حوار افتراضي

 

في يوم من الايام التقى صدفة عالم وجاهل وجرى بينهم الحوار التالي:
قال العالم للجاهل انك تقضي اغلب وقتك تتزين وتتأنق وتعتني بمظهرك وتقضي بقية الوقت تتباهى بما لديك من مظهر وتنافس امثالك على تسنم المناصب بلبق اللسان وجميل المظهر ولا تعطي اي وقت لتغذية روحك والاعتناء بالجوهر كما تعتني بالمظهر؟ وبدل ان تقضي وقتك في التنافس الرجولي والعنتريات لم لا تسعى الى اكتساب ما يجعلك افضل حقيقة وليس بالمظهر فقط؟
فرد الجاهل قائلاً وانت يا من تنتقدني تقضي كل وقتك بين الورقة والقلم والكتاب والدرس والوعظ والارشاد حتى اهملت شكلك ومظهرك ومنظرك بين الناس فلم لا تقوم انت بالمثل لما تعظني به وتعتني بالمظهر كما تعتني بالجوهر حسب تعبيرك؟
فرد العالم قائلاً ولكني اجد في الكتب والدروس والمواعظ والمبادئ ما لا اجده في اي مكان اخر واحس بلذة لا تعدلها اي لذة اخرى لا في مأكل ولا ملبس ولا سمعة ولا مظهر ولا اي شيء اخر في الوجود حتى اني لا اجد نفسي الا بين الورقة والقلم ولا احس بوجودي الا حين ادرس واعلم الناس ما ادرس فلا وقت لدي للبحث عما تطلب وانا غير مقتنع بتخصيص وقت ولو قليل لما لا يغني عقلي وروحي.
فقال الجاهل ولكني ارى ان المظهر مهم ايضاً بل انه حالياً المقياس الحقيقي للمفاضلة الان بين الناس فالناس لا تنظر الى رأسك وما يحتوي من علم ولكنهم ينظرون الى جسمك وما يغطيه من ثوب فأنا عند الناس افضل واجمل واكمل! 
فضلاً عن ان امثالك كانوا وما زالوا وسيظلون غاطسين بين الكتب بعيدين عن الواقع مهمشين لا دور لهم لا في ماضي ولا حاضر ولا مستقبل والتي ملأها امثالي بالابهة والجمال والمظاهر والخيال واني لأرى انك وامثالك لا تصلحون لفعل شيء غير القول بلا عمل والوعظ بلا توقف وانكم لم تدخلوا مجتمعاً الا خربتموه بالمثاليات والمباديء والقيم الفارغة التي لا تطبق اما امثالي فلهم كل شيء!
هنا تنهد العالم وقال لن اجيبك على كل ما قلت بمثل ما قلت فأني اترفع عن الرد بالمثل على ما سطرت ولكني سأختصر القول بأن اطلب منك المقارنة بين الدول والمجتمعات التي سلطت امثالي على مقدراتها وسمحت لهم بقيادة دفة المجتمع والدولة والى اين وصلوا وبين المجتمعات والدول التي حكمها امثالك وكانوا هم المثل الاعلى والقادة للمجتمع وانظر الى اين وصلوا وبعد ان تقارن بين هؤلاء واولئك سترى من الافضل والانجح والارجح لقضاء العمر في طلبه العلم والعمل او الجهل والمظاهر والكسل !!؟؟
هنا لم يتمالك الجاهل نفسه وسارع الى سحب سلاحه وقتل العالم كثير الكلام فقد صدع رأسه وازعج هدوءه واستقراره الفارغ ونجح اخيراً في اسكات صوت الضمير الحي الذي كان ينغض عليه نومه وصحوته وارتاح وشعر بنشوة النصر على الطرف الاخر وذهب الى النوم ليستريح!
هذا باختصار هو ما يحصل في كل المجتمعات الشرق اوسطية مع استثناءات بسيطة هنا او هناك الامر الذي ادى ويؤدي دوماً الى تسلط الجهلة والمتعجرفين واقصاء وتهميش وقتل المفكرين والعلماء والمخلصين ولذا تطور كل من حولنا حين جعلوا مقياسهم العلم وهو نفس المقياس الذي يفترض ان نعمل به من منطلق ديني وانساني واخلاقي حيث ان ديننا يقول ( خير الناس من نفع الناس) ولا نفع اكثر من زرع الافكار الصحيحة البناءة المثمرة في عقول النشأ الجديد وتطبيق الافكار الناجحة عند الاخرين في مجتمعاتنا فخيركم من استمع القول فأتبع احسنه واخيراً اود الاشارة الى ان كل من حولنا من دول العالم التي تبهرنا حضارتهم ورقيهم وتقدمهم وحتى ثقافتهم وانسانيتهم وعلومهم لم يصلوا الى ما وصلوا اليه الا بتطبيق العلم وتدارسه وتداوله والاحتكام اليه ان ظهرت اي مشكلة مستجدة ومستعصية وفعلاً نجحوا في وضع المعادلات الرياضية التي تصنف وتحكم الكثير من شؤون حياتنا التي نرى لأول وهلة انها بعيدة كل البعد عن العلم والرياضيات ويلتجأ اغلبنا الى حلها بالخبرة الشخصية او بالآراء الفردية او حتى بالعجرفة وادعاء المعرفة بكل شيء والى الله المشتكى.