الفكر المادي واثره في جمود العلماء


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خير الخلق محمد الامين واله الطاهرين
يمثل عصر مابعد الحداثة اليوم النظرة الفلسفية للفكر المادي حيث تكون فيه علاقة الفرد بالكون علاقة تعلق و استئثار ، أو بكلمة أخرى علاقة تعلق شديد تصل بالانسان إلى الاتحاد أو الذوبان بالمادة حتى يصبح عبارة عن جزء من هذا الكون ليس له وجود خاص متميز بل هو قطعة غير منفصلة من الجسم الكلي للكون ، والإنسان بثقافته وأفكاره وطموحاته هو نتاج حركة هذه المادة أو الزمن أو هذا الجسم الكبير، وإنها (أي المادة ) هي التي تنقله من حال إلى حال ثم إلى المستقبل المجهول لهذا الإنسان المسكين . وعلى هذه النظرة بنيت فلسفة تطور الافكار وتقدم الحضارة وحركة التاريخ بشكل عام التي تصور الانسان مجرد نتاج لحركة الكون وسائر في موجة بلا وعي و بلا قدرة على التحكم بها ولا التغيير، حتى وصل أصحاب هذه العلاقة إلى الشك المعاصر و اللاحقيقة والفوضى كما هو حال فلسفة ( ما بعد الحداثة ) الغربية في الوقت الحاضر. لانهم امنوا بان كل شيء يصدر منهم في أي جانب تغييري انما هو نتاج حركة المادة لذلك حتى تفكيرهم للمستقبل خاضع لهذه الحركة التي تظهر الان بالفلسفة الليبرالية او الفلسفة العلمية كما يحبون ان يسمون انفسهم بها .
وانا اعتقد ان هذه الفكرة لها ابعادها الاستعمارية والاستبدادية بحيث يقتنع الانسان انه مجرد كائن سابح بالكون لا يستطيع الا ان يستسلم وينتظر ما تصنعه المادة به لعلها تصنع له منقذا يغير حياته وظروفها ،وهي فكرة تصدرها جهات تريد ان تسيطر على العالم ولعلها تجد في هذه الافكار الحتمية ما يبرر ظلمها باسم البحث عن التغيير الحتمي.
ولعل البعض يعترض بأن افكار الديمقراطية والانتخابات والحريات الاخرى هي التي تسيطر على الانسان الغربي بالذات وهي افكار تناقض الحتمية التي تقول انها تمثل الفكر المادي؟ اقول بأختصار ان هذه الافكار هي نتاج عصر الحداثة ،وان فكر مابعدالحداثة ولد في احضان فلسفة الحداثة التي وصلت الى تحكم المادة بكل شي حتى في الافكار التحررية فخلقت فلسفة الحداثة وعيا يشكك بكل شيء لان الكون وبما فيه (الانسان وافكار التحرر السالفة )يسير بصورة لاادرية وهي حالة تفقد الانسان ثقته بكل سلوك يسلكه وفكرة يؤمن بها .
ولا يهمني الان افكار الحداثة وما بعدها انما الذي يهمني من كل ذلك هو فكرة مهمة مؤثرة ناتجة منها هي (الركون الى المجهول والايمان بعدم القدرة على التغيير).
تذكرني افكار المادية الانفة بما كان يروج له ال امية من افكار المجبرة الذين يقولون بان الحاكم المسلط على الناس مهما كان سلوكه فهو من الله وعلى الناس ان يسلموا له وان الاعتراض عليه هو اعتراض على امر الله ،فكانت هذه الافكار لاجل تثبيت سلطانهم وتبرير ظلمهم وجرائمهم حتى تسرب هذا الامر الى فقه العامة فكان حكم عدم الخروج علي ولي الامر أي الحاكم من اوضح مظاهر هذه الافكار.
فكان خروج الامام الحسين(عليه السلام) لاخراج الناس من هذه الدكتاتوريات والظالمين ويعلمهم انهم هم من يغيرون التاريخ و عليهم ان لا يرضون الا بالحاكم العادل و ان لا يصدقوا بأوهام ال امية التي تصيرهم مجرد ادوات يحركهم المجهول حيث قال(ايها الناس ان رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) قال من راى سلطانا جائرا مستحلا لحرم الله ناكثا لعهد الله مخالف لسنة رسول الله(صلى الله عليه واله وسلم) يعمل في عباد الله بالاثم والعدوان فلم يغير عليه بفعل ولا قول كان حقا على الله ان يدخله مدخله).
ولقد كان عليه السلام قد جسد هذا المعنى عمليا حين رفض بيعة يزيد ضاربا الاوهام التي يبثونها عرض الحائط موضحا ان الانسان عليه ان يميز من عليه ان يحكمه حيث قال( يزيد رجل فاسق شارب الخمر ،قاتل النفس المحرمة ،ومعلن بالفسق،ومثلي لا يبايع مثله).
لهذا ان الحسينيين هم من يغيرون التاريخ بكل وسيلة ممكنة حتى لو وصل الامر الى التضحية بالغالي والنفيس وليس كل من هب ودب ممن يدعي انه حسيني وهو ساكت على الظلم منغمسا بشهوات سلطته الدينية او السياسية لا يغير على الظلم واتباعه ويكشف الشبهات لينير دروب المسلمين خصوصا والبشرية عموما وخير من يمثل هذه المادية الذائبة الان في مجتمعنا الاسلامي هم العلماء الخاملون الذين لا يحركون ساكنا امام مصائب الامة و انغماسها بالفساد بحجة انه ليس تكليفه الا ان يبين الحلال والحرام من خلال كتاب معظمه طلاسم مرمي بين المكاتب يسمونه رسالة عملية .
ان اهم ادوار العلماء الحسينيون هو كشف مادية ولا ادرية هؤلاء العلماء الدنيويون لتحرير الامة من تسلطهم ودكتاتوريتهم .كلمة للامام الحسين عليه السلام يوجهها للامة ليخلصهم من تسلط مزيفي زمانه حيث قال(كونوا احرار في دنياكم)قالها السيد الشهيد الصدر فيما تروى عنه(انا حررتكم فلا يستعبدكم احد بعدي).
وانا هنا انما اذكر مقاربة بين نتائج هذا الفكر وبين المجبرة وبين العلماء الرافضيين للتغيير ولا اقول انهم نتاج لمابعد الحداثة....نعم جميع هذه الافكار هي نتاج الفكر المادي بتنوع اتجاهاته.
لهذا انا احيي كل العلماء التغييريين الذين يخرجون من سلطة الافكار الجبرية التي تسيطر على اجواء الحوزات العلمية من ناحية التغيير الاجتماعي ودورهم بتحرير الانسان من سلطة هذه الافكار والاشخاص الذي يشيعونها بالمجتمع.ولاثر هذه الافكار على الفرد بالذات وقفة خاصة نسأل الله ان يوفقنا لها.
والحمد لله رب العالمين والصلاة على محمد واله الطاهرين