الإرهاب.. والتلفيق!


أخشى أن يكون الكلام الذي قاله رئيس مجلس الوزراء منذ يومين يُشبه كلاماً له قاله منذ ثلاث سنوات، ويُشبه كلاماً قاله في مناسبات عدة بين التاريخين. وفي كل الأحوال فان ما أعنيه من كلام السيد المالكي كانت تعوزه المصداقية لأنه، على الأرجح، مستند الى معلومات مضللة.
في معرض تبريره العمليات العسكرية الأخيرة في الأنبار أبلغ المالكي وكالة رويترز أخيراً ان مسؤولاً في تنظيم القاعدة اعتقلته السلطات العراقية اعترف قائلاً "إنكم لو صبرتم علينا ثلاثة أسابيع لأعلنّا الدولة ولاعترفت بنا دولتان عربيتان"!
أفترض أن القيادي في التنظيم الإرهابي قد اعتقل بالفعل وانه بإرادته أو رغماً عنه (بقوة التعذيب مثلاً) قد أدلى باعترافات، لكنني أشك في انه قد كشف للمحققين سراً خطيرا كهذا، وحتى لو كان شكّي في غير محله فغير العاقل وحده يُمكن أن يصدق أن ثمة دولتين يمكنهما الاعتراف بالدولة التي كان سيعلنها التنظيم في الفلوجة أو الرمادي أو عموم محافظة الانبار. هاتان الدولتان لابدّ انهما عضوان في الأمم المتحدة، وهل يُعقل أن تجازف أية دولة بالاعتراف بكيان يقوده تنظيم إرهابي محظور دولياً وملاحق من كل دول العالم قاطبة وممنوع حتى التعامل معه بأي شكل؟ .. حتى الولايات المتحدة بجبروتها الطاغي الآن لا يمكنها فعل ذلك، فمن يفعله؟ السعودية؟ قطر؟ (أظن ان المالكي كان يلمّح الى هاتين الدولتين تحديداً).. معقول؟ .. اذا كان معقولاً فلابدّ ان الأمر سيكون بترتيب مع الولايات المتحدة.. معقول؟ .. كيف نستنجد بها إذاً لتسليحنا؟
من أجل هذا قلتُ في المقدمة إنني أخشى أن يكون هذا الكلام شبيها بكلام للسيد المالكي سمعناه من قبل.
أذكّركم .. السيد المالكي حظر رسمياً في شباط 2011 تنظيم التظاهرات التي بادرت اليها قوى سياسية وطنية ومنظمات مهنية وحقوقية ومثقفون وناشطون مستقلون، بل انه فرض حال عدم التجوال في العاصمة يوم التظاهرات (25 شباط) وأعلن في كلمة متلفزة ومذاعة، تبريراً للاجراءات القمعية، انه توفرت له معلومات بان وراء التظاهرات حزب البعث وتنظيم القاعدة.
تتذكرون ان عشرات الآلاف لم يأخذوا كلام رئيس مجلس الوزراء على محمل الجد، بل سخروا منه وتحدوه ونزلوا الى ساحة التحرير ببغداد وساحات المدن الأخرى في ذلك اليوم وفي أيام لاحقة. والطريف ان القوات الأمنية التي سعت لقمع المتظاهرين بالقوة الغاشمة لم تفلح أن تقدّم الى الرأي العام بعثياً واحداً أو قاعدياً واحداً بين من اعتقلتهم والذين كانوا جميعاً مثقفين إما شيوعيين أو مستقلين.
مثل تلك الاتهامات المُتعمدة أو الناجمة عن عدم معرفة أو سوء تقدير تكررت لاحقاً، ومنها الإعلان بلسان السيد المالكي أيضا قبل أكثر من سنة ونصف السنة ان الإرهاب قد دُحر ولم تبق منه سوى فلول متفرقة "هنا وهناك"!، وان حركة الاعتصامات في المناطق الغربية مجرد فقاعة!
مكافحة الإرهاب ومنظماته لا يلزمها تبرير أو ذريعة، والقاعدة وسواها من المنظمات الارهابية لا تحتاج الى أن نلفّق القصص عنها وعن نواياها وأهدافها الشيطانية، كقصة اعلان دولة القاعدة بعد ثلاثة أسابيع واعتراف دولتين بها، فالقصص المُلفّقة من هذا النوع تقوّي الإرهاب ومنظماته في الواقع.