الليلة قبل الماضية، ليلة السبت/ الأحد، جرت تحت الأضواء المبهرة للكهرباء وللقمر المكتمل بدراً عملية حبس مدينة، كانت هي مدينة المدن وعاصمة الدنيا في أحقاب تاريخية مختلفة... بغداد لم تحبس أنفاسها فحسب الليلة قبل الماضية وإنما هي نفسها وُضعت في محبس حقيقي. لم ترتكب بغداد جرماً ليُزج بها في سجن.. ربما كان ذنبها أنها تستعصي على الإرهابيين فلا تستسلم لهم، وانها تستعصي أيضاً على الحكومة الفاشلة فلا تخضع لقيادها المنفلت. الإرهابيون أرادوا، مرة أخرى، اطلاق معتقلين لهم في سجن كان إصلاحية للأحداث، فتفتقت "عبقرية" الحكومة الفاشلة عن تحويله الى معتقل للإرهابيين وسط حي شعبي مكتظّ بسكانه، كأنما ارادت أن تسهّل للإرهابيين أمر مهاجمته وتهريب القتلة بيسر، فالأمر بالنسبة لسجن كهذا لا يتطلب سوى حزام ناسف أو سيارة مفخخة وعبوات ناسفة تُفجّر في مناطق مختلفة لتشتيت القوى الأمنية. كيف مرّت المتفجرات بنقاط التفتيش؟ كيف وُضعت في أماكن التفجير؟ لا تقولوا انها أُعدت وجُهزت في المكان عينه.. أين الاستخبارات؟ الإرهابيون يعرفون كيف يضعون الخطط التي تحقق لهم أهدافهم، بخلاف حكومتنا الفاشلة التي تُخفق حتى في وضع الخطط الدفاعية، ناهيكم عن الهجومية. خمسة تفجيرات وبضع قذائف هاون وإجراءات أمنية متسرعة غير مدروسة تعتمد أسهل الحلول، وهو اغلاق الشوارع والجسور والاحياء، كانت كافية لوضع بغداد تحت الحصار ليلة كاملة... آلاف السيارات وعشرات آلاف الناس تقطّعت بهم السبل بإرادة إرهابية وبتسهيل حكومي، وأضطر كثيرون الى المبيت في الفنادق ولدى الأقارب والمعارف. والنتيجة؟ لابدّ أن الناس سيكونون أقل ثقة بقدرة قواتهم الأمنية على الامساك بزمام الامور، وأكثر قلقاً وخوفاً من ان يكون هذا الزمام هو في أيدي الإرهابيين في الواقع. لماذا يحدث ما يحدث؟ ولماذا يحدث بالصورة نفسها مراراً وتكراراً؟ هل الخطط الأمنية فاشلة؟ لماذا لا تُركن وتُستبدل بها خطط أخرى؟ هل الجنرالات الموكلة اليهم مهمة الأمن غير أكفاء، غير نزيهين، غير مناسبين للمهمة؟ لماذا لا يُسرّحوا وتوكل المهمة الى الأيدي الأمينة، الشجاعة؟ مَنْ عنده الجواب عن هذه الاسئلة ومئات الاسئلة الأخرى المحيّرة؟ الارهابيون أشرار .. نعرف هذا.. لا يتورعون عن ارتكاب أبشع الجرائم.. نعرف هذا.. لا دين لهم ولا مذهب ولا ذمة ولا ضمير.. نعرف هذا ايضاً وايضاً. لكن ما بال دولتنا تبدو مستسلمة ومستكينة للذبّاحين مثل خروف في قصّابخانة؟ قبل اسبوعين كتبت في هذه المساحة ما كان عنوانه: "قبل أن تجتاحنا داعش" .. الليلة قبل الماضية بدت بغداد كما لو ان داعش قد اجتاحتها حقاً وفعلاً، واحكمت قبضتها عليها ووضعتها في المحبس .. هذا من أسوأ ما يكون في حق مدينة المدن، بغدادنا.. هل مَنْ يفهم هذا الكلام في الحكومة؟.
|