الفيلسوف نيتشيه عانى نوبات طويلة من الألم والمرض في حياته ،وكتب كثيراً عن معنى الألم من حيث صلته بمعنى الحياة بشكل عام .وبيّن مقولاته الشهيرة ، يوجد البعض منها ما يتعلق بالألم تحديداً :هل سبق أن قلتم نعم للذة ؟ أوه أصدقائي ، بعدها قلتم نعم للألم أيضاً .. كل الأشياء مترابطة .. متشابكة في حب بعضها البعض ، ما لا يقتلني يجعلني أقوى !... غالباً تقبل كمبدأ بديهي ذلك أن الفرد لديه معرفة فطرية لوعي الإنسان ببساطة بحكم وجوده ضمن العالم الداخلي للعقل . هذا التمييز الصارم بين العالم الداخلي والعالم الخارجي كان أكثر شعبية بفضل ديكارت عندما عزز مبدأه في الثنائية الديكارتية ، من مركزية الوعي الفردي تنطلق مشكلة أساسية من العقول الأخرى ,في المناقشة التي غالباً يكون محورها الألم. اثنين ممن عاصر القرنين الثامن عشر والتاسع عشر: جيرمي بينثام والماركيز دو ساد؛ لديهما وجهات نظر مختلفة في هذه المسائل . بينثام يرى الألم واللذة كحدث موضوعي ، وحدد نفعه حسب هذا المبدأ . في حين أن الماركيز دو ساد قدّم وجهة نظر مختلفة تماماً ، وهي أن الألم في حد ذاته لديه أخلاق , وهذا يتبع الألم أو يفرض عليه . ربما كالمنفعة تماماً وكالمتعة وهذا - في الواقع - هو الغرض من الحالة للتمتع برغبة إلحاق الألم انتقاماً ,مثلاً عن طريق القانون (في عصره كان أشد العذاب هو انتشار الألم ) . في القرن التاسع عشر كان لابد من تعزيز رأي بينثام لوجهة نظر دو ساد ( التي وجدت أنها مؤلمة ) قمعت بشدة ، ذلك أنه ـ كما تنبأ دو ساد ـ أصبح كلذة في حد ذاته . وكثيراً ما يستشهد بالثقافة الفيكتورية كأفضل مثال على هذا النفاق . كما أن مختلف فلاسفة القرن العشرين (أي جون جاميسون كارسويل سمارت وديفيد لويس كيلوغ وديفيد ماليت أرمسترونغ ) قد علقوا على معنى الألم ، وماذا يمكن أن يخبرنا عن طبيعة التجارب البشرية . الألم أيضاً كان موضوع مختلف أطروحات الفلسفة الاجتماعية ، أمثال؛ ميشيل فوكو الذي لاحظ أن النماذج الطبية الحيوية من الألم ، والتحوّل بعيداً عن العقوبات المسببة للألم، كانت جزءاً من ابتكار عصر التنوير العام للرجل .وأكد أن فكرة التعاطف على مستوى الأعراق ـ كلها ـ التي تكونت وفيها ألم العقوبة في حد ذاته ألم بالنسبة للمعاقب. فلسفة الألم ؛ قد تكون عن المعاناة بشكل عام، أو تكون بشكل أكثر تحديداً عن ألم الجسد . تجربة الألم ؛ نتيجة لكونها عالمية ، هي بوابة جيدة جداً لتظهر جوانب مختلفة من حياة البشر . تعنى مناقشات في فلسفة العقل بتجارب فردية واعية أثارت مجموعة من المعرف تدعى فلسفة الألم ، والتي هي عن الألم في المعنى الضيق عن ألم الجسد، والتي يجب تمييزها عن الأعمال الفلسفية المعنية بالألم في المعنى الواسع عن المعاناة . والحالة هذه ؛ فما يسمى من عمليات جهادية انتحارية ، تؤديها أفراد أو جماعات مسلحة هنا وهناك ، بدعوى التضحية لأجل تحقيق الأهداف المنشودة عبر سنين طويلة ، بحيث يحس عناصر هذه الجماعات بلذة الألم الذي قد يفضي إلى الموت المحتم ، كتفجير الأجسام الانتحارية بواسطة الأحزمة الناسفة والسيارات الملغمة بين جموع غفيرة من أناس أبرياء ... شيوخ .. شباب .. أطفال .. ممتلكات ..دون أي مُبَرِّرٍ مُبَرَّراً بأيِّ دافع إنساني أو وطني أو ديني أو سياسي في أكثر الحالات. كأنْ يفجّر انتحاري نفسه مستشهداً لأجل قضية فلسطين ، بين طوابير من اليهود المدنيين بتل أبيب .. ربما يكونون سائحين أجانب أو طلبة علم أو تجّار أو باحثين أو صحفيين جاءوا يبحثون عن الحقيقة ، فعل غير مبرر وغير مشروع الألم . أو أن يقوم إسرائيلي بتفجير نفسه في تجمع سكاني مدني لذوي حزب الله بلبنان بجريرة الغير ، أمر غير مبرر ، وألم غير مشروع . أو أن يقوم انتحاري من داعش بتفجير نفسه في مدينة الفلوجة بين السكان المدنيين أمر غير مبرر موضوعياً. العمليات الجهادية اللذيذة الألم ؛ هي أن يقوم انتحاري بعثي من نظام صدام حسين المقبور بتفجير نفسه في قلب المنطقة الخضراء .. بين كافة أطراف العملية السياسية التي سلبته وأنصاره ورفاقه لذة الحكم ونعيمه الغامر، فيرى بتدمير من دمر نعمته لذة ألم تحصل بعد لذة نِعَم كان يرفل فيها ، فسلبته العملية السياسية لذة يرى لذة الانتقام منها أحرى وأشهى . أن يقوم معتصمون فلسطينيون في غزا بالاستلقاء على الأرض أمام سرفات الدبابات الإسرائيلية فتسحقهم أمام وسائل الإعلام العالمية ، فيتشرّفون ويتلذذون بهذا الألم المشروع ، وهم يعلنون أمام التاريخ النضالي والجهادي : إنها الأرض ! الصعيدي ؛ الذي يذبح ابنته الزانية الفاجرة العاهرة أمام أشراف القبيلة ، كي يحقق ذاته المنتهكة وعرضه المستباح ، فيجد اللذة بقتله فلذة كبده .. ابنته ، لأنه يرى أن لذة حياض العرض أسمى من لذة التبني ، وهو يقول : إنه العرض ! العربي المسلم ؛ الذي يرمي بضع تمرات ملتحقاً بركب الاستشهاد في حرب الحقّ والباطل ، ليقول: (ما هي إلا لحظات فأعانق الحور العين) ، هذا العربي المسلم ؛ يرى باستشهاده اللذة التي ستحقق له الخلود الأبدي والنعيم المقيم ، لحظة أن يغادر دنيا فانية زائلة لاريب، فيحس بلذة الموت وآلامه رغم شبا السيوف وحدّها البتار .. وهذا أبو الفضل العباس بن علي بن أبي طالب (ع) يوم معركة الطف بكربلاء عام 61هـ يقول:والله إن قطعتم يمني إني أحامي أبداً عن ديني، وعن إمام ثابت اليقين ِ ) فراح يحمل الراية بفمه ويقاتل بشماله ، حتى حمل سيفه بفمه إلى أن ضربه الأعداء بعمود من الحديد على رأسه فقتلوه صامدا ، هذا العربي المسلم الآخر ؛ يجد اللذة وهو يذود عن مبادئه السامية ودين جده رسول الله (ص) ومبادئ أمّته الخالدة ، فتراه يبتسم قائلا: ( هذا رسول الله يسقيني كأساً رويّا أزاح عني الظمأ) ، إنه يراه بالروح ويراه بالشعور حتى في الرمق الأخير . هذا النوع من الألم ؛ يمكن أن نسميه الألم اللذيذ .. الألم المشروع .. الألم المبرر . فجيش تعداده سبعون ألف رجلاً يحاصر مجموعة من سبعين نفر جاءت من المدينة المنورة إلى العراق بناءً على رسائل كثيرة من أهل العراق دعتهم لإعلان حكومة العدل الإلهي في العراق بتأييد الجماهير العراقية ، لكن ؛ مكيدة جيش بني أميّة وغدرهم ووقيعتهم حاصرت ذلك المشروع الرسالي في تاريخ الأمّة الإسلامية، وأرادت القضاء عليه حتى الطفل الرضيع . فكيف لا يجد المستشهد معهم متعة ولذة الشعور بالفوز العظيم ، وهو يرى نفسه سائراً على طريق الأنبياء والأولياء ونبي السماء الخاتم وآل بيته الكرام (ع) !!!؟ من هنا ؛ لابد لنا أن نميّز بين الألم المشروع والألم اللامشروع ، بأنواعه السياسية والعقائدية والسيكولوجية والفسيولوجية . هنالك ألم لذيذ ؛ ألم فض البكارة لذيذ ! ألم المخاض لذيذ ! ألم الاستيقاظ بمنتصف الليل لأجل إرضاع الطفل من ثدي أمّه لذيذ ، وإن قضم حلمة ثديها بسنّيه الحديثين الحادّين ! نعم لا حياءَ في العلم ؛ فهنالك آلام مبررة إنسانياً ، لكن ؛ بالمقابل هنالك آلاماً لا تبررها القيم ولا العقول لرشيدة . ماذا يعني أن يقوم إرهابي قادم من أقاصي الدنيا بذبح رجل عراقي بغطاء علبة معجون الطماطم ببطء، حتى يحتز رقبته ؟!!! ماذا يعني أن يرمي (حرملة) بسهمه إلى نحر (عبدالله الرضيع بن الحسين ـ ع ـ) ، لأن أباه يطلب له ماءَ ظمأ الهجير ؟!!! ماذا يعني أن يرمي مرتزقة نظام صدام بأجسام السياسيين المعارضين لنظامه من فوق سطوح المباني إلى الأرض الكونكريتية أحياءً عراة ، بعد ما يقطعون ألسنتهم بالشفرة ؟!!! ... وماذا يعني أن يعلقوا فتياتٍ مؤمناتٍ من أرجلهم حتى يسيل دم الطمث الشهري على أفواههن ؟!!! ماذا يعني أن يقوم مرتزق إرهابي مختبئ في أحد البيوت الحاضنة ببغداد بتصوير لحظة انفجار السيارة المفخخة بالـ C4 والـ TNT وهو يفجرها عن بعد وأجساد الشيوخ والشبان والنساء الحوامل والأطفال والكسبة والمارة والعربات وواجهات المحال التجارية .. سنة وشيعة .. مسلمين ومسيحيين وصابئة .. عراقيين ومصريين وفلسطينيين .. راضين عن العملية السياسية أم غير راضين .. مؤيدين لها أم غير مؤيدين .. متضررين من النظام السابق أم متضررين من النظام الحالي .. يحبون أمريكا أم لا يحبونها .. يحقدون على إسرائيل أم غير حاقدين .. !!!! الجبن الحقيقي ؛ هو أن تقتل لا على التعيين .. الجبن الحقيقي هو أن تقتل عن بعد .. الجبن الحقيقي هو أن تقتل الأبرياء وتبقي المجرمين طلقاء ! الجبن المركّز ؛ هو أن تشعر بخيبة ألم انهزامي ، دون أن تشعر بلذة ألم المواجهة الحقيقية لمن هم ضد أهدافك التي تؤمن بها ! اذهب إلى القوقاز وارجع مجدك الإسلامي هناك ، بدلاً من أن تفجر محطات قطارات روسيا ؟ اذهب إلى أفغانستان وخذ بثاراتك من القواعد الأمريكية بكابل وغيرها ، وأترك الأبرياء بكويتا ! اذهبْ إلى إسرائيل ومعسكراتها التي تسببت مذابح صبرا وشاتيلا ، وأقطع أيدي المجرمين ، حتى لو فجّرت جسدك بينهم ، سأقبل نعشك الرمزي، وأشيّعه بعلم العروبة والإسلام ! اذهب إلى المنطقة الخضراء ببغداد وفجّر ما شئتَ ، سيستنشق (رفاقك) دخانَ رفاتك المتطايرة ! اذهب إلى صحراء النقب وارمِ بنفسك وطائرتك فوق مفاعل إسرائيل النووي وأحرق الدنيا .. الأخضر واليابس ، سيخلدك التاريخ ما أجرمت بتشرنوبل أو هوريشما جديدة ! لكن ؛حذار أن تقتل الأبرياء ! لأنَّ من قتل النفس البريئة كأنما قتل الإنسانية البريئة كلها،ومن أحياها كأنْما أحيى الناس جميعا ! قبل (نوبل) وقبل (مدام كوري وبعلها) إنشطاراتهما النووية كانت المواجهة العربية والعالمية بالسيف ، فكانت تعبيراً عن لذة المواجهة البطولية . أما اليوم ؛ فأيّ لذة هذه الآتية بالـ REMOTE CONTROL ؟!!! أو بالاختطافات ؟!!! فجّروا أجسادكم وأطلقوا أرواحكم في كل سماوات وأرضين الدنيا الظالمة .. أينما وجدتموها ، تجدوا اللذة في الدنيا والآخرة ! لكن ؛ أتركونا ـ نحن الأبرياء ـ لكي نعيش في العالم بسلام وأمان !
|