كلّ من سخّم وجهه قال إنّي حدّاد..(أصول وقواعد كتابة المقال).. ردا على مقال موقع الراية.. بقلم/ الشيخ مرتجى الساعدي

 







العراق تايمز: كتب الشيخ مرتجى الساعدي..

كلّ من سخّم وجهه قال إنّي حدّاد

هذا المثل الشعبي المتداول في العراق يُضرب على الأشخاص الذين يريدون أن يكونوا من أهل الصنعة والفن وهم لا يعرفون من هذا الفن ومن هذه الصنعة شيئاً إلاّ التشبّه الظاهري بأصحاب أهل التخصّص الفني بل لا يعلمون ولا يفقهون من هذه الصنعة إلاّ أن يكونوا محلاً للسُخرية من قبل الآخرين وقد قال الله تعالى (وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون).

وقد قرأت بالأمس مقالاً لأحد (الكتّاب) تحت عنوان (الشيخ اليعقوبي... تقليل لدور الرسول وشخصيته الإلهية) من الذين ينطبق عليهم هذا المثل الشعبي انطباقاً كاملاً دقيقاً... فإذا أحببت أيها القارئ الكريم أن ترى بنفسك هذا الانطباق الشديد والتام على صاحب هذه المقالة فتعال معي لتسمع وترى بنفسك كيف كلّ من هبّ دبّ على وجه هذه البسيطة يُناقش ويحلّل ويجعل نفسه كاتباً نحريراً وعالماً فذّاً وينقد الآخرين على ما كتبوه ويفنّد نظرياتهم ويبطل كلماتهم بأدلّة واهمة وضعيفة ورخيصة إن دلّت على شيء فإنّما تدلّ على مصيبة كبيرة قد أصابت أهل هذا الفن وهي (كتابة المقال) في هذا البلد الذي ضاعت فيه الكثير من القيم والمبادئ والصناعات العلمية والأدبية، ولهذا السبب المهم نحاول أن نرد على صاحب هذه المقالة لكي نبيّن للآخرين ونوضّح لهم بأن كتابة المقال تحتاج إلى تخصّص فنّي لا يأتي إلاّ وفق ضوابط وقواعد وقوانين تحتاج إلى مهارات ومستلزمات ومقدّمات مهنية وفنية على الكاتب أن يكون ملمّا بها لكي يكون ناجحاً ومؤثراً في الآخرين ولا تكون كتابة المقالات وفق أهواء واعتقادات وخرافات وجهل وأمراض نفسية يحملها صاحب هذا المقال ولا تكون وفق شراء ذمم بعض النفوس المريضة بأموال زهيدة.

والآن تفضل أيها القارئ العزيز معي لنقرأ معاً هذا المقال ولتعرف بنفسك ما هي المصائب الكبرى التي تقع على رؤوس الناس التي تقرأ مثل هذه المقالات الرخيصة.

يقول الكاتب في بداية مقالته (في واجهة موقعه الرسمي على الانترنت كتب الشيخ محمد اليعقوبي بمناسبة ولادة الرسول (صلى الله عليه وآله) الفقرة التالية) ثم يطرح الفقرة ما بين قوسين ويقول: (هذا ما قاله الشيخ اليعقوبي على موقعه الالكتروني وسنقف هنا لنفكك ونناقش ما جاء فيه في النقاط التالية).

أراد هذا الكاتب من خلال فقرة مؤلفة من سبعة سطور من الكلمات أن يحكم على شخصية أحد مراجع الدين في النجف الأشرف في العراق وأحد أبرز القيادات الدينية والحركية والرسالية والتي تملك رصيد كبير من الشعبية والمحبّة في قلوب وأفئدة العراقيين الوطنيين الواعين والمثقّفين منهم بالخصوص بأنّه (وحاشاه) يقلّل من دور الرسول وشخصيته الإلهية وذلك من خلال الاطلاع السريع على ما كتبه الشيخ اليعقوبي في موقعه الالكتروني؟!

وهنا نقف وقفة صغيرة ونقول هل يوجد عاقل يملك عقل كامل وناضج وفيه نوعاً من الرشد والفهم أن يحكم على أي شخص مهما كان شأنه من خلال بعض كلماته ليصدر حكماً بحقّه على أنّه معتدٍ وآثم، وهل يعرف الكاتب بأنّ هذه السبعة أسطر من الكلمات هي من كتاب كبير اسمه (الأسوة الحسنة للقادة والمصلحين، دروس في بناء الذات وسياسة الأمة مستفادة من سيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله)) وهي مجموعة محاضرات ألقاها سماحة الشيخ اليعقوبي على فضلاء وأساتذة الحوزة العلمية في النجف الأشرف وهذا الكتاب من أحّد الكتب المهمّة التي تبرز شخصية الشيخ محمد اليعقوبي كمفكّر وقائد إسلامي يقود الحركة الإسلامية اليوم في العراق وفق منهج الرسالة المحمّدية الأصيلة لأنّه قد درس حياة الرسول الأعظم محمد (صلى الله عليه وآله) وخرج منها بدروس وأفكار علمية وعملية يحاول تطبيقها في الواقع العراقي اليوم وهذا الكتاب مطبوع وموجود في أغلب مكتبات النجف وبغداد وباقي المحافظات.

فهل كان كل هؤلاء الفضلاء وأساتذة الحوزة العلمية في النجف الأشرف غير عارفين وعالمين بهذا الكتاب وبهذه المحاضرات التي تُلقى إليهم بأنها تقلّل من دور الرسول (صلى الله عليه وآله) وقد عرفها هذا الكاتب من خلال سبعة أسطر فقط؟!! مع أنّ وظيفة طلبة وأساتذة وعلماء الحوزة العلمية الشريفة في النجف الأشرف هي الدفاع عن عقيدة المسلمين وكيف لا تكون كذلك والاعتداء قد وقع على حامل هذه الرسالة الإسلامية العظيمة، فهل أدركها الكاتب ولم يدركها كل أولئك الفضلاء والعلماء؟! والواضح أنّ الكاتب لم يطّلع على هذا الكتاب ولم يقرأه بل حكم على أحد شخصيات وقادة الإسلام في العراق من خلال بعض السطور قرأها صدفة في الموقع الالكتروني ولنضع هنا القاعدة الأولى من قواعد كتابة المقال (عندما تريد أن تكتب شيئاً ما فعليك أن تطّلع وتقرأ عن ذلك الشيء قراءة كثيرة وتتدبر وتفكّر بها كثيراً قد تأخذ منك أياماً لتعرف مصادر ومنابع ذلك الشيء وأسسه وقواعده حتى تستطيع أن تكتب عنه كتابة رصينة ولا تقع في تهافت الكلام).

ثم يقول الكاتب (أولاً: إن السياق العام لكلام الشيخ اليعقوبي، فيه الكثير من التقليل لمنزلة الرسول صلى الله عليه وآله، فمثل هذا الكلام يوصف به الزعماء والقادة الذين ظهروا في فترات مختلفة من التاريخ، وليس الأنبياء والرسل عليهم السلام. ينطبق هذا الوصف مثلاً على نيلسون مانديلاً وغاندي وغيرهما ممن ذكرهم اليعقوبي في بعض المناسبات، بعبارات مشابهة وبنسق تقييمي لا يختلف عما ذكره بحق الرسول الأكرم).

سيحاول هذا الكاتب من خلال مناقشته أن يثبت بأنّ الشيخ اليعقوبي يقلّل من منزلة الرسول (صلى الله عليه وآله) فأين الإثبات وأين الأدلة التي تثبت بها المطلوب؟

الدليل الأول للكاتب السياق العام لكلام الشيخ اليعقوبي وإنّي أسأل كلّ من له عقل وفهم أن يقرأ هذه الكلمات التي كتبها سماحة الشيخ اليعقوبي: (إننا اليوم أحوج ما يكون الى عرض صورة الأسوة الحسنة في حياتنا. فنحن مسؤولون أكثر من أي وقت مضى عن دراسة حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيرته دراسة تحليلة، لكي نتمثلها في حياتنا، وتكون نبراساً لنا، ليس فقط في حياته الشخصية الخاصة، لكونه أكمل المخلوقات وأشرفها وأحقها بالإقتداء، وإنما ايضاً في حياته العامة) هل في هذه الكلمات إساءة والعياذ بالله لدور الرسول الأكرم محمد (صلى الله عليه وآله)؟! عندما يقول شخص: نحن نحتاج إلى الأسوة الحسنة ولا توجد شخصية أكمل وأعظم من محمد (صلى الله عليه وآله) ليكون هو الأسوة الحسنة لكي نقتدي به ونجعله نبراساً لنا على مستوى حياته الشخصية لكونه أكمل المخلوقات وأشرفها وأحقّها بالاقتداء وفي حياته العامة كقائد اجتماعي للناس بل في هذه الكلمات (أكمل المخلوقات وأشرفها وأحقها بالاقتداء) إشارات ولطائف وكنوز لذوي الألباب ولكن أمثال هذا الكاتب لا يقرؤون ولا يتدبّرون، بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون.

إنّ الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) قد نال أرفع وأكمل الدرجات وأشرفها على كل المخلوقين حتى أفضل من الملائكة، فأين نيلسون مانديلا وغاندي عن هذه الكلمات أيّها الكاتب وأين هذه العبارات المشابهة والنسق التقييمي.

ونذكر هنا القاعدة الثانية من قواعد كتابة المقال (الموضوعية في الطرح: على الكاتب أن يكون موضوعياً ويناقش ما كتبه الآخر بموضوعية وبعيداً عن الرأي المسبق الذي يُكوّنه في ذهنيته وعقله ويحاول أن يستدل عليه بأمور خارجة عن الموضوع) كما استدل الكاتب بكلام سماحة الشيخ اليعقوبي عن نيلسون مانديلا وغاندي مع أنّ كلمات سماحة الشيخ اليعقوبي واضحة وجلية لأنّ الرسول الأكرم محمّد (صلى الله عليه وآله) (وهو الموضوع المقصود هو أكمل المخلوقات وأشرفها).

ونريد أن نذكر هذا الكاتب وأمثاله بأنّ هذا الكلام المؤلّف من سبعة أسطر قد جاء وسط كتاب مؤلف من آلاف الكلمات والأسطر ومئات الصفحات وقد جاء هذا السياق العام للكلام بعد مقدمات عديدة تحت عنوان (حاجتنا إلى الأسوة الحسنة) وهذا السياق العام للكلام هو النتيجة يا سيدي الكاتب فكيف تستطيع أن تحكم على النتيجة بدون أن تعرف المقدمات فراجع القاعدة الأولى من قواعد كتابة المقال التي أشرنا إليها سابقاً في هذه الكلمات.

ويقول أيضاً الكاتب (ثانياً: يصف الشيخ اليعقوبي، رسول الله، بأنه (أعظم مصلح إجتماعي)، وهو وصف يقلل من قيمة ودور وحقيقة الرسول الأكرم، وقد استخدم اليعقوبي ما استخدمه بعض المستشرقين المغرضين في كتابتهم عن الإسلام، فقد أرادوا تجريد الرسول والرسالة الاسلامية من صفتها الإلهية ومن كونها خاتمة الرسالات السماوية، من خلال استخدام مصطلح (المصلح والاصلاح)، والمعروف أن الاصلاح يعني إجراء تعديلات تقويمية لوضع قائم، أي الإبقاء على الأسس والثوابت مع إجراء عملية تصحيح لأخطاء هنا وهناك، فهذا هو الإصلاح. في حين أن الرسول صلى الله عليه وآله، جاء برسالة تغييرية للمجتمع، فمهمته كانت (التغيير) وليس الإصلاح. وهذه نقطة جوهرية في فهم الرسالات السماوية، ودور الإسلام في الحياة. وقد كتب فيها الإمام الشهيد السيد محمد باقر الصدر عدة ابحاث ومقالات في هذا الإتجاه، حيث أوضح الفرق الكبير بين عملية الاصلاح وعملية التغيير، كما كتب في ذلك مئات الإعلام من الشيعة.).

يعترض الكاتب على وصف سماحة الشيخ اليعقوبي للرسول محمد (صلى الله عليه وآله) بأنّه أعظم مصلح اجتماعي لأن هذا الوصف يقلّل من دور وقيمة وحقيقة الرسول الأكرم والدليل على ذلك:

1- استخدام بعض المستشرقين المغرضين هذا المصطلح (المصلح والاصلاح) في كتاباتهم عن الإسلام لأنّهم أرادوا بهذا المصطلح تجريد الرسول والرسالة الإسلامية من صفتها الإلهية ومن كونها خاتمة الرسالات السماوية.

2- إنّ الرسول (ص) جاء برسالة تغييرية للمجتمع فمهمّته كانت (التغيير وليس الاصلاح)، وفرق كبير ما بين التغيير والاصلاح لأنّ الإصلاح يعني الابقاء على الأسس والثوابت مع اجراء عملية تصحيح لأخطاء هنا وهناك أي إجراء تعديلات تقويمية لوضع قائم.

إنّ هذا الاعتراض بهذه الأدلة يثبت وبقوة بأنّ الكاتب ذو ذهنية وعقلية فارغة تماماً من المفاهيم القرآنية العظيمة التي نزلت على قلب الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) لأن مفهوم (الإصلاح) مفهوم قرآني دقيق وتعبير إلهي لا يقبل الشك وقد ورد في نصوص الآيات القرآنية وعلى لسان الأنبياء والمرسلين في الدفاع عن العقيدة الإلهية فقد ورد في سورة هود الآية 88 (إِنْ أُرِيدُ إِلاَّ الإِصْلاَحَ مَا اسْتَطَعْتُ وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ) وهذا النص القرآني الواضح على لسان أحد المرسلين وهو النبي شعيب (ع) يثبت بأن مصطلح الإصلاح والمصلح مصطلح قرآني دقيق وليس من كلمات بعض المستشرقين المغرضين بل هو مصطلح قرآني إلهي، وهذا المصطلح لا يجرد الرسول والرسالة الإلهية عن صفتها بل يثبت بأنّ للصفة الإلهية وهي الرسالة معانٍ اجتماعية جليلة وتستحق الاحترام والتقدير ومن معانيها الاجتماعية الإصلاح ومما يزيد من هذا المصطلح اثباتاً وقوة في نفوس المؤمنين ورود هذا المصطلح كهدف عظيم وغرض كبير من أغراض خروج الإمام الحسين (عليه السلام) في نهضته المباركة ضدّ الطواغيت والجبابرة فيقول (عليه السلام) وارث الأنبياء والمرسلين (راجع زيارة وارث) (إنما خرجت لطلب الإصلاح) وبما أن محمداً (ص) كان حاملاً لأكمل الشرائع والرسالات السماوية وهي رسالة الإسلام والتي هي أكمل بالتأكيد من باقي الرسالات السماوية الأخرى فلابد أن تكون هذه الرسالة الإسلامية هي أشرف وأكمل الرسالات الإصلاحية للمجتمع ويكون حاملها هو أكمل وأعظم مصلح اجتماعي في الوجود على الإطلاق كما هو واضح.

أما الدليل الثاني للكاتب وهو الفرق ما بين التغيير والاصلاح وأنّ الرسالة الإسلامية هي رسالة تغييرية للمجتمع فنقول أن للإصلاح معنيين: الأول- هو الإصلاح بالمعنى الأعم وهذا المعنى هو الذي ورد على لسان النبي شعيب (ع) في القرآن الكريم وعلى لسان وارث الأنبياء والمرسلين الإمام الحسين (ع) كما أشرنا سابقاً لأنّ من وظائف الأنبياء والمرسلين والأئمة (ع) ونواب الأئمة من مراجع الدين الرساليين هو إصلاح المجتمعات البشرية وسعادة النفس الإنسانية في الدنيا والآخرة وهذا الإصلاح يحتاج إلى ركيزتين وخطّين أساسيّين كما يقول السيد الشهيد محمد باقر الصدر (قده) وهما الأول خط وعي التوحيد والثاني خطّ المسؤولية الأخلاقية لحمل أعباء الدعوة.

فكلّما ازداد الوعي التوحيدي لدى الأمة ووعي المسؤولية الأخلاقية لحمل أعباء الدعوة أصبحت هذه الأمة، أمة صالحة اجتماعياً ومصلحة لغيرها من الأمم.

ولهذا كله كانت الرسالة الإسلامية هي أعظم رسالة اصلاحية اجتماعية لأنها حملت في طيّاتها تلك الركيزتين والخطّين الأساسيّين وكل معانيها التامة والكاملة ولذلك كانت هي الرسالة الخاتمة للرسالات السماوية وكان الرسول الخاتم محمد (ص) حامل هذه الرسالة الكاملة والتامة هو اعظم مصلح ا جتماعي من بين كل الأنبياء والمرسلين والأئمة (ع).

أمّا المعنى الثاني للإصلاح: هو الإصلاح بالمعنى الأخص كما ورد في القرآن الكريم قوله تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) (الحجرات/10) وقوله تعالى: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ) (النساء/114) وكما قال رسول الله (ص): (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ إصلاح ذات البين) وهذا المعنى للإصلاح هو الذي أشار إليه الكاتب بقوله: (إنّ الإصلاح يعني الابقاء على الأسس والثوابت مع اجراء عملية تصحيح للأخطاء هنا وهناك فإنّ المعنى الأول للإصلاح وهو بالمعنى الأعم يشمل معنى التغيير وكذلك يشمل المعنى الثاني للإصلاح بل ويشمل كل وظيفة إصلاحية اجتماعية ناشئة من عقيدة إسلامية صحيحة وفق مباني أخلاقية وفقهية رصينة، فهل عرفت أيّها الكاتب بأن وصف سماحة الشيخ اليعقوبي للرسول محمد (ص) بأنّه أعظم مصلح اجتماعي هو وصف قرآني دقيق وهو يتكلم بقلب سليم وعين صافية، عاش مع القرآن بكل جوارحه وجوانحه وكان هذا الوصف بحث قرآني جديد لمعنى الإصلاح والمصلح (فويل للمطففين) وهنا نذكر القاعدة الثالثة من قواعد كتابة المقال (على الكاتب أن يستعمل بدقة عالية المصطلحات التي يكتبها في المقالة ويكون عارفاً ومستوعباً لمعانيها حتى لا يقع في إشكالات اصطلاحية فيذهب المقال وكاتبه إلى سلة المهملات).

ثم يقول الكاتب في (ثالثاً: يرى الشيخ اليعقوبي أن الرسول (مؤسس خير أمة أخرجت للناس من العدم) وهذه العبارة شاذة على المفاهيم الإسلامية والفلسفية بشكل عام، فالله سبحانه هو الذي ينشئ من العدم، وليس لأحد من خلقه أن يخلق شيئاً من العدم. كما ان المجتمع الذي عاصره الرسول، كان نتاج أقوام وأجيال وحلقات بشرية ضاربة في القدم وصولاً الى آدم عليه السلام، وعليه فلا يمكن وصف أي حلقة وسطية بانها خُلقت من العدم.)

يعترض الكاتب على وصف سماحة الشيخ اليعقوبي أنّ الرسول مؤسس خير أمة أُخرجت للناس من العدم وذلك بدليل أنّ هذه العبارة شاذة على المفاهيم الإسلامية والفلسفية بشكل عام لأنّ الله سبحانه هو الذي يُنشئ من العدم وليس لأحد من خلقه أن يخلق شيئاً من العدم.

هل عبارة سماحة الشيخ اليعقوبي شاذة على المفاهيم الاسلامية والفلسفية؟ هل رسول الله (صلى الله عليه وآله) مؤسس؟ قال تعالى (أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَىَ شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ) (التوبة/109) وهل هناك أحدٌ يستطيع أن يدعي بأنّه مؤسس لبنيان التقوى والرضوان في الإسلام وقبل الإسلام غير النبي محمد (ص) وما يثبت ذلك هو قول الصديقة الطاهرة فاطمة الزهراء (ع) باستشهادها بهذه الآية مخاطبةً أهل الإسلام في خطبتها الفدكية: (فأنقذكم الله تبارك وتعالى بمحمدٍ(ص) بعد اللّتيا والتي).

خير أمة أخرجت للناس هذه العبارة هي من قوله تعالى (كنتم خيرَ أمة أخرجت للناس) آل عمران110 إذن عبارة سماحة الشيخ اليعقوبي كلها قرآنية التعبير فلماذا يقول الكاتب بعضها شاذة فلكي يكون دقيقاً فعليه أن يقول كلمة من العدم هي الشاذة وعندئذ هل كلمة من العدم شاذة أم لا؟

ولكلمة العدم في هذه العبارة معنيان لطيفان وهما:

1-العدم المعنوي مقابل العدم المادي فإن كُلّ أمة لم تعش معاني الإسلام الكمالية والأخلاقية والعقائدية والعبادية فإنها بلحاظ العدم وإن كانت موجودة مادياً وهذا المعنى موجود في القرآن الكريم بقوله تعالى (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ) (إبراهيم/1) أي أن الرسول محمد (ص) يخرج الناس من الظلمات إلى النور من العدم المعنوي إلى الوجود المعنوي للإسلام وأحكامه وشرائعه بل الذي يعيش في الظلمات هو ميت معنوياً لقوله تعالى (أَوَ مَن كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ) (الأنعام/122) فبنور رسالة الإسلام وبنور الرسول محمد (ص) خرج الناس من العدم إلى الوجود المعنوي الحقيقي وهو هدف الخلق لله تبارك وتعالى فيكون معنى العدم هنا هو العدم المعنوي وهو من المفاهيم الإسلامية القرآنية وتجد له مصادق كثيرة في القرآن وأحاديث الأئمة (عليهم السلام).

2- العدم النسبي مقابل العدم المطلق: وهو المفهوم الخير فلسفياً فالشر هو عدم الخير النسبي فبلحاظ معين يكون الشر خيراً لا شراً ولكن بلحاظ آخر يكون شراً كمن يفقد مالاً أو شخصاً عزيزاً أو يصاب بمرض معين وهذه الأمور التي تحصل لهذا الشخص هي حقيقةً وبالوجود ليست شراً وانما هي خير بلحاظ المصالح والمنافع والأهداف العامة لنظام خلقة الكون وقوانينه الطبيعية، وهي شر نسبة لذلك الشخص بلحاظ التنازع والتزاحم المادي الموجود في عالم الدنيا.

فالأمة التي كانت قبل الإسلام هي عدم نسبي مقابل نعمة الإسلام كمقابلة الشر والخير والموت والحياة.

فهل أدركت أيها الكاتب أن وصف سماحة الشيخ اليعقوبي هو اكثر دقة وأكثر معرفة بالمفاهيم الإسلامية والفلسفية ( وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)الحاقة12. فراجع القاعدة الثالثة من قواعد كتابة المقال.

ويقول الكاتب في رابعاً (رابعاً: يرى الشيخ اليعقوبي أننا الآن أحوج من أي وقت مضى لدراسة سيرة وحياة الرسول الأكرم، لكي نتمثلها وتكون نبراساً لنا.

 

ما الذي يجعل الشيخ اليعقوبي يطرح هذه الحاجة؟ وما المعيار الذي اعتمده في تقدير نسبة الحاجة في هذه الفترة مقارنة بالفترات السابقة؟.

إن التعامل مع الرسالة الإلهية ومع دعوات الرسل عليهم السلام، لا يكون على أساس تقدير حاجة مرحلة مقارنة بمرحلة أخرى، إنما هي دعوات إلهية للناس لكي يؤمنوا ويسلموا بها، وهي بنفس الدرجة على مر العصور، فالارتباط بالرسول صلى الله عليه وآله، لا يكون في مرحلة معينة، أقل حاجة من مرحلة أخرى، بل هي عقيدة ثابتة على الدوام، وعلى الانسان المسلم أن يلتزم بها في كل مكان وزمان.)

يعترض الكاتب على وصف سماحة الشيخ اليعقوبي أننا الآن أحوج من أي وقت مضى لدراسة سيرة وحياة الرسول الأكرم لكي نتمثلها وتكون نبراساً لنا باعتراضين وهما:

  1. لماذا يطرح الشيخ اليعقوبي هذه الحاجة الآن؟

  2. والمعيار الذي اعتمده في تقدير نسبة الحاجة في هذه الفترة مقارنة بالفترات السابقة.

ونقول للكاتب أن تسلسل الاعتراض والنقد في هذا الموضع خاطئ وغير صحيح وكان من المفروض أن تكون هذه النقطة رابعاً هي أولاً لأن كلام سماحة الشيخ اليعقوبي كان مبتدئاً بها (أننا اليوم أحوج ما يكون...)

وهنا نذكر قاعدة رابعة من قواعد كتابة المقالات:

(إن تسلسل الأفكار وترابطها في كتابة المقال تسهّل على القارئ أمر استيعابها بسهولة والتأثر بها إما عدم الترابط والتسلسل فإنه يؤدي إلى دور عكسي على القارئ مما ينفّر الآخرين منها).

فإن كان الكاتب غافلاً عن هذه القاعدة وهو طبيعي بالنسبة إليه.. فهذه مصيبة وإن كان قاصداً هذا الترتيب لكي يشوش على القارئ فهو متعمد في ضياع الحقائق ودس الشبهات للنيل من شخصية علمائية واجتماعية ورسالية وأخلاقية (ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين).

إما اعتراض الكاتب على لماذا الآن يطرح سماحة الشيخ اليعقوبي هذه الحاجة فقد أجبنا سابقاً عن هذا الإشكال وقلنا بأن هذه الأسطر هي جزء من كتاب كامل ألفه سماحة الشيخ اليعقوبي ولو كنت قد قرأت الكتاب لعرفت وجه الحاجة في هذه المرحلة ولكن لزيادة الفائدة نرد بجوابين:

  1. لقد ذكر سماحة الشيخ اليعقوبي في هذه الكلمات أهمية الأسوة الحسنة في الرسول محمد (ص) وذلك بسبب الأبعاد المتعددة في شخصيته (ص) وهذه الأبعاد على مستوى الحياة الشخصية الخاصة وكونه أكمل المخلوقات وأشرفها وعلى مستوى حياته العامة للبعد الأصلاحي الاجتماعي وكونه أعظم مصلح اجتماعي وللبعد التأسيسي لخير أمة أخرجت للناس من العدم وللبعد القيادي الذي وفر السعادة البشرية للأمة الإسلامية بسبب هذه الأبعاد المتعددة كان رسول الله (ص) أولى الناس بالتأسي والإقتداء لمن كان يرجو الله واليوم الآخر.

  2. نحن اليوم بحاجة كبيرة إلى فهم دور الأسوة الحسنة للرسول الكريم محمد (ص) لكي نستعين بها على مواجهة سعة التحديات وتطور وسائل الاتصال حتى عاد العالم كالقرية الواحدة وانفتاح هذا العالم على الاسلام وقادته ليتعرف عليهم بعد الصحوات الاسلامية ,فكيف نبرز ونظهر هوية الإسلام المحمدي الأصيل إلى العالم كله بطريقة تتناسب مع سعة هذه التحديات فلذلك نحتاج إلى دراسة حياة رسول الله (ص) وسيرته دراسة تحليلية لكي نتمثلها في حياتنا وتكون نبراساً لنا (ولكل السياسيين والمثقفين والقياديين الإسلاميين).

يقول الكاتب في خامساً: (يضع الشيخ اليعقوبي مبرر الاقتداء بالرسول، كونه (أعظم مصلح إجتماعي) ولم يقل لكون الاقتداء به لكونه رسول الله الواجب طاعته وأخذ ما جاء به وما بلغه من تعاليم وأحكام وشرائع عن طريق الوحي. وهي زلة كبيرة وخطأ مفاهيمي فادح.)

لقد أجبنا عن هذا الاعتراض في النقطة السابقة (رابعاً) ولكي نوضح أكثر نقول أن الاقتداء على شكلين مهمين معاً:

الأول: الاقتداء الفردي: وذلك بأن نقتدي بشخص على مستوى حياته الشخصية الخاصة فكيف بالرسول الخاتم محمد (ص) وبالطبع في هذا خير كثير لمن كان يرجو الله واليوم الآخر إلا أنه وحده لا يكفي بل لابد أن يضم معه الجانب الثاني.

الثاني: الاقتداء الاجتماعي: وهذا الاقتداء يكون مظهراً من مظاهر العز والشموخ الإسلامي الحقيقي لأن في مدرسة الإسلام الأسس الواقعية الأصيلة التي تبني المجتمع الإسلامي وتوفر السعادة للبشرية جمعاء على مستوى الإصلاح الاجتماعي وعلى مستوى وجود القيادة الواعية البصيرة بأمور الدنيا والآخرة وبهذا الاقتداء الصادق سيرجع الإسلام إلى موقعه القيادي الحقيقي وسيكون المسلمون خير أمة أخرجت للناس.

فإذا تبين هذا الكلام للكاتب النحرير عرف من هو صاحب الزلة الكبيرة والخطأ المفاهيمي الفادح فإذا أشرقت الشمس زال الظلام. راجع القاعدة الثالثة من قواعد كتابة المقال.

ويقول الكاتب في سادساً (يقول الشيخ اليعقوبي ان فترة قيادة الرسول (وفرت للبشرية أسعد عصر من عصورها).

كان على الشيخ اليعقوبي أن يبتعد عن هذا الاطلاق الواسع، فمجتمع الجزيرة هو الذي كان تحت القيادة المباشرة للرسول، بينما كانت البشرية خارج حدود الجزيرة تعيش ظروفها واجوائها الاجتماعية والسياسية والاقتصادية البعيدة كل البعد عن التجربة الاسلامية.)

ويبدو أن الكاتب كما لم يستطيع أن يفهم معانٍ ومفاهيم الوصف الدقيق لكلمات سماحة الشيخ اليعقوبي كذلك وقع في تهافت الكلام هنا أيضاً حيث أن مفاد سماحة الشيخ اليعقوبي هو أنّ تجربة الرسول محمد ص) في قيادة المجتمع الإسلامي آنذاك تعتبر من أوفر التجارب البشرية وأكثرها خبرة ونظاماً واستطاعت في زمانها القصير تاريخياً ومكانها الضيق جغرافياً أن تترك نظاماً جديداً في إدارة الدولة وقانوناً حديثاً لكل من يريد أن يقود مجتمعاً ما إلى ذروة السعادة الدنيوية والاخروية ولكن أين هذا الكاتب من هذه المعاني المباركة والآيات البينات.

وهنا نذكر القاعدة الخامسة من قواعد كتابة المقال (أن نقد أي عبارة مكتوبة يحتاج إلى فك رموزها والتدقيق الجيد في معانيها قبل الحكم لها أو عليها لربما يكون هناك فهم آخر غير الفهم الذي استنتجه الناقد واحتمال ورود فكرة أخرى غير الفكرة التي وصلت إلى الناقد فلابد من التدقيق العالي قبل أصدار أي حكم).

ثم يختم الكاتب مقالته فيقول (كنا نتمنى على اليعقوبي أن يكون دقيقاً في توصيف الرسول والرسالة، فما أكثر الذي يتربصون بالشيعة للنيل منهم، وإطلاق الشبهات والشكوك حولهم، لا سيما وأنه وضع لنفسه عنوان المرجع، وهو عنوان كبير في الواقع الشيعي، يتطلب الكثير من المواصفات والشروط الصعبة، وليس مجرد إدعاء ورغبة شخصية.)

ويا لها من خاتمة المساوئ، فقد خرج كاتب المقال الذي لا يعرف شيئاً من أصول وقواعد كتابة المقال إلى نتيجة مفادها أن تكون المرجعية الدينية والقيادة الحركية الرسالية في العراق تابعة لما يريد أن يملي عليها من شروطه ومواصفاته ,فإن كنت لا تستطيع أن تكتب مقالاً فكيف تستطيع أن تعرف مرجعاً رسالياً وقائداً إسلامياً حركياً بل ثبت بالدليل التي لا يقبل الشك والشبهة إن كلمات سماحة المرجع اليعقوبي كانت من الدقة العلمية العالية بما تحويه من أفكار رسالية ومعانٍ سامية إن دلت على شيء فإنما تدل على إن المرجعية الدينية في العراق تتجسد علمياً وعملياً لسماحة الشيخ اليعقوبي الذي يستحق بكل جدارة أن ينال شرف نائب الإمام المعصوم (عليه السلام) وشرف كونه المرجع الديني الأعلى في النجف الأشرف وفي العراق وهنا (انقلب السحر على الساحر) فأين تذهبون يا أصحاب المقالات الرخيصة المدفوعة الثمن مسبقاً؟