البرنامج النووي الإيراني... والسّعار الإسرائيلي السعودي...؟

 

لماذا تتابع الصحافة جميع التفاصيل الصغيرة منها والكبيرة حول برنامج إيران النووي، لكننا لا نرى أي شيء عن قدرة إسرائيل النووية؟

والمضحك المبكي في الموضوع أن إسرائيل هي من أكثر الجهات التي تفتعل الضجيج وتثير المشكلات بشأن البرنامج النووي الايراني ذي الطبيعة السلمية لدرجة تهديدها المستمر بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية مع العلم أن هذا الكيان العدواني هو الوحيد الذي يمتلك السلاح النووي في مخازنه، المتمثلة في الرؤوس النووية المجهزة لمهاجمة العواصم العربية والإسلامية.‏

في جديد متابعة هذا الملف، أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي ''بنيامين نتانياهو'' أن ''اسرائيل'' لن تسمح لإيران بامتلاك السلاح النووي. وهدد ''نتنياهو'' بايقاف البرنامج النووي الايراني، وأضاف، الثلاثاء الماضي، أن ''امتلاك ايران للسلاح النووي لا يشكل خطراً على إسرائيل فحسب، بل ويشكل خطراً على السلم والأمن في المنطقة بأسرها، كما سيمنح الإرهابيين غطاء نووياً وسيشعل سباقاً لدى الجميع من أجل امتلاك السلاح النووي''، على حد تعبيره.

وتابع رئيس الوزراء الإسرائيلي أن إيقاف البرنامج النووي أصبح ضرورياً، مديناً في نفس الوقت اتفاق جنيف بين ايران والسداسية الذي لن يوقف برأيه سعي إيران لامتلاك السلاح النووي.

 

فـ''نتنياهو'' الذي تمتلك ''مملكته العنصرية ـ الإرهابية، إسرائيل'' أكبر ترسانة نووية فيما يسمى الشرق الأوسط، ويرفض كما رفض من سبقه من ملوك ''إسرائيل'' الانضمام إلى الوكالة الدولية للطاقة الذرية ونزرع أسلحة الدمار الشامل لتكون منطقة الشرق الأوسط كلها خالية من أسلحة الدمار الشامل، ''نتنياهو'' هذا يريد بقوة ''إيباك'' أن تفكك أسلحة ومفاعلات إيران النووية التي وضعت مفاعلاتها تحت رقابة وكالة الطاقة الذرية ولم تنتج سلاحاً نووياً، وأعلنت أنها لن تنتج سلاحاً نووياً أو أسلحة الدمار الشامل لأسباب دينية وأخلاقية وإنسانية...

 

''نتنياهو'' يهدد أنه سيلجأ إلى القوة لتدمير القدرات النووية ''السلمية'' لإيران، ويتقارب مع دول خليجية تتزعمهم السعودية، ليشكل تحالفات ويصعد جبهة عداء بين دول عربية وإيران لمصلحة ''دولته''، بينما يطرد الشعب الفلسطيني من أرضه، ويحتل فلسطين، ويهوّد القدس ويطرد سكانها الأصليين منها، ويحتل أراضي لدول عربية منذ أكثر من ستة وأربعين عاماً، ويعلن بوقاحة لا مثيل لها أنه ضمّها إلى دولته وأصبحت ضمن ''أرض إسرائيل''؟!

 

من يدلني على شخص أوقح من ''بيبي نتنياهو''، وعلى دولة قزم أخطر على السلم والأمن الدوليين من ''إسرائيل''، وعلى عنصرية ذات جذور بعيدة في الزمن تعود إلى آلاف السنين أحط من العنصرية الصهيونية... من يفعل ذلك أكون مديناً له بالكثير مما يشكل لدي قناعة قامت على المتابعة والقراءة والاستقراء وموقفاً رسم معالمه وتضاريسه وآفاقه المستقبلية دم الشهداء، ومعاناة آلاف المعتقلين والمعتقلات في السجون الصهيونية، وألم المشردين عن وطنهم الأصلي الذين أضحى أقصى آفاق أحلامهم الكبرى عدل دنيوي وقوة إنسانية عادلة تعيدهم إلى وطنهم التاريخي وترفع عنهم الظلم المقيم وتنهي محنتهم التي طالت كما لم تطل محنة شعب آخر.

''إسرائيل'' التي طالما هددت بشن هجوم عسكري لوقف برنامج إيران النووي لديها وفقاً لمعهد لندن للدراسات الإستراتيجية 400 رأس نووي.

ويمكن تحديد مواصفات هذه الترسانة النووية وفقاً للمعلومات المنشورة في التالي:
تمتلك ''إسرائيل'' عدداً هائلاً من الرؤوس النووية. فوفقاً لتقديرات عام 1986 كانت إسرائيل تمتلك ما بين 100 ـ 200 رأس نووية ولكن تقديرات ما بعد عام 1994 ارتفع هذا العدد إلى ما بين 200 ـ 400 رأس نووية.

وتمتلك ''إسرائيل'' نوعيات متعددة من الرؤوس النووية فهي تمتلك فئتين من الأسلحة النووية، أسلحة نووية واستراتيجية، تضم نوعيات مختلفة من الرؤوس النووية أهمها الرؤوس الهيدروجينية التي بدأت إنتاجها في أوائل الثمانينات بعد أن أكملت بناء الوحدات الخاصة بها. وتقدر الطاقة التدميرية لتلك القنابل بحوالي 10 أضعاف القنابل الذرية المعيارية أي حوالي 200 كيلو طن. كما تمتلك ضمن الأسلحة النووية الاستراتيجية قنابل ذرية من عيار 20 كيلوطن و10 كيلوطن.

وإلى جانب هذه الأسلحة النووية الاستراتيجية تمتلك ''إسرائيل'' أيضاً أسلحة نووية تكتيكية تضم نوعيات أكثر من الرؤوس النووية الانشطارية والاندماجية ذات القدرة المحدودة وهي تمثل العدد الأكبر من الرؤوس النووية الإسرائيلية وتشمل على رؤوس تتراوح قوتها بين 2 كيلوطن و5 كيلوطن تتخذ أشكال قذائف مدفعية ورؤوس صواريخ مدفعية كما تمتلك أيضاً ألغاماً نووية.

وتمتلك إسرائيل أيضاً وسائل توصيل وقواعد إطلاق متعددة لأسلحتها النووية تمكنها من استخدام تلك الأسلحة على المستويين الإستراتيجي ضد ما لا يقل عن 12 دولة عربية وعلى المستوى التكتيكي في أعماق مختلفة من مسرح العمليات خلال القتال الفعلي عبر وسائل التوصيل الجوية من قاذفات وقاذفات مقاتلة ''اف ـ 16''، '''اف ـ 4'' وعبر وسائل توصل الصاروخية ''صاروخ أريحا'' وعبر نظم الإطلاق التكتيكية ''صواريخ المدفعية قصيرة المدى وقطع مدفعية نووية 175 ملم و 203 ملم''.

وفي سياق فضح الخطة الأمريكية ـ الصهيونية لتجريد العرب من إمكاناتهم العلمية...، فقد نشرت وثيقة سرية على موقع (فورين بوليسي) الأمريكية عام 2011 (أن الخطة الأميركية الإسرائيلية تقضي بتدمير بنية كل قطر عربي يمتلك أسلحة الدمار الشامل أو شبيهه)، ومما تجدر الإشارة إليه أن السنوات السابقة حققت فيها الولايات المتحدة الأميركية نجاحاً ملحوظاً للسيطرة وإعاقة تصنيع الأسلحة الكيماوية العربية والنووية حتى للأغراض السلمية، وهذا ما جاء في تصريحات الكاتب والخبير الإسرائيلي ''حزقيل ارفومان'' في شؤون الطاقة يوم 16/4/2012 حيث يقول: (إذا أردنا أن تزداد قوة إسرائيل في المنطقة، فعلينا تدمير أسلحة الدول العربية وبخاصة المجاورة وهي العراق وسورية وحزب الله).

والغريب أن هذه التحركات الإسرائيلية نحو امتلاك أسلحة الدمار لم تجعل النظام العربي يتحرك لمواجهة التحدي النووي الإسرائيلي، ولم يتغير أيضاً بعد الإعلان الإسرائيلي غير الرسمي عن هذا الامتلاك، وهذا هو الخطر الكامن للوجود العربي وللسلام والأمن في المنطقة العربية.

ولكن في ظل وجود بعض العرب وعلى رأسهم السعودية، الذين ''يتفهمون النووي الإسرائيلي ويقرون ضمناً بأن السلاح النووي حلال لإسرائيل'' فقد باتت مواقفهم مثيرة للاشمئزاز ولاسيما أنه بات مفضوحاً أمر تآمرهم وتواطئهم مع ''إسرائيل'' لتقويض وحدة الأمة وعوامل قوتها.

ففي 28 آذار 2012 وفي القمة الدولية الثانية للأمن النووي التي عقدت في سيئول ـ عاصمة كوريا الجنوبية ـ كانت السعودية من ضمن المشاركين فيها عبر ممثلها ''هاشم بن عبد الله يماني''... السعودية حينها أحدثت الصدمة الكبرى، عندما تجاهل ممثلها في كلمته أمام القمة كل إشارة إلى الترسانة النووية الإسرائيلية، حتى إن الكلمة خلت من أي تلميح ولو ضمني لما تمثله هذه الترسانة من خطر على المنطقة ومن كونها خارج إطار القانون والرقابة الدولية، كما خلت الكلمة من أي مطالبة بإلزام ''إسرائيل'' بالكشف عن برنامجها النووي أو إخضاعه للتفتيش.

 

حينها تحدث بعض المراقبين مذكراً باتصالات سرية جرت بين السعودية و''إسرائيل'' في العام نفسه، وخلال هذه الاتصالات عرضت السعودية شراء قنبلة نووية من ''إسرائيل''. وفي ظل تلك الصدمة عدّ المراقبون أن الاتصالات السرية بين الطرفين ستأخذ منحى أكثر علانيةً، وهو ترجمة لما سبق أن تحدث عنه ''أفيغدور ليبرمان'' لصحيفة ''يديعوت أحرونوت'' الإسرائيلية في نيسان 2012 حيال وجود تحالف سعودي ـ إسرائيلي في حال اندلاع حرب في المنطقة ولاسيما إذا كانت تلك الحرب موجهةً ضد إيران...

 

المراقبون زادوا على ذلك أيضاً إشارة إلى أن العالم العربي سيشهد تنسيقاً من نوع خاص بين السعودية و''إسرائيل'' بدأت تظهر خطوطه جلية منذ تنحي مبارك في 11 شباط 2011، وتحدث هؤلاء عن استراتيجية أمنية موحدة ليصبح أمن السعودية من أمن ''إسرائيل''.


فبعد يوم واحد فقط من اختتام القمة أي في
29 آذار (2012) خرجت صحيفة ''الرياض'' السعودية لتقر ضمناً وبما معناه بأن السلاح النووي حلال ''لإسرائيل''، هذا الأمر تم ربطه مباشرة بصدمة قمة سيئول للأمن النووي، وعدّ بمنزلة تأكيد على توجه سعودي استرضائي باتجاه ''إسرائيل''.

 

بمنطق الأمر الواقع والإرادة القوية، تفرض إيران اليوم نفسها كلاعب رئيسي في المنطقة شاء من شاء وأبى من أبى، ولاسيما بعد أن استطاعت تغيير الموقف الغربي والأميركي بشأن برنامجها النووي، وجعلت من المفاوضات ممراً إجبارياً وطريقاً وحيداً للتوصل إلى تسوية مع الأطراف التي تعارض امتلاكها التقنية النووية للأغراض السلمية، رغم التورم الذي أصاب السعودية، والشلل الدماغي الذي يسيطر على إسرائيل.‏

لهذا فمحاولات حرف البوصلة عن العدو الصهيوني ليست جديدة، والبعبع الإيراني كان دائماً هو السبب، ولذا التقت مصالح بعض الخليجيين مع المصلحة الصهيونية في العداء المعلن لإيران، كما إن تبادل اللقاءات والزيارات بين أطراف من المسؤولين الخليجيين والعدو الصهيوني سراً غير بعيدة عن المستحيل أو البعيد.

فبعض الحكام الخليجيين أبدى دائماً ما يعرف بسياسة فتح الأبواب مع الكيان الصهيوني بدءاً بالتجارة والمكاتب التجارية وقطر أولى الدول الخليجية في هذا المضمار، وأميرها السابق كان دائم القول هو و''حمد'' الآخر أن إسرائيل حقيقة قائمة وأن العرب لا يريدون محاربتها وهم ليسوا بقادرين على إزالتها، لذا ليس من المنطق ألا نقيم أي نوع من العلاقات مع ''إسرائيل''.

نسي هؤلاء أن إيران حقيقة تاريخية جغرافية، وإن ما بينها وبين العرب من أواصر وصلات هي إبنة التاريخ والجغرافية، وأن المصالح المشتركة بيننا كعرب وبين الشعب الإيراني كثيرة مع الرابط الديني أيضاً، أما ''إسرائيل'' فكيان غريب وعدواني قام على أشلاء شعب فلسطين وعلى آلامه، وهو كيان يمثل وقد مثل دائما خطراً وجودياً على أمة العرب كلها بل كذلك على الإسلام والمسلمين أيضاً.

كيف يمكن وضع إيران وإسرائيل في مرتبة واحدة، بل كيف يمكن أن تتحول إيران إلى عدو مشترك وإسرائيل إلى شريك وصديق؟ الدنيا المقلوبة هي هكذا. وإذا كان ثمة من يقول أن ما ينشر في الصحف وأجهزة الإعلام الصهيونية يأتي من قبيل التمنيات فقط، فهو واهم: إن ''نتنياهو'' لم يتحدث ويدعو جزافاً. إنه يعرف من يخاطب وكيف يخاطب ولماذا يخاطب دولا بعينها في الخليج وفي غير الخليج.

واستناداً إلى سياسة الغموض النووي فقد تمكنت ''إسرائيل'' من التوسع في برنامجها النووي التسليحي وبأدنى حد من العرقلة، كما سمحت لها هذه السياسة بأن تكون عضواً غير رسمي في النادي النووي، يتمتع بكل الامتيازات الاستراتيجية التي لهذه العضوية ومن دون أن يترتب عليه أي مقابل سواء لجهة القيود والضوابط والالتزامات أو لجهة التبعات التي يفرضها إقليمياً لناحية إطلاق سباق تسلح نووي في المنطقة...

أساساً لم يكن في استطاعة ''إسرائيل'' أن تنجح في هذه السياسة على مدى ستة عقود تقريباً من دون تواطؤ أميركي، ومن دون شراكة صامتة من جهات دولية وإقليمية، ومن دون تخاذل من أطراف عربية.

فالوكالة الدولية للطاقة الذرية لا تنتقد ''إسرائيل'' ولا تخاطبها لأجل إخضاع منشأتها النووية لإشرافها! غريب هذا المنطق، وهو الكيل بمكيالين تجاه ذات القضية، ولكن ما يتحكم في تفهم واشنطن لحيازة مطلق دولة للسلاح النووي هو موقف هذه الدولة منها، فإذا كانت من حليفاتها وتؤيد سياساتها ولها علاقات استراتيجية معها، فلا مانع أن تقوم هذه الدولة بتصنيع الأسلحة النووية.

أما الدول غير الصديقة لواشنطن والغرب والتي تحرص على انتهاج سياسات مستقلة خاصة بها سواء أعجبت واشنطن أم لم تعجبها، فممنوع على هذه الدول استعمال الطاقة النووية حتى للأغراض السلمية، سواء لتوليد الطاقة أو للأغراض الطبية أو لغيرهما.

واشنطن (ومعها دول الغرب عموماً) تكيل بمكيالين حتى بالنسبة لموضوع الديموقراطية! هي دعمت أكبر ديكتاتور في العقود الأخيرة وهو ''بينوشيت'' الذي قاد انقلاباً عسكرياً على رئيس تشيلي الشرعي(المنتخب ديموقراطياً) ''سلفادور الليندي'' (لأنه يساري)، ودعمت ''يلتسين'' عندما قام بقصف بيت الدوما (مجلس الشعب) الروسي، ودعمت النظام العنصري في جنوب إفريقيا إلى سنوات طويلة (قبل اتخاذ قرار من مجلس الأمن والجمعية العامة مناشدة دول العالم بوقف التعاون مع هذا النظام العنصري)، ومع ذلك تدّعي أنها تدعم وتحرص على التطبيق الديموقراطي في كل دولة من دول العالم.

لهذا وذاك، ورغم أن الترسانة النووية الإسرائيلية واضحة وضوح شمس ساطعة، فإن الولايات المتحدة والغرب عموماً لن يقربوا أبداً هذه الترسانة لا نزعاً ولا تفتيشاً ولا رقابة ولا تقييداً، وفي المرحلة المقبلة القريبة سيتوقف العرب ـ الذين وصلوا إلى أدنى حالات الضعف والتخاذل ـ سيتوقفون عن إدانة النووي الإسرائيلي... هذا النووي لطالما كان جزءاً من الترسانة النووية للولايات المتحدة وحلفائها، وتحت سقفها، وإذا كان العرب عجزوا عن إدراك طوال عقود مضت، فبديهي أنهم ما زالوا يجنون النتائج المرّة...

إن ما تقوم به واشنطن من حماية للكيان الصهيوني ودعمه بالمال والسلاح، وإصرارها على الاحتفاظ بترسانته النووية، وتعطيل عمل الوكالة الدولية للطاقة الذرية عندما يتعلق الأمر بهذا الكيان الغاصب، يستدعي من المجتمع الدولي المحب للسلام والأمن والاستقرار، ومن أحرار العالم ومنظمات حقوق الإنسان، ضرورة الضغط على الولايات المتحدة الأميركية ودول الغرب الاستعماري للتخلي عن سياسة المعايير المزدوجة، وإلزام ''إسرائيل'' بفتح منشآتها النووية للتفتيش ولاسيما مفاعل ديمونة، الذي ينتج السلاح النووي، وإجبار ''إسرائيل'' على التوقيع على معاهدة حظر الانتشار النووي، وجعل منطقة الشرق الأوسط خالية من هذه الأسلحة الفتاكة، وبغير ذلك فإن من حق الدول امتلاك الرادع النووي، وبالتالي إدخال المنطقة في نفق مظلم لا أحد يعلم تداعياته الكارثية على حياة وأمن واستقرار شعوب المنطقة والعالم.‏