الواقع الافتراضي أجمل من الواقع المعاش. تذهب الناس إلى المسارح ودور السينما، لكي تنسى واقعها وحياتها اليومية وتعيش ولو لساعات معدودة في عالم يرسمه الخيال.. ويقول علماء النفس ان اللجوء الى العالم الافتراضي هو بمثابة الهروب من الواقع، بالامس اراد البعض ان يعيش في واقع افتراضي. جميعنا نعيش احداث الفيلم الافتراضي مهلة المئة يوم الذي انتجه رئيس مجلس الوزراء رداً على تظاهرات شباط 2011، في تلك الايام أعلن السيد المالكي أن الحكومة تطلب من الشعب إمهالها مئة يوم، وسيصحو الناس بعد اليوم الواحد بعد المئة ليجدوا انهم يعيشون عصرهم السعيد.. المصانع تعمل بأقصى طاقتها، المشاريع الخدمية فاقت الوصف، مراكز الترفيه والثقافة أصبحت لا تعد ولا تحصى، البطالة اصبحت من الماضي. المضحك في هذه الأحداث المشوقة ان السيد المالكي أصرّ على تنفيذ التزاماته وخرج على العراقيين يوم 14/5/2011 ليقسم بأنه "سيقدم استقالته ويسقط الحكومة ويطالب بحل مجلس النواب في حال رأى أن لا فائدة من مهلة المئة يوم"، لكنه ومن اجل إضفاء مزيد من الإثارة على احداث الفيلم عاد ليعلن في 6/6/2011 عن مفاجأة جديدة اطلق عليها اسم "المئة يوم الثانية" قائلا: ان هناك مدة مماثلة تكون سنداً لمهلة المئة يوم الأولى، وان الوزراء واعتباراً من يوم غد – يقصد يوم 7/6/2011- سيتحدثون تباعاً عما قدموه عن خططهم المستقبلية. " وكان الناس على موعد مع مسلسل جديد بثت حلقاته من على قناة العراقية حصريا، في تلك الحلقات التي قرر منتجوها ان تكون سباعية بدلا من ثلاثين حلقة اختصارا للتكاليف شاهدنا كيف ان السيد المالكي ملأ الشاشة بالخطب والشعارات، فالكل من وجهة نظره خاطئون ومقصرون، ولم يتورع عن اختيار أصعب الكلمات في توصيف ما يجري في بعض المحافظات، كان رئيس مجلس الوزراء ملعلعاً وهو يخوض معركته الكلامية المقدسة ضد كل مَن تسوِّل له نفسه الخروج على سلطة ولي الامر ويطالب ببناء مؤسسات الدولة على اساس الكفاءة وليس الولاء والقرابة، مشيعاً في الأجواء طقساً حربياً حتى اعتقد الناس أن المعركة قادمة لا محالة. ووفق هذه الخطب الثورية استقبل الناس حديث رئيس مجلس الوزراء عن مهلة المئة يوم "المقدسة" بمنتهى الجدية والثقة، مع ازدياد حالات الترقب والتشويق لما ستسفر عنه احداث هذا الفيلم، إلا ان الناس في زحمة انشغالهم في البحث عن لقمة العيش والأمان فاتهم ان يدركوا ان احداث الفيلم ستدخل قريبا عامها الثالث، وان هذه الاحداث لم تكن سوى قفشات لطيفة، تبدو في ظاهرها جادة، لكنها في النهاية نوع من الضحك على الناس، وان القائمين عليها منفصلون عن الواقع ولهذا لم يكن غريبا ان يذهب الخيال ببعض المقربين الى ايهام الناس بأن هلال المئة يوم لم يبزغ بعد، وان الوعد الخفي الذي روج له صُناع الفيلم الافتراضي لم يكن سوى سراب! كم ضاع من زمن على هذا الشعب الذي يريدون له ان يظل خانعاً ذليلا تحت اقدام الساسة، وان يجرَّد من إرادته وخياراته.. كم ضاع من اعمارنا في ظل حكومة وبرلمان صوروا للناس ان الوعي والحرية والتقدم، انما هي خروج على سلطة الدين وارادة " الاب القائد". و ان الديموقراطية "اختراع امبريالي". يكتب روبرت فيسك في مقاله اليومي في صحيفة إندبندنت البريطانية عن استمرار حالة الظلم فى العراق مثلما كان عليه الحال في عهد صدام.. ويقول فيسك إنه على الرغم من أن صدام قد مات، لكن ممارساته "تزدهر في أرض النهرين". حتما سيقول النائب وليد الحلي ان كتابات المدعو فيسك، تستند إلى إشاعات كاذبة تبثها بعض وسائل الإعلام، وستتهمه حنان الفتلاوي بانه يجند قلمه لخدمة داعش، وسيقسم عباس البياتي بان لديه تسجيل صورة وصوت للمجرم فيسك وهو يقبض ثمن من امير قطر، واقول لهم لاتفرحوا، فالرجل من اكثر المناصرين لقضايا العرب والمدافعين عنهم. روبرت فيسك يقول لكم أيها العراقيون: صدام رحل لكنه مازال في عقول مسؤوليكم وساستكم، فلا تفرحوا فالفرق ليس كبيراً...
|