطائفي مشتعلة حتى موعد الانتخابات، ومع الملل والفتور الذي يتسرب لعمليات الانبار، هل يكتفي، وهو يقفز برشاقة الى المثلث الكردي، لتسخين المواجهات على الجبهة الشمالية، هل يكتفي بالبطاط، ضحية، ام يحتفظ في بريد مكتبه بمسودة مشروع اخر، وهو النصر على كبش فداء شيعي اخير، كي يضمن به الاصوات التي يحتاجها في الجانب الاخر؟