فضّوها بسلام

إذن فقد حشرت جماعة 2003 نفسها في خانق ضيق ، ولم يعد اي حراك سياسي يذهب بها الى هدف محدد . فالعراق الذي أضعفوه ، واساؤوا الى شعبه ، ونهبوا ثروته بفاسديهم ومفسديهم ، لم يعد يستوعبهم جميعا مرة واحدة ، بالاحرى لم يعد يستطيع معاونتهم اكثر مما فعل ، لم يعد يمتلك صبرا اكثر مما صبر ، لم يعد يصدقهم حتى لو خرجوا بمظاهرات حاشدة ، حتى لو هدّد بطل من ابطالهم بمليونية تقزم (المظاهرات الحاشدة)، فالشرخ السياسي ناتج عن صمتهم الطويل ، وتواطؤاتهم ، وقد تحول ، مثل أي شيء عليل ، الى جرح متقيح لا يشفى.


بيد أن مشكلة عراق ما بعد صدام انه لم يولد ساسة غيرهم ، فقد بددت الدكتاتورية الكفاءات التقنية والسياسية ، لينهي الاحتلال والعنف المنظم على البقية الباقية منهم . الساسة الحاليون كانوا صورة عن معارضة لم يظهر افقها الحقيقي الا عند التجربة ، وبمعاونة سلطة الاحتلال ، وهاهم اولاء باتوا يتحكمون بالحياة السياسية ، كما تحكموا بشارع منقسم أسلم نفسه الى ما يسميه الادب السياسي عندنا بالمكونات ، لأن الاحتلال حلّل الشعب الى مكوناته الاولية ، ولم تعد السياسة تمر الا عبر الطوائف والاثنيات وقادة المناطق والعشائر ، اي النظام السياسي الحالي تماما .


نمتلك اليوم دستورا ديمقراطيا يجري انتهاكه يوميا ، ومجلس نواب انقسامه صورة من انقسامات (المكونات) ، وحكومة تمثل مكونات راحت تتشاطر الواحدة على الأخرى ، فسياسيوها جاؤوا في نفس (اللوري) ، بلا تدريب سياسي وثقافي و(أخلاقي!) . عمليا نحن نمتلك قشور الديمقراطية لان سياسة ما بعد الدكتاتورية لم تولد الا صورة عن نتائج الدكتاتورية وتخريباتها. العراق لم يعط فرصة ابدا لتفاعلات جماهيرية ، لم يمنح فترة انتقال طويلة يختبر فيها الشعب رجاله ، ويختارهم من ذوي الكفاءة . والحال لم ينفصل ساسة ما بعد الدكتاتورية عن الدكتاتورية لا بالمعرفة ، ولا بالتجربة ، ولا بالاحاسيس ، وقبل كل شيء لم ينفصلوا عنها في الممارسة.


هؤلاء بكل تدريبهم السيء يقفون ضد بعضهم البعض ، وتقف مكوناتهم معهم .. وتصوروا ما سوف يحدث اذا ما قرروا المواجهة بدلا من الحوار ، فهي حرب اهلية طائفية ، وهي التقسيم النهائي للعراق . ما أن يبدأ اصحاب الصوت المرتفع بالصياح ، ما ان يبدأ العملاء ، وهم كثر في هذه الجماعات غير النبيلة ، حتى نجد انفسنا وسط الخرابة العراقية اياها وقد تحولت الى مزابل تاريخية تتفاخر بروائحها النتنة .


ايها السادة الفخورون ، انتم صنعتم هذا النظام السياسي ، فإذا ما رأيتم فضّ هذه الشراكة (الشركة) ، ففضوها بسلام .. آمين ..