ما الذي يجري في بلدنا سيدي المالكي..

في مطلع خمسينيات القرن الماضي عندما هددت الفيضانات مدينة بغداد بالغرق جندت الدولة الجميع سواء من طلبة الجامعات و المدارس الثانوية و الموظفين و ابناء العاصمة حيث تم اقامة سد ترابي يحول دون غرق عاصمة الرشيد.
و لاسباب كثيرة في وقتها نزحت مجموعات كبيرة من فلاحي الريف العراقي بسبب ظلم الاقطاع في ذلك الزمن و شغف العيش و قسوة الحياة و خاصة من محافظات ميسان و ذي قار بالدرجة الاولى, تلتها موجات اخرى استقرت خلف السد الترابي و اقامت بيوت طينية و من البواري و ذلك في مناطق سميت (العاصمة/شطيط/الميزرة/خلف السدة/تل محمد) و اسماء اخرى بمناطق اخرى.
و قد بذلت حكومات العهد الملكي جهود كبيرة لتشجيع عودة ابناء الريف الى مناطقهم دون جدوى. و بعد قيام ثورة 14 تموز الخالدة اقام لهم الشهيد عبد الكريم قاسم دور تليق بالحياة الكريمة, حيث انشأ مدينة (الثورة) , كما عمل صدام حسين على تطوير المدينة من خلال اقامة بعض البنى التحتية و الخدمات فسميت بعد ذلك بمدينة صدام.
نمت هذه المدينة و تطورت و ظهرت فيها اجيال كبيرة و ثقافات كثيرة كملت جميع نواحي الحياة البغدادية و بعد سقوط النظام جرى تغيير اسمها الى مدينة الصدر.
جوهر الموضوع ان نفوس مدينة الصدر اليوم تشكل ما يقارب او يزيد عن نصف سكان بغداد و في هذه الايام تجري محاولات في ضوء بروز مودة المحافظات الجديدة الى الدعوة بان تكون مدينة الصدر محافظة بذاتها كونها تضم معظم اعضاء محافظة بغداد بالاضافة الى الثقل السكاني الذي تتميز به و بالمناسبة فقبل فترة صرح احد اعضاء البرلمان ان تكون العاصمة العراقية هي ( المنطقة الخضراء) حصراً.
لقد اختلفت الاسباب و تعددت الدوافع و الدعوات باقامة المحافظات بصورة متزامنة مع قرب موعد اجراء الانتخابات و كأن البلاد قد حلت جميع مشكلاتها و لم يبقى الا تطوير البلاد باقامة المحافظات و ربما الاقاليم.
بجانب اخر لربما كانت هناك اسباب انسانية في جعل مدينة حلبجة محافظة مستقلة و سوران و لكن الدعوى باعتبار مدينتي طوز خرماتو و تلعفر محافظتين تثير الكثير من التساؤلات لدى البعض و ربما بعضها يعكس خطورته على النسيج العراقي لان غالبية سكان هاتين المدينتين هم من القومية التركمانية, هكذا يعتقد البعض.
كما ان هناك العديد من الدعوات لاقامة محافظات جديدة وفق اسباب بعضها مقنع و اخر غير ذلك سواء الظاهر منها او المستتر و بتاويلات لا حدود لها فقد لاتكون شرعية و غير واقعية و الا فما هي اسباب طلب جعل قضاء الرفاعي محافظة؟ اما الاسباب الموجبة فلا ندري هل هي كذلك ام لا و يبدو ان الاخ عادل عبد المهدي لدية التبريرات. اما بالنسبة لقضاء الفلوجة فمبرراتها كثيرة قبلياً و جغرافياً لكن المشكلة الكبيرة التي تغطي على جميع الدعوات هي محاولة جعل قضاء الزبير محافظة, و لو تم ذلك فستظهر مشكلات كثيرة على مستوى مساحة الابار النفطية و الغازية و كذلك المصافي فكيف ستتوزع بين محافظة البصرة و المحافظة المقترحة (الزبير) و كيف سيكون حال الموانئ و الارصفة و مستقبل التطور المطلوب و كيف ستحل المشاكل الادارية التي تنتج عن التقسيم؟ 
- و يتسائل البعض هل تمثل هذه الدعوة ارضاءً لما لحق بقبيلة معينة في محافظة ذي قار ام هي تحضير لبداية تفكيك البلد (لاسمح الله) في احتمال ان تؤول محافظة الزبير الى اقامة اتحاد مع دولة الكويت مثلاً في حالة حدوث انفصال لمحافظات اقليم كردستان. نتمنى ان لا يحدث ذلك.
- و يتسائل البعض هل ان تشكيل محافظتي طوز خرماتو و تلعفر هو بداية لتفكيك المناطق التي يشكل فيها المعارضون للمالكي الاغلبية و بالذات في نينوى و كركوك, و هذا ما ظهر في الانتخابات السابقة و انتخابات مجالس المحافظات.
- هل ان هذه الدعوى لمواجهة معارضة الاكراد باعتبار ان طوز خرماتو و ماجاورها تقع ضمن المناطق المتنازع عليها وفق المادة 140.
الكثير يتسائل ايضاً عن الاسباب الحقيقية في اثارة الموضوع برمته و البلد مقبل على الانتخابات. 
- الا تكفي مشكلات البلد المزمنة و المتراكمة كي تضاف اليها مشكلات جديدة؟
- و هل حلت المشكلات المقعدة بين الاقليم الكردستاني و الدولة؟ فلماذا نكرر التجربة بمحافظات دون ان نخلق وعي لدى المواطنين او نبدأ بتجربة واحدة لنرى ان كانت ستنجح ام لا فلم التسرع؟
- هل هو هروب من الفشل و حالات الاحباط في حل مشكلات البنى التحتية و قلة الخدمات و فوضى العمل الاداري و الفساد الذي ينخر مرافق البلد و مثال على ذلك ما صرح به عضو مجلس محافظة بغداد من ان هناك مشاريع تقدر قيمتها بمئات الملايين سجلت و انجزت على الورق فقط دون ان يوضع حجر واحد على الارض و قد تبخرت الاموال كما تبخرت تلك المشاريع و مثال اخر ايضاً ما كشفته لجنة النزاهة البرلمانية عن وجود فساد في المبادرة الزراعية.
- و هل ان حكومة المالكي لم تكن موفقة في شئ الا في اثارة النعرات و المشاكل المختلفة بين ابناء الوطن الواحد؟
- اذا كان هذا التوجه مطلوب فعلاً فهل احتسبت كلف الاجراءات المطلوبة فكم عدد المركبات رباعية الدفع مثلاً المطلوب توفيرها؟ و كم هي كلف حمايات المحافظين الجدد و المسؤولين الجدد و الادارات الجديدة و المؤسسات المستحدثة و المستشارين و امور اخرى.
و اخيراً... افتونا مأجورين, ما هي الاسباب الحقيقية لهذة الدعوات و في هذا الوقت بالذات قبيل الانتخابات و في ظل الاضطرابات الارهابية و الخلل الامني و تدمير الجسور و المرافق في المناطق المتوترة امنياً, ام ان هناك اسباب اخرى نجهلها و قد نكون على خطأ؟
اعلمونا ماجورين فاننا لمنتظرون.