بيل غبتس ينافس فلاح السوداني
على المواطن العراقي أن يتمتع بحس الدعابة، وهو يقرأ أخبار السياسة في العراق، فعندما يستيقظ من النوم في كل صباح ، يكون أول شيء يسمعه عدد الشتائم التي اطلقتها حنان الفتلاوي ضد من يفكر مجرد التفكير بمناقشة نوري المالكي، وعليه قبل ان يذهب الى الحمام ان يتأكد من انه لن يتهم بالخيانة، لانه لم يصفق لكل حرف نطق به أمس علي الشلاه ، وبدلا من ان يسأل ما هي اخبار الحملة الامنية في الانبار، واين وصل الصراع على محافظة ديالى التي يحكمها ثلاثة محافظين، بدلا من كل هذا عليه ان يتذكر صالح المطلك، ويضحك، وهو يواصل الاستمتاع بالبرنامج ليومي "اضحك مع المطلك" مندوب الحكومة العراقية في المعارضة ، وممثل المعارضة في مجلس الوزراء.. وان ينتبه الى التصريح الذي اطلقه احد نواب دولة القانون سلمان الموسوي الذي اصر ان يسجل اسامة النجيفي في موسوعة غينيس للأرقام القياسية، فالنائب يقول ان هناك 4000 الاف شكوى قضائية مرفوعة ضد رئيس مجلس النواب.. ولم يكتف بهذا الرقم القياسي، بل زاد عليه رقما جديدا، حين اخبرنا ان كل تصريح يطلقه رئيس البرلمان للصحافة، تكون نتيجته عشرين تفجيرا ارهابيا.. لا اريد منكم ان تتذكروا ان هذا النائب، كان قد القى في بداية الدورة البرلمانية قصيدة غزل في مديح النجيفي معتبرا اياه ممثلا حقيقيا لإرادة العراقيين.

تخيلوا أن العلاقة بين نائب ورئيس البرلمان، تقوم على فنون النكتة، في قضية مأساوية، مثل قضية الارهاب، وتخيلوا ان نائبا يقبل ان يجلس مع رئيس برلمان يقول عنه انه يفجر يوميا 20 سيارة مفخخة، وتخيلوا اكثر ان بعض سياسيينا مصرون على ان يدخلونا الى موسوعة غينيس تحت بند الكذب والخديعة وسرقة احلام الناس واموالهم ومستقبل ابنائهم.
وبعكس الارقام القياسية التي يريد ان يدخلنا بها ساستنا الاشاوس الى التاريخ من اوسع ابوابه، نقرأ الخبر الذي يقول ان بيل غيتس مؤسس شركة مايكروسوفت يقرر انشاء حملة "التعهد بالعطاء" التي طالبت المليارديرات الأمريكيين بأن يتبرعوابنصف ثرواتهم للأعمال الإنسانية والخيرية.. وهي نسخة طبق الاصل من حملة مليارديريينا الجدد "التعهد بالسرقة" حيث استطاعت الدولة العراقية وبنجاح ان تحول ثروات البلاد الى جيوب الساسة والمسؤولين.
طبعا، هناك فرق بين ثروة غيتس التي يهبها لفقراء العالم وبين ثروات أغنيائنا الذين ينمون بها اقتصاد دول الجوار من خلال حسابات سرية لايعرفها الا الراسخون في العلم، فالخمسة والثلاثين ملياراً التي تبرع بها السيد غيتس جاءته من اكتشاف علمي در عليه الثروة، اما ثروات ساستنا فقد جاءت من خطب رنانة ومناورة وانتهازية وفساد مالي، وشهادات مزورة.. ولهذا نحن نظلم أنفسنا إذا حاولنا أن نلبس ثوباً ليس ثوبنا، او ان نحاول تقليد غيتس او غيره، فنحن امة علمت الناس القراءة والكتابة والفروسية وايضا كيف ينهب مال المدارس والحصة التموينية في سبعة ايام وفي وضح النهار.. وفوق هذا كله فان مسؤولينا قادرون على أن يدخلوا أيديهم في جيوب الناس ويأخذوا ما بها.
لا أتصور أن عاقلا واحدا يمكن أن يطلب من فلاح السوداني وايهم السامرائي وقبلهم المئات ان يتبرعوا بجزء مما سرقوه لضحايا الإرهاب، فكيف تطلب من صاحب الثروة الحرام أن يفعل خيراً.. وكيف تطلب من مسؤول استغل وظيفته لمنفعته الشخصية أن يوقف مالاً من أجل الآخرين؟!
ولهذا نحن العراقيين نعرف جيدا غرض "المستر" غيتس من حملته هذه، ولو ان بعض الظن اثم، انها مجرد رشوة انتخابية فهو يحلم في ان يصبح مثل سياسيينا، الذين لايعرفون الطريق الى الناس الا أيام الانتخابات.
انظروا أين نحن بعد عشرة اعوام من الكلام عن التغيير ورفض التدخل الخارجي والمؤامرة الكونية وإزالة العراق القديم عن الخارطة، وانشاء عراق جديد من 325 محافظة تسمى كل واحدة باسم نائب ، كما تمنى واشتهى السيد ابراهيم الجعفري صاحب العبارة الاثيرة "العراق اليوم ينجز كرامات إن لم تكن معجزات، إنجاز بعد إنجاز،وكرامة بعد كرامة يفخر به العالم كله"!
اللهم أنزل علينا رحمتك وعطفك واعفنا من حملة السيد غيتس، واجعلنا من المتيمين بحب فلاح السوداني.