السياسة رؤية وليست رؤيا

مثلما يخلط المتكلمون العراقيون المعاصرون بين الرؤية والرؤيا يخلط السياسيون هذين المعنيين المختلفين في معنى واحد. ان السياسة رؤية وليست رؤيا. ولدينا سياسيون كثيرون يعلنون انهم يملكون رؤيا وتكليفا تبشيريا بهذه الرؤيا، ولكن في الواقع انهم لا يملكون رؤيا وليس لديهم رؤية للواقع الذي نعيش فيه وفيما يخص مفهوم الدولة والحكم فان كثيرا من سياسيينا يحاولون تطبيق مفهوم الرؤيا على الدولة فيطبقون دولة الرؤيا في محاولة مستحيلة لتطبيقها. نحن بشر وسياسيونا بشر وليس هناك وحي، انما هناك واقع متحرك يحتاج فيه الناس الى قوانين وتشريعات واجراءات وقرارات دستورية تقود حياتهم وتحقق مجتمعا مستقرا وفاضلا، اي مجتمعا اخلاقيا تحكمه القوانين العامة وليس رغبات الافراد. ولذلك يسعى كثير من السياسيين وخطباء الجمعة السياسيين الذين يتسم خطابهم بالتفرد الايماني ونفي الايمان عن الاخرين فيطبقون ما يعتقدون انه دولة العبادات حتى لو انتهى خطابهم الى التحريض ضد حياة وممتلكات وامن المواطنين المسلمين. هذه هي دولة الرؤيا. اما دولة الرؤية فهي دولة المعاملات.
الحريات الصحفية وحرية التعبير في دولة الرؤية
في دولة الرؤيا لا توجد حرية الصحافة والتعبير والرأي ومكافحة احتكار وسائل الاعلام وتحقيق مبادئ للفصل بين العمل الحزبي والعمل الاعلامي وفك ارتباط الصحافة بالاحزاب. فالصحافة الحزبية ليست مظهرا ديمقراطيا. كما ان سيطرة الاحزاب على الصحافة يمنع الديمقراطية من تحقيق رقابة الاعلام على العمل الحكومي والحزبي. وفي دولة الرؤية يجب تحرير منابر الرأي العام من اية قيود حزبية او حكومية. كما ينبغي وضع مبادئ للعمل الصحفي تساهم في تحقيق مهنية عالية في هذا الميدان, وتصون اخلاق المهنة, وتضع الاعتبار القانوني بمحله في ميدان المسؤولية الصحفية، مع صيانة حقوق جميع العاملين في المؤسسات المهنية لجميع القطاعات العملية في جهاز الدولة او في القطاع الخاص, ودعم الاتجاه نحو المجتمع المدني, وتكريس فاعليته لتحقيق التوازن بين سلطة الحكومة وحقوق المجتمع. ان اغلب منظمات المجتمع المدني خالية من مضامينها لانها تنتظر التمويل من الحكومة وترتبط بالاحزاب وليس لديها نظرة حقوقية لعملها ونشاطها. وفي دولة الرؤيا يستطيع خطيب جامع ان ينقل صلاة الفجر وصلاة الظهر وصلاة العصر وصلاة المغرب وصلاة العشاء وخطبة الجمعة عبر مكبرات الصوت متعمدا ان يقرأ السور الطوال بعد الفاتحة بدلا من السور القصار التي اوصت بها السنة ويقضي خمس ساعات يوميا ينقل صلواته وادعيته مرسلا ارهابا فكريا ضد مواطني الحي الذي اضطر كثير من المصلين خلفه في جامعه ان يطلبوا منه التخفيف عنهم خاصة وانهم موظفون واصحاب عوائل ولديهم مرضى فنهرهم وكاد ان يكفرهم. اما يوم الجمعة فانه يخطب بطريقة استفزازية اقتحامية وكأنه يخوض الحرب ضد مسلمين آخرين من الكفار، اتضح انها طريقة تعليم الخطباء في المدارس الوقفية الاسلامية.
كيف نجعل من الدين رسالة تسامح ومشاركة ان يكون رسالة استفزازية تنفر المؤمنين انفسهم منه؟ هل تعني دولة العبادات، ايا كان مذهبها، تمزيق المجتمع واقتحامه في حياته العائلية وتحويل ايمانه وروحانياته الى معاناة وتجعل من طقوسه وشعائره تهديدا لسلام الناس وسكن وهدوء المجتمع ؟
توريط الدين والطائفة
في حروب السياسة
منذ عشر سنوات ونحن نتصارع في ميدان السياسة جارّين الى ساحاتها المتقلبة الدين والطائفة والعشيرة والعائلة والمنطقة والايديولوجيات والاقتصاد والجيش والشرطة والمحافظات والثقافة والتعليم والصحة والنفط والزراعة والاسكان والتخطيط والنقل والعمل والضمانات الاجتماعية والدستور والقوانين والاطفال والارامل والشيوخ والاعلام الذي تحول الى وسائل ارهاب مباشر يدخل حياة المواطنين كل ساعة بدون ضوابط ومعايير وقيم ومهنية وسياسات وطنية.
في خضم هذا التدهور اتساءل: من يضع رؤية سياسية فكرية تناسب المرحلة المقبلة وتسهم في صياغة وعي جديد بشأن المشكلات والمهمات الراهنة ؟ من يعنى بصياغة فكر سياسي واجتماعي ديمقراطي حديث يخدم المواطنين ويحقق المساواة الكاملة لهم امام القانون بما في ذلك حقوقهم المتساوية في الحماية والمصالح والمنافع وحماية الاجيال من الفقر والمرض والامية ؟ من يؤسس رؤية للتغلب على الاشكالات التي يواجهها الفكر السياسي والاجتماعي القائم على العموميات والاطروحات المصانة بهيمنة الايديولوجيا والشعارات والقراءات المسبقة والخطاب التعميمي الواحدي الذي لايلمس فيه المواطن ما يحقق امله ومطلبه ورغبته وسعادته..؟
اقرأ تاريخ الولايات المتحدة الامريكية بعد الاستقلال فاجد قسما منه مشابها لما يحدث الان في العراق. وساوافيكم في مقال قادم بشيء من هذا التاريخ لنكون على بينة من ان الاصلاح ممكن كما امكن في الولايات المتحدة قبل ان تتحول الى امة، وقبل ان تنتقل العاصمة من بوستن الى واشنطون، وكيف ان رجالا اكفاء من طراز واشنطون وهاملتون وماديسون وغيرهم انشأوا امة ودولة ودستورا موحدا ورئيسا واحدا لما نعرف اليوم انه الولايات المتحدة الامريكية.
لكني افاجأ برئيس مجلس النواب يصرح بانه يجب ترك قتال القاعدة الى السنة. وافكر هل هناك رجال دولة؟ وهل يمكن بناء دولة بمثل هذا المنطق؟ وهل هناك برلمان في دولة مثل البرلمان العراقي الذي يزيح الدولة عن واجباتها ويخصص هذه الواجبات للطائفة؟واتابع ايام امتحانات الطلبة وأسال هذا وذاك فاجد الجواب في حيرة وتذمر الطلبة من اسلاميات شيعية واسلاميات سنية تجعل من التعليم نزاعا وصراعا يعيد العراقي الى ما كانت عليه فرنسا قبل الثورة عام ١٧٨٩ حين كانت الطوائف تضع طقوسها وشعائرها في المناهج. وكانت النتيجة هي عودة الطلاب لبيوتهم جرحى بالمدى والسكاكين بعد عراكهم الطائفي دفاعا عن هذه الطائفة ضد تلك حتى اضطرت فرنسا الى تشريع قانون ١٩٠٥ الذي الغت فيه التعليم الديني من المدارس وحصرته في الكنائس والاديرة المسيحية واليهودية. حين تسمع نائبا يمثل الشعب العراقي يهدد ويتوعد ويشتم ويصف باقذر الاوصاف ملايين العراقيين من شعبه ويجد من يقف معه ويؤيده ويحتج على اعتقاله، وحين تجد نائبة تصف من يعترض على اداء الحكومة بجملة ( خلي يركع راسه بالحايط ) تضع يدك على حنكك وتقول: ليكن الله بعون الشعب العراقي، الذي هو بحاجة الى استقرار وتسامح والغاء التصعيد الهمجي للصراع السياسي والطائفي والذي هو بحاجة الى ممثلين برلمانيين له يقودونه لتحقيق استقراره وتحقيق مطالبه
انتخاب قوائم ام انتخاب برامج؟
الانتخابات على الابواب.. ولحد الان لم تطرح القوى التي ستشارك فيها برامج سياسية لاعادة بناء الدولة، وبرامج اجتماعية لتحقيق الحد الادنى من الخدمات كالكهرباء والسكن والماء والعمل والنقل وغيرها من خدمات المجتمع الحديث التي ما يزال العراقيون يطالبون بها ويوجهون النقد لكل وزارات الحكومة بسبب غيابها او نقصها او ضعفها، ورضا الناس حاجة لا تدرك كما يقال ولكن يظل لهم الحق بمطالبتهم بما يريدون، فهذه هي الديمقراطية وهذه هي المسؤولية الوظفية لاية دولة ديمقراطية في العالم.
هناك ملايين يعيشون تحت او بمستوى خط الفقر. ولكن هناك ايضا انتعاش اقتصادي واموال تصرف على استهلاكيات وكماليات. هناك عراقيون يغتنون ويسافرون ويشترون الدور والسيارات. هناك اموال طائلة من مقاولات وتجارة قانونية وهناك اموال طائلة من مقاولات وتجارة غير قانونية. وهناك وظائف تدر الملايين ووظائف اخرى تدر الالاف، كما ان هناك عاطلين لا يجدون ما يصرفون بعد، خاصة من خريجي الدراسات الجامعية. الاقتصاد يعمل ويتحرك اعتمادا على (ريع) واحد هو ريع النفط. ليست هناك صناعة بالمعنى الصحيح وليست هناك زراعة. هناك نشاطات اقتصادية واسعة واموال ومشاريع اقتصادية لاعادة انعاش الاقتصاد ، ولكن ما نزال نفتقر لتحديد هوية هذا الاقتصاد.
دعه يعمل ،، دعة يمر .. ولكن!
منذ الفيلسوف الاقتصادي ادم سميث حتى اليوم ترفع الرأسمالية شعار «دعه يعمل .. دعه يمر» ولكن العالم تطور بعد ريكاردو وادم سميث وماركس النقيض لهما. فمنذ الثلاثينات من القرن العشرين فكرت الرأسمالية بدولة الرفاه والخدمات والحقوق الاجتماعية. فالمواطنة اليوم لاتعني رقما في سكان دولة ما وانما حقوق سياسية ومدنية واجتماعية اخذت موقعها في دساتير الدول الديمقراطية وفي مؤسساتها المختلفة.
ان فكرة الترابط بين انعاش الاقتصاد وانعكاسه على حياة المواطنين في بلد مثل العراق اليوم، مرتبطة بنجاح النظام السياسي للمساهمة في اعادة النسيج الاجتماعي والعائلي الذي مزقته الحروب والمقابر الجماعية وسياسة التنكيل وتحويل المواطنين الى عبيد لخدمة السلطة ومصادرة الحقوق الاساسية لهم التي نص عليها الاعلان العالمي لحقوق الانسان الصادر عن الامم المتحدة عام 1948 والحقوق الاساسية التي صدرت في صكوك واعلانات فيينا عام 1966 والتي نصت عليها ايضا القيم الانسانية والفكرية والدينية والاخلاقية التي تهدف الى صيانة كرامة الانسان وحقه في الحياة والسكن والصحة والتعليم والامن والسفر والمساواة وعدم ممارسة التمييز والتعذيب ضده لكي يعيش في اعتباره الانساني وكرامته الشخصية بتوفير ضمانات هذه الكرامة. لقد اصبحت هذه الحقوق معايير دولية رغم كل الاعتراضات المثارة ضد مصداقية الغرب بشأن مطالبته بتطبيقها في دول العالم. فالفرد في عالم اليوم ليس معلقا في فضاءات وانما يسكن ويقيم على الارض. لم يعد مقطوع الجذور كما كان قبل الديمقراطية وانما اصبح ينبت في الدولة مثل شجرة في ارض.
وحين تشيع فكرة ان الاقتصاد يقود السياسة، تتطبق في الوقت نفسه ان السياسة تنظم الاقتصاد وتجعله مرتبطا بالتنميات المتعددة ، وشعار اسستثمر في البشر مايزال مهما في الديمقراطيات الغربية متطابقا مع قول ماركس الانسان اثمن رأسمال.
المواطن الذي لا مفر منه
منذ عشر سنوات عمقت الصراعات السياسية، وما غطت نفسها به من اردية قومية ومذهبية ومناطقية وعشائرية، التي تعصف بالعراق ضياع حقوق المواطن العراقي وربطت بين هذه الحقوق وبين نفوذ الكتل السياسية وتصعيد الصراع بين قيم النظام الديمقراطي وما تبقى من قيم النظام الديكتاتوري المنهار حيث يسعى التحالف السلفي - البعثي الى عرقلة الانتقال الديمقراطي وووقفه عن التحقق.كما رافق ذلك لسوء الحظ هشاشة الفكر السياسي الذي حمل الديمقراطية على حوامله التقليدية من عقائد وايديولوجيات، حتى اصبح العراق فعليا بحاجة الى صياغة افكار واقعية قابلة للتطبيق تخدم قطاعات المجتمع العراقي كلها باتجاه بلورة مفهوم المواطنة والانطلاق من المواطن وعلاقته بالوطن. فالعراقي، بشكل عام، يعاني من علاقته مع مفهوم الوطن. فماهو الوطن بالنسبة للعراقي..؟
لا وطن بدون دولة. هكذا علينا اعادة انتاج الدولة لاعادة انتاج الوطن لتكون النتيجة ظهور المواطنة والمواطن. لذلك كانت مشكلة الهوية الوطنية العراقية مرتبطة بمفهوم الدولة. وخلال اربعة عشر قرنا مر العراق بانهيارات متكررة للدولة تعرضت فيها الهوية العراقية للانهيارات المتكررة تلك. ومن خلال دراستي لتاريخ المجتمع العراقي منذ الاسلام حتى اليوم اتضح لي انه حيث تكون دولة مركزها العراق تزدهر الهوية العراقية ولذلك لدينا مفهوم الحضارة العربية الاسلامية وهو في واقع الامر مفهوم عراقي نقي عكس نفسه على العالم آنذاك ساهم بصنعه المركز العراقي للدولة العربية الاسلامية وقد انهارت هذه الحضارة حين انهار مركز الدولة في العراق. وتجلت اسوأ ازمة للهوية العراقية بعد سقوط بغداد عام ١٢٥٨ على ايدي المغول في عهد الانكشاريين وعهد المماليك حيث تمزقت الهوية العراقية اسوأ بكثير مما تمزقت الآن.
المواطنة كهوية عراقية
ما هو دور البرلمان ودور الحكومة في صياغة فكرة الهوية على اساس المواطنة وليس على اساس الانتماء السياسي او الطائفي او القبلي او الايديولوجي ؟
منذ عشر سنوات تتمتع الثقافة المدنية في العراق باهمال غير مبرر سببه عدم التعامل مع الثقافة على انها قيمة وطنية واجتماعية وتخطيطية عالية. ونتيجة لذلك تتعرض الهوية العراقية الى تمزق ثقافي مورع على الطائفة والعشيرة والقومية بعد ان كان التمزق موزعا على الحزب والسلطة وثنائية الوطني واللاوطني. وبسبب غياب الدولة وضعف دورها في الانشاء الثقافي تتراجع الهوية الوطنية العراقية لصالح هويات ثانوية وفرعية متصارعة ومتحاربة. ان الدولة عادة ما تقوم بنشاط ثقافي باتجاه تكريس واقع الثقافة كمؤسسة مدنية واسعة التنوع والاختلاف في اطار الوحدة الوطنية وعدم خضوعها للتوجيه والسيطرة ودعم نظام التعليم العصري القائم على الحقائق والعلوم الحديثة سواء في الجامعات او المدارس وتشجيع فكرة البحث والتقصي . ولقد بدأ دستور فايمر لسنة ١٩١٩ فكرة تضمين الدساتير حقوقا اجتماعية واقتصادية للمواطن الالماني لا بوصفه كائنا سياسيا فحسب وانما بوصفه فعالية اقتصادية واجتماعية ايضا فتضمن الدستور حق العمل لكل فرد وحماية هذا الحق بغض النظر عن معتقدات الفرد العامل او اصله او توجهاته يمكن ان نرى الى اين تذهب الدولة، ويذهب المجتمع وطبقته المدنية في العراق، بتشجيع من الحكومة والمؤسسات السياسية المختلفة، من خلال جولة في الاسواق حيث تزدهر من جديد صناعة العباءآت والكوفيات و(العكل) و(الغتر). وهذا الازدهار الشكلي او الفوقي يقوم في الواقع بتغذية وتكريس قوانين خارج الدولة تجعل من الفرد عرضة للتهديد خارج حماية الدولة وهنا عليّ استنكار تصريح رئيس البرلمان العراقي الذي دعا فيه الى استبدال الدولة وقوانينها بالطائفة. ان العشيرة وحدة اجتماعية ولكن مساعي تحويلها الى قوى سياسية وعسكرية امر بالغ الضرر يهدد مساعي اعادة بناء الدولة المدنية وتحديث المجتمع. لست ضد العشيرة، لكني ضد تحويلها الى قرار سياسي وحيد يضعف المجتمعين السياسي والمدني معا ويحول الدولة الى هامش.
هل نحن بحاجة الى مؤتمر وطني جديد وميثاق جديد؟
ان العمل السياسي والفكري، الديمقراطي والسلمي ، وبافكار وقيم مدنية جديدة وواقعية سيكون ذا فوائد ملموسة لشعبنا وبلادنا. لابد ان تنتج المرحلة الجديدة نخبا جديدة قادرة على التعامل مع الوقائع والحقائق على الارض. وهي النخب اللازمة لبناء النظام السياسي الجديد والديمقراطية القائمة على سيادة القانون والتعددية والتداولية والتسامح والفهم الموضوعي القائم على صياغة اطروحات الفكر السياسي بناء على الوقائع ونتائجها ، ليكون الفكر السياسي وسيلة للبناء وخدمة المواطن وليس هدفا للحكم والسلطة.هل يمكت القول اننا، نحن العراقيين، قد فشلنا حتى الان بتحقيق ذلك..؟
ماذا يحدث لو عقدنا مؤتمرا وطنيا جديدا ليخرج بميثاق جديد مستند على الدستور لتثبيت اسس الدولة واسس المشاركة السياسية والاختصاصية وتوسيعها خارج نظاق الحكومة والبرلمان ايضا، وتثبيت اسس التسامح واسس حكومة وطنية قادرة على ممارسة صلاحياتها الدستورية باتفاق ورضا الجميع؟ ومن الواضح ان البرلمان يصيغته الراهنة ، والحكومة بتركيبتها الموجودة لا تزال تفتقد رضا الناس . لايمكن ، استنادا الى لوك وروسو مثلا، التنازل للدولة لتقود المجتمع الا برضا المجتمع. ولكي تكون البدايات صحيحة لبناء صحيح, فاننا نحتاج الى تثبيت وممارسة قيم حقوقية وسياسية تعتبر من اركان النظم الديمقراطية في العالم, والتي نأمل ان تقوم عليها الدولة في العراق. فعلى الرغم من مرور عشر سنوات على تغيير النظام الدكتاتوري الى نظام يقوم على الاليات الديمقراطية, فان كثيرا من قيم ومفاهيم الديمقراطية ما تزال غير متحققة بشكل كامل, مثل مفهوم الدولة وسيادة الدستور والقانون والمساواة في الفرص وحدود الدولة وحدود السلطة الحكومية، وصلاحيات البرلمان التشريعية وصلاحيات الحكومة التنفيذية التي اصبحت متداخلة حين تسمع تصريحات النواب عن عقد اتفاقية تجارية او تنفيذ سبعين بالمائة من مشروع، او وصول شحنة سلاح لميناء البصرة وغيرها من تصريحات ليست من اختصاصات البرلمان واعضائه وللا داخلة في مهنية الصحفيين وتمييزهم بين حدود الطرفين. كيف يمكن لصحفي مهني ان يذيع او ينشر تصريح نائب عن مسإلة تنفيذية ليست من اختصاصه..؟
التدهور مرتبط ببعضه في كل المجالات ، والاصلاح ليس ترقيعا وانما اعادة تخطيط شاملة لكي لايسأال مواطن : اين الدولة؟ واين حقوق المواطنة؟