أداء الوزارات


في بداية كل عام، يوضع الأداء الوزاري، وبحسابات دقيقة، على طاولة المكاشفة السنوية، بقصد البحث والإفادة من التجربة الإدارية، لأجل أن تكون قيد الإشهار والنقاش الإعلامي المفتوح، وهو ما لم يتحقق -وللأسف الشديد- لدينا طيلة سنوات، فالأداء الوزاري بقي دون مستوى 50 بالمئة من المرجو، وتعثّر بشكل ملحوظ، وحاولت جهات إعلامية كشف حساباته النهائية لكل سنة، لكن وجود الأزمات وتزاحم الملفات دفع بهذه القضية إلى حيز التأجيل المتواصل، حتى أصبح الحديث عن مثل هذه المواضيع، ضمن حساب السياسية لا الإدارة. ففي تقرير نشرته صحيفة الصباح الغراء قبل نهاية 2012 عن أداء الوزارات العراقية من خلال صرفها لمبالغ الموازنة، يرد فيه ما يشير إلى مخاطبة الصحيفة جميع الوزارات، وباستباق نهاية العام، رغبة منها بنشر المنجز الوزاري، لكن لم ترد الإجابة بالمأمول، إذ لم تتفاعل أغلب الوزارات بهذا الشأن. إدارياً ودون أي محمل سياسي يمكن السؤال هنا، وبكل موضوعية عن تأثير الأزمات على هذا الأداء.
في ظل ما يمرّ من تحديات، يفرض الواقع السياسي المحلي معادلة صعبة؛ المواطن فيها ضحية إدارية، يتفرّج على المشهد بعين من يوثّق ويسجل ويحتفظ بالمواقف حتى تحين ساعة الجدّ والعزم في القرار الانتخابي الواعي، وسيكون في حالة ترقّب ومعاينة، تتخطّفه الأنباء ويدخل في امتحان الآراء عبر ما يشاهده ويسمعه ليشكّل وجهة نظر شخصية يختزنها لاختياره الديمقراطي، وهو هنا مستثمر لكلّ أزمة ومستفيد من مرورها، لأنها ستشكّل رصيداً لتراكم التجربة لديه.
في زمن الأزمة سيكون كلّ سياسي معلناً ومكشوفاً وتحت أنظار الرأي العام أكثر من أي وقت، ولن ينفعه إلا أن يكون بهذا الحال، كلماته محسوبة وأفعاله مرصودة، وعليه إثبات جهده وبيان إمكانيته كمسؤول، فالرهان على من يصنع الحلّ، هو السائد في العموم، رغم الإدراك إن العمل الديمقراطي ليس عملاً فردياً لإنتاج الحلول، بل بحاصل تفاعل الآراء بين موافق ومعارض، وهذا هو الخيار الأصعب في واقع السياسية المحلية، إذ تنسحب تلك التفاعلات لتصبح توافقات سياسية قهرية أحياناً. وإذا كانت هذه الكلمات عامة وتحتاج إلى بيان، فليراجع القارئ الكريم ما مرّ من وقائع سياسية خلال السنتين الأخيرتين مثلاً ليكتشف التراجع الإداري للوزارات بين الانسحابات والشواغر الإدارية وقت الأزمات.
الآن، وبغض النظر عن كل ما يجري من وقائع سياسية وخلافات، نرى أن الحكومة ملزمة بالكشف الإداري السنوي، و لي كمتابع مستقلّ، أن أعيد أسئلة وضعتها على هذه الصفحة، بداية العام الماضي، عن الجهات التي لها الحق بمطالبة الوزارات بالكشوف السنوية، وإيجاد آلية رقابة يمكن الاحتكام لها في هذه القضية بمسؤولية إدارية تنشد المصلحة العامة، بعيداً عن أية مناكفة سياسية. وأين مجلس النواب من هذا الملف الهام، وهل من الممكن وضع تشريعات تتابع العمل الوزاري؟.