اثار قرار مجلس الوزراء الخاص بالموافقة على طلب تحويل قضاء او مدينة حلبجة الى محافظة ,وارساله الى مجلس النواب لدراسته وطرحه للتصويت ,حفيظة ابناء بقية المناطق والاقضية الكبيرة التابعة لعدد من المحافظات العراقية,مما جعل مسألة طرح هذه الافكار على طاولة مجلس الوزراء ضرورة ملحة مرة اخرى,فتم اضافة مدن واقضية جديدة على قائمة المحافظات الحديثة المرسلة الى البرلمان, فيقال مثلا ووفقا للمسح الجغرافي ان محافظة ذي قار تعد من اكبر المحافظات العراقية المأهولة بالسكان(مع تجاوز حجم الصحراء المضاف لبقية المحافظات) ,تفوق مساحتها مساحة العاصمة بغداد,فيها العديد من الاقضية والنواحي والقرى البعيدة نسبيا عن مركز المحافظة,وهكذا لبعض اقضية ونواحي الموصل وديالى وتكريت والانبار والبصرة (الخ.),مما جعل من مشروع محافظة حلبجة المقترح ان يصبح بارقة امل لاهالي تلك الاقضية بأن يشملهم هذا التحول الستراتيجي,الذي يخدم حركة التطور الخدمي والاداري وحتى الاقتصادي لابناءها. تعتمد الدول الديمقراطية الكبرى على نظامين خاصين بالتطبيق الفيديرالي,نظام الولايات الكثيرة العدد للدول الشاسعة كالولايات المتحدة الامريكية,ونظام الدولة الفيدرالية المحدود العدد في الولايات,كاما في استرالية وكندا والامارات العربية المتحدة وغيرها,ولكن ليس معروفا بعد اي من النظامين او التطبيقين سجل نجاحات سياسية واقتصادية وادارية وخدمية تفوق الاخر ,علما ومن وجهة نظرنا ان النظام الفيدرالي الامريكي المتعدد الولايات هو الاصلح والانجح لحد الان على اقل التقيدرات,ومن هنا تدخل مسألة مناقشة اضافة محافظات جديدة في العراق الاتحادي الفيدرالي على جدول اعمال مجلس الوزرء,على اعتبار انها الخطوة الثانية التي تسبق التحول الفيدرالي في العراق, بعد النجاح النسبي الذي اثبتته تجارب تطبيق نظام مجالس المحافظات ,والادارة اللامركزية للمحافظات الغير منتظمة بأقليم,مع ان هذه الخطوة احرجت التحالف الكردستاني, الذي تعود اعضاءه في البرلمان على ان لايرفعوا ايديهم بالموافقة على اي قانون دون تمرير قانون خاص بهم حصرا,فجاءت حلبجة هذه المرة بسلة تلعفر وطوزخورماتوا ولعل الشطرة وسامراء وبقية الاقضية الكبيرة تعبأها في البرلمان, لغرض التصويت بسلة واحدة, فالطموح السياسي الكردي المتصلب هو السير قدما في اتباع النموذج الفيدرالي اليوغسلافي او الكونفيدرالي السوفيتي السابق,الذي فشل بعد عقود لانه لم يكن نظاما فيدراليا سياسيا ,بل عرقيا وطائفيا واثنيا وان كان مظهره الخارجي لايوحي بذلك,ولهذا فشل في الاستمرار وانهار بفعل الازمات السياسية او الاقتصادية لداخلية. يقول الاستاذ الفاضل الدكتور محمد علي الشيخ عباس الناصري في بحثه الذي نال به درجة الدكتوراة"نظام الولايات في الاسلام" بما معناه ان الاسلام اول من ثبت انظمة وقواعد الحكم الفيدرالي-نظام الولاية في المجتمعات والقبائل العربية الداخلة في الاسلام,وكان الرسول محمد ص لايفرض واليا او حاكما على قبيلة او عشيرة خارج اطار الدولة المكية الاسلامية من الخارج كما في اليمن وغيرها,وانما كان يؤمر عليهم واليا من انفسهم,هذا فضلا عن انه قسم الدولة الاسلامية الكبرى الى نظام فيدرالي هو نظام الولايات,الذي لايختلف كثيرا عن ماتطبقه الدول الكبرى المتقدمة في النظام الفيدرالي الحديث حاليا, مع الفارق وفقا لمجريات التطور الطبيعي للحركة البشرية والمعرفية المستمرة,هذا يعني علينا لانتخوف او نحذر كثيرا من التسمية,ففي استرالية مثلا تعد كلمة ولاية state كلمة عادية لاتغير شيئا اطلاقا في تفكير المواطن الاسترالي,فقط يتبادر الى ذهنه عند ذكر اي ولاية ان هذه الولاية انظف من تلك ,او الجو هناك رطب حار او بارد ممطر,المنازل هناك ارخص هنا اغلى,العمل غير متوفر بكثرة في تلك الولاية, وهذه فيها فرص كبيرة للحصول على عمل وهكذا,لاتوجد مشاكل وطنية اطلاقا بين الشعب الاسترالي او الكندي او الامريكي,لان الحكومات الفيدرالية لاتبيت نيات سيئة تضر بالامن الوطني او القومي, الغاية منها تقسيم الدولة على اسس عرقية او طائفية,او تعمل بخبث على اشاعة الفوضى والتخريب للوحدة الوطنية,مع انها امم متعددة الاعراق والاديان والطوائف والاثنيات,بل تعمل حكومات الولايات هناك جاهدة من اجل تحسين الواقع الخدمي والاقتصادي لسكان ولاياتهم,لاتمتلك اي دوافع سياسية مثيرة ومقلقة للسلم الاجتماعي والامني والسياسي. الشعب العراقي وبالذات سكان الاقضية والنواحي يعانون كثيرا من تأخر وتراجع وروتين الانظمة الادارية للمحافظات,يأتي ابناء تلك المناطق الى اي من دوائر المحافظات ,ثم ما ان يكتشف الموظف اي نقص في الاوراق والمستمسكات ,يعيد هذا المواطن المسكين لمنطقته او قضائه من اجل جلب ورقة او مستمسك بسيط, وهكذا العلاقة نفسها تتكرر بين المركز بغداد وبقية المحافظات,من المستفيد من جعل المواطن دمية تتلاعب به هذه الانظمة المتكلسة الخارجة عن الحضارة,اليوم دول العالم تتنافس في تقديم افضل الخدمات لمواطنيها, لقد انتهت قصة المراجعات الشخصية للدوائر,اصبحت التكنولوجيا اكثر امنا (اقصد التكنولوجيا ليس الانترنت بل شبكات الربط الحكومي الالكتروني الخاص)واسرع تطبيقا في تنفيذ اي معاملة او ملف يحتاج للموافقة من قبل الدولة,ومن هنا نعتبر فكرة ومقترح تحويل الاقضية الكبيرة الى محافظات متوافقة مع مواد الدستور العراقي,وتعتبر ضمنا خطة ادارية ضرورية لتهيئة الارضية الملائمة للمحافظات الراغبة بالانتظام بأقليم,ولتعديل مسار التطورات المحتملة لاقليم كردستان والمحافظات الغربية المتوترة,مع ان رغبة الشارع العراقي لاتحبذ مطلقا فكرة اقامة عراق فيدرالي اقليمي,لكنه يطمح بالتأكيد للحصول على خدمات ادارية محلية تعفيه من الذهاب الى مركز المحافظة البعيد ,وتخلصه من المعاناة والتعب في مراجعتها في ابسط اجراء او طلب اداري روتيني عادي جدا, مع اننا نطالب الحكومة العراقية من الاسراع في تنفيذ شبكات الربط الالكتروني للحكومة المركزية مع الحكومات المحلية,ولتبدأ من الوزارات اولا ودوائرها التابعة لها,ثم يتطلب الامر استحداث دائرة خاصة تتبع الامانة العامة لمجلس الوزراء يقع على عاتقها تثبيت المعلومات الكاملة عن اي مواطن عراقي,لتمنحه مايسمى ببطاقة التعريف الوطنية,تكون بمثابة الوثيقة الامنية الوطنية للمواطن.
|