الأب والشعب |
تابعت كثير من وسائل الإعلام المصرية بمزيد من الاهتمام الاستفتاء السنوي الذي اعتادت صحيفة التايمز الأمريكية واسعة الانتشار أن تعده نهاية كل عام، حيث تطرح على التصويت مجموعة من الأسماء الأكثر نفوذا و ذات التأثير الأبرز في أحداث ذلك العام تاركة باب الاختيار مفتوحا أمام القراء عبر التصويت، كانت المجلة العالمية بدأت تقليد اختيار شخصية العام لأول مرة عام 1927، لتضع صورة الشخصية الأكثر تأثيرا سلبًا أو إيجابًا على الأحداث العالمية على غلاف العدد السنوي الذي تنافست على حجزه هذه السنة أسماء كثيرة على غرار الرئيس الأمريكي باراك أوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمستشارة الألمانية أنجيلا مريكل و المتعاقد الاستخباري الأمريكي السابق إدوارد سنودن الذي فضح برامج المراقبة الأمريكية، والباكستانية ملالا، و معهم أيضا بشار الأسد ورجب طيب أردوغان وبنيامين نتيناهو كما ضمت القائمة النهائية هذا العام فضلا عن المذكورين الناشطة الأمريكية في حقوق المثليين إديث ويندسور. لكن اسم الفريق أول عبد الفتاح السيسي النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع والإنتاج الحربي بجمهورية مصر العربية الذي قاد تحركا شعبيا أطاح بحكومة الإخوان والرئيس محمد مرسي، كان من بين أبرز الأسماء المنافسة على اللقب بل راح بعضهم يعلن حصوله على أعلى نسبة تصويت، وفوزه كشخصية العام2013 مؤكدين أن نجاح السيسي يعكس شعبية الرجل الذي يبقى الرمز السياسي الأقوى فى مصر. لكن المفاجأة بل صدمة الشارع المصري كانت كبيرة حينما استبعدت المجلة من قائمتها المختصرة اسم السيسي رغم تأكيدات مصرية بحصوله على أعلى نسبة تصويت مما يقوض ثقة الرأي العام والقراء بالمجلة حسب خبيرة الرأي العام المصرية د. ليلى عبد المجيد، أما المجلة فأشارت في تقرير عبر موقعها الإلكتروني، إلى أن القراء اختاروا السيسي كشخصية العام بالنسبة لهم، لكن محرريها هم من يختار شخصية العام التي تظهر صورتها على غلاف العدد السنوي. رغم ذلك يبقى السيسي، سواء فاز أم خسر، عراب الشعب المصري الذي استحوذ علي حب المصريين بالشكل التاريخي، حسب تعبير الفنان محمد صبحي، الذي أضاف أن الظروف التي جاء فيها الفريق السيسي أصعب على مصر من الحملة الفرنسية والاحتلال الإنجليزي، ما دفع بعض الناشطين الى إطلاق حملة (قرار الشعب) مطالبين بتنصيبه رئيسا للجمهورية، حيث جمعت حتى الآن 3 ملايين توقيع وستتواصل حتى تجمع 40مليون توقيع تبدأ بعدها مباشرة تنفيذ إرادة الشعب في تنصيب السيسي زعيم الشعب وحبيبه رئيسا في إطار مراسم رسمية وشعبية. من يكون إذن ذلك القائد التاريخي والزعيم الفذ الذي انتزع من حبيب المصريين لقب رجل العام 2013 متفوقا على السيدة الحديدية الثانية ميركل ومتجاوزا رؤساء الدول الأقوى في العالم، بل متغلبا على السلطان العثماني الجديد ومتفوقا على كل النشطاء السياسيين والحقوقيين ونجوم الفن والفضائح؟ انه البابا فرنسيس الذي لم يمض على جلوسه على الكرسي البابوي أكثر من تسعة أشهر نقل أثناءها البابوية من القصر إلى الشارع حسب تعبير مديرة تحرير المجلة نانسي غيبس، مجتذبا قدرا كبيرا من الاهتمام على الساحة العالمية وبسرعة بين شرائح الشباب والمسنين، المؤمنين وحتى غير المؤمنين. لكنها ليست المرة الأولى لبابا، بل الثالثة، إذ سبق أن اختير يوحنا بولس الثاني كشخصية العام 1994 و يوحنا الثالث والعشرون عام 1962. لكن الأب الأقدس فرنسيس، وهذا لقبه الرسمي، أول بابا من خارج أوروبا منذ عهد البابا غريغوري الثالث (731 - 741) و أول بابا راهب منذ غريغوري السادس عشر، و الأول من الرهبنة اليسوعية، والاول من خارج اوربا منذ قرون والاول من امريكا الجنوبية وأول بابا يحمل اسم فرنسيس إقتداء بالقديس فرنسيس الاسيزي (القرن 13) من التيار الإصلاحي المعروف بأنه هجر عائلته الارستقراطية و ترك حياة الترف مختارا الزهد ومساعدة الفقراء. البابا المنتخب إثر مجمع انتخابي هو الأقصر في تاريخ المجامع المغلقة معروف بتواضعه الشديد، بعد اختياره للبابوية، الأمر الذي عدته الصحافة الايطالية «ثورة في تاريخ الكنيسة»، كسر في أول ظهور له التقاليد عندما دعا الحشود التي فاقت 150 ألف شخص تجمعوا في ساحة القديس بطرس، إلى الصلاة من أجله، بدلاً من أن يمنحهم بركاته. بعيد ذلك احتفل البابا بعيد الفصح بطريقة غير معهودة في أحد سجون روما، عندما غسل أقدام شبان معتقلين بينهم فتاتان، إحداهما إيطالية مسيحية، والثانية مسلمة صربية، كما تناقلت وسائل الإعلام العالمية باهتمام بالغ نبأ معانقته لرجل يعاني من مرضٍ نادر يُسمَّى (الورم العصبي الليفي-الدمامل)، وآخر يفتقد وجهه الى كثير من الملامح، فضلا عن لقاءاته العديدة بأطفال من ذوي الاحتياجات الخاصة أو المرضى والمصابين بالسرطان وعادة ما يعانق جميع الأطفال الحاضرين كل بمفرده. فضلا عن التعديلات التي ادخلها على البروتوكولات البابوية كإستبدال العرش المذهب بكرسي خشبي بسيط، لبسه صليبا معدنيا بدلا من الذهبي المرصع بالماس والأحجار الكريمة و خاتما من الفضة، كما ظل يستخدم حذاءه الأسود القديم بدل الأحمر المعتمد في العادة كما دعا رجال الدين الى اختيار سيارات أكثر تواضعا، مشددا على أن امتلاك الكماليات الفاخرة ليس الطريق إلى السعادة، بل «فكروا فقط في عدد الأطفال الذين يموتون من الجوع في العالم». تواضعه هذا دفعه لتقبيل يد المونسيور العراقي (روفائيل قطيمي) عندما علم انه أحد الناجين من مذبحة سيدة النجاة2010. ترى لو أراد العراقيون أن يرشحوا شخصية لتحتل أغلفة المجلات العالمية وتنال بتصويتهم وحبهم المراكز الاُول على غرار محبة المصريين للسيسي التي تجلت بنسبة التصويت بنعم في الأستفتاء على الدستور التي تجاوزت (98%)، ويرون فيه الأب المنقذ من استبداد الاخوان، ومحبة آخرين للبابا فرنسيس الذي يرون فيه الأب الحنون...ألن يحتاروا في أمرهم؟ بل ربما يقعون في حيص بيص، لأن البعض يرى كل السياسيين مستحقين وكل القادة أهل بتواضعهم وحبهم للفقراء وسعيهم للانقلاب ليس على الاستبداد وحسب بل على كل القوالب الجامدة، جاهدين في بناء بلد جديد في كل شيء، ينعم أبناؤه بالرفاهية والحياة الكريمة وليس بالأمن والطمأنينة فقط. أم سيبقى هذا الشعب الى منتهى الدهر يبحث عن أب و قائد يتمثل قول الرسول الكريم: «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»؟. |