العراق: ميؤوس منه !
هذه ليست اللحظة الوحيدة التي أصل فيها إلى اليأس الكامل من هذي البلاد. لقد وصلت إلى هذه النقطة مرات عندما كنت في بغداد في الأعوام الثلاثة الماضية. ولكن اليوم أصل إلى النتيجة ذاتها بكثير من الأسى. وتعالوا نفحص الأسباب:
1. مظاهرات المناطق السنية كشفت من جديد عورة البلاد الطائفية. فبالرغم من مطالب المتظاهرين المشروعة (مثل: وقف الاعتقالات والمداهمات العشوائية، التوقف عن تهميش السنة، الافراج عن معتقلات، ومعتقلين، تم اعتقالهم بلا سند جرمي بل على الأغلب عن طريق الظن، ما يذكرنا بسياسات النظام السابق، وما شابه) كان الشيعة، سواء أكانوا في السلطة أو من الجمهور، قد قرروا بسرعة فائقة، وبناءً على إشارات تلقفوها من المظاهرات نفسها (مثل: رايات الجيش السوري الحر، صور أردوغان، صور صدام وعلم البعث، وما شابه) بأنها تظاهرات تريد العودة بالزمن إلى الوراء، ثم حشدوا للخروج بتظاهرات مناوئة، بل مؤيدة لرمزهم اليوم: نوري المالكي. نحن، إذن، أمام اصطفاف طائفي لا يمكن أن يوصف بغير هذا المعنى.
2. أزمة حكومة بغداد مع حكومة أربيل لا علاج لها: الأكراد يريدون التوسع بإقليمهم، والحصول على ضمانات "ثابتة" بحقوقهم القومية. فيما الممسكون بالسلطة، من شيعة وسنة على حد سواء، يفكرون بطريقة معاكسة. وللأسف فإن الطريقة الأمثل هنا ليست الحوار، بل التحشيد العسكري. هذه الأزمة مرشحة للاستمرار.
3. كشف يوم الثلاثاء (8/1/2013) بما لا يقبل الشك أن ما يسمى بـ"الشعب العراقي" هو شعب "مكونات". الأكراد، الشيعة والسنة العرب. ولكل مكون من هذه المكونات تصور معين للوضع السياسي في البلاد. ومن المستحيل بمكان أن تتوحد هذه التصورات، خاصة مع وجود نخبة سياسية مستعدة للتضحية بأي شيء، بما فيه السلم الأهلي، من أجل ضمان بقاءها ممثلة لهذه المكونات. 
4. الخلافات داخل أحد هذه المكونات هي خلافات تفصيلية. الخط العام متفق عليه بصورة أكيدة ونهائية (مثل: التيار الصدري يخالف غيره من كتل التحالف الوطني بخصوص المظاهرات، ولكنه يتفق معهم بشكل قاطع بعدم مراجعة قانون 4 ارهاب، أو قانون المساءلة والعدالة. بالطبع فإن هذين القانونين هما ابرز ما يطلب المتظاهرون مناقشته!).
5. الحديث عن انتخابات مبكرة، أو سحب الثقة عن الحكومة الحالية، أو الذهاب للانتخابات في موعدها المحدد: كل ذلك لن يغير من صورة الوضع القاتم اليوم. جمهور "شعب المكونات" سيصوت، كما في السابق، لمن يمثله، ومن يمثله هم النخب الموجودة في المشهد اليوم. وهي نخب ديدنها صناعة الأزمة، وعدم القدرة على إدارة حوار متحضر. ما يعني، وبجملة واحدة: أن الأمر لن يتغير.
6. التيار المدني، ولا أقول العلماني، حتى لا استفز النسبة الأكبر من الجمهور، وما يمثلهم، هو تيار ضعيف، مغلوب على أمره. لا يملك المال ولا السلاح. وبالتالي فإن شأنه شأن حزب "الخضر" في غير دولة متحضرة. مركزه، أي حزب "الخضر"، دائماً ما يكون ثالثاً، بينما يتقاسم النفوذ حزبان عملاقان بالتاريخ، وعملاقات بالإمكانيات. ذلك يعني باختصار شديد: أن الأمر لن يتغير على مدى سنوات طويلة قادمة. 
7. الشيعة، نخبهم وجمهورهم، يفكرون بمنطق الغنيمة، يرددون: حصلنا على السلطة، وهذا هو الأهم. السنة، نخبهم وجمهورهم، يفكرون بمنطق المهزوم، وهم يريدون الانتصار على هزيمتهم بأي شكل. الأكراد من جهتهم حصدوا الكثير من النجاح في الأعوام السابقة، ولكنهم يريدون تثبيت نجاحاتهم على الأرض، وهذا كل ما يهمهم. وبين هذه "المكونات" الثلاثة ينسحق الصوت الوطني، والذي أسميناه قبل قليل بـ"المدني". المشكلة أن الجميع بما لديهم فرحون، قانعون، متأكدون. 
8. ولأنني أعد نفسي خارجاً عن تلك "المكونات" يتملكني اليأس الشديد في أن أرى بارقة أمل في المستقبل القريب. 
ملاحظة أخيرة: هذه الكلمة لا تخص أحداً من "شعب المكونات" بل تخص أقراني، أولئك الذين يفكرون بطريقتي، ولهذا أتوجه بالسؤال لهم: أنا يائس... ماذا عنكم؟