في التسعينات، زمن الخسائر المريرة التي لا تعد، كنا مجموعة أصدقاء نعمل سوية في الشورجة. تجار صغار وكسبة وأصحاب جنابر. خليط من سيراميك وطني جميل جمع طيفنا العراقي بالكامل. قمة جمالنا، تكمن في كوننا نعي تماماً من إننا ورثنا علاماتنا الفارقة المذهبية والاثنية تلك، عن آباء أجدادنا ليس إلا. فكنا أحرارا من وهم هذا الإرث. كنا نخاف الغوص لمعرفة "أصل الإنسان" الناطق ، لكنا كنا نعرف من أين ؟ ومن أي فصيلة جاء الناطق والمكفر بالمذهب !
كان يلم لهاثنا الذي بالكاد يسد الرمق، صنف تجاري واحد .. بضاعة ليس لها علاقة لا بالموزولا بجوز الهند!! لذا أثار استغرابنا ان يشذ عنا أحد أصدقاءنا. حينها اعلن بتفاخر انه مع المودة ! الإيمانية، ومن "مقلدي" السيد محمد صادق الصدر. كره ابو حسين لصدام ، لا يبرر له حبه وتقليده الأعمى للسيد، لدرجة انه بدأ يتداول فتاويه ويستخدم نفس مفرداته ودلالاته المذهبية.
في حين كان ابو حسين يلاحق ظل السيد الصدر من جمعة الى جمعة ومن محافظة لأخرى، كنا نحن على يقين من ان دعوته وخطبه، جزء من مهام حملة صدام الإيمانية، وان دور السيد الديني، سياسي تغذيه الدولة بالسر، ويتم كل شيء تحت غطاءها ووصايتها، لحين وصولها لظاهرة تقلق الدولة .
على مضض، تحمل ابو حسين لومنا الدائم على بعض من إسقاطاته الشيعية الطائفية التي لا محل لها من الإعراب والوطنية والكياسة بشيء.
"أبناء العامة " مفهوم شيعي متداول بين "عامة الشيعة، يميَّز به " "خصخصة" السنة ! مفهوم ترك استعماله بعض مرجعيات التشيع ومثقفينا الشيعة، فهو يحمل بطياته نكهة ومقاصد طائفية، بدلا من ان يفسر معناه الطبقي "طبقة العامة" الفصيح.
أبناء العامة واحد من تلك الإسقاطات الطائفية الذميمة التي كان يكررها صديقنا دون وعي وبما لا يليق بتوازنه وأدبه الجم. فمن جانب آخر ، كانت هذه المفردة تثير حفيظة وتعليقات بعض من أصدقاءنا السنة اللامعين . فذات مرة تساءل السيد النعيمي بسخرية: خوية حيدوري ،منو همه أبناء الخاصة !!
اليوم وفي ذروة حلم البعض للعودة بنا للمربع الطائفي الدموي ، أحيل نفس السؤال لقائد الحكومة، السيد المالكي: من هم أبناء الخاصة يا دولة الرئيس ؟!
هل يجوز لدولة رئيس وزراء العراق، شيعة وسنة وكرد، أن ينسى نفسه، دوره ، ويشوه ما بناه.؟أليس غريبا أن ينسى ويتداول نفس هذه المفردة الطائفية الشاذة.: أبناء العامة!! اشارة الى السنة !
هل نسأل كيف تـُخلق الأزمة؟ أم ان لحظات الغضب تبرر لكل ساستنا الرجوع الى الأصول :التقليد؟ العودة لثقافتهم ا الأم الأولى، ثقافة المذهب. الحقيقة المرة انها هي التي جاءت بهم للحكم.. نعم تبقى الثقافة الطائفيةهي مرجع الإسقاطات السياسية الكارثية.!
حديث دولة المالكي الاخير مع قناه العراقية، فسر لنا بشكل واضح، ثقافة النظام وطموح مشروعه السياسي الحقيقي الذي تبناه الراعي الديمقراطي، منذ 2003 بالضبط ! لقد شوه السيد المالكي كل ما كشف في مقابلته من حقائق تخص شركائه الفاسدين الطائفيين ! ففي اوج غضبه من شركائه "الديمقراطيين" للكشر، وفي قمة دفاعه عن عدائه للطائفية والإرهاب، وقع في فلك مستنقعهم ذاته، وقع فريسة غول ثقافته المذهبية الذي ينازع في داخله، في روحه(اذا اخذنا طموحاته في التغيير محمل الجد- كما قاله بلقائه مع قادة الحزب الشيوعي ).
نعم ! إن إسقاطات تبرير الفشل ولغو الدفاع الفارغ عن نجاح العملية السياسية " التي أخرجت المحتل !"، وما تخللها من دفاعات مكررة مجة، واتهامات مضادة بالفساد، كان ينقصها زلة اللسان تلك. قال: "عيّنا بدلا عنهم قضاة كلهم من" أبناء العامة" !! يا للكارثة، يا لعيب ابناء الخاصة !! اترك لنا شيئا ندافع به عنك وعن مذهبنا يا دولة الرئيس!! وعلى اقل تقدير، اترك شيئا لذمة النائب الوطني !!!الطموح لقيادة دولة الانبار الاسلامية احمد العلواني ليزيد عطشه للدم، فقد قرر ان يحرق أوراقه السياسية في نفس مستنقع المحاصصة الطائفية العفن الذي تبنيتموه جميعا حد سواء.
أبناء العامة مفردة ذميمة تثير حفيظة" أبناء السنة" وكذلك قرف عقلاء الشيعة!! فما بالنا بقادة وسياسيين لم تغادر ثقافتهم مستنقعها الطائفي الآسن بعد !! بطل العجب !!
|