إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ... انقياد الرعية خلف المرجعية (العليا) إنموذجا.. بقلم/ محمد باقر البصري

 

 

 

 

 

 

العراق تايمز: كتب محمد باقر البصري...

{وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اتَّبِعُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا بَلْ نَتَّبِعُ مَا أَلْفَيْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ} [البقرة : 170]

بالحقيقة عند تفحص الواقع الموجود لدى المقلدين وفقهم الله لكل خير و نجد ان الكثير منهم لم يسلك مسلكا واعيا فكريا في رجوعه الى القيادة بل ان الغالب ان لم يكن الكل من اتباع المرجعية (العليا) يرجعون الى قيادتهم وفق اهواء مصلحية او شهرة اجتماعية او مبدا هكذا وجدنا ابائنا ولو سالتهم لم تجد غير هذه الاجوبة - ان المشهور لدى المجتمع ان المرجعية هي للسيستاني او انها المرجعية الوحيدة التي ترفد الامة بالأموال الطائلة او وجدنا ابائنا يقلدونها ونحن على اثرهم - وما هذه الا اعذار سوف يُسائلون عنها يوم القيامة {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ} [الصافات : 24] لان الحقيقة ان الشروط التي ذكرها اهل البيت العصمة والمرجعية الرسالية الواعية من السلف الصالح للامة في تحديد القيادة الصالحة التي تمييز الواقع الفاسد كثيرة ولا يسع المجال لذكرها لكننا نقول باختصار ان المرجعية الحقة هي ((استحقاق قيادة الأمة -التي هي مسؤولية دينية اجتماعية عامة- وتحتاج مدة زمنية أولاً لإنضاج الملكة وتقويتها بالممارسة وسعة الإحاطة، ومراتب معنوية ثانياً للسير في مدارج الكمال وتهذيب النفس والارتباط بالله تبارك وتعالى بحيث يصبح مسؤولاً عن مصير أمة، وتأهيل اجتماعي ثالثاً للتدريب على تحمّل المسؤولية ورعاية شؤون الأمة حتى يستحق نيابة المعصوم في استحقاقاته ووظائفه ومسؤولياته.)) وهنا نسال اصحاب العقول الواعية والنيرة من ابناء المرجعية هل استحقت المرجعية العليا هذه المنزلة بكفاءة ام هو تقمص للدور على حساب الاخر وقيادته لغرض التسلط وتمتع بملذات الامة ومقدراتها؟؟

في الحقيقة لانجد مما ذكر من شروط في قيادة الامة متوفرا في الواقع الحالي لمرجعية السيستاني حيث ان واقعهم وعجزهم عن مواكبة الامة اصبح من اجلى الامور واوضحها ودليل ما ذكرنا هو المواقف التي لا يوجد لمرجعية السيستاني دور بها اصلا وهي من الامور المفصلية بحياة الامة العراقية التي من شانها لو حكمت بصورة صحيحة لأصبح الوضع العراقي بصورة افضل وحُفظ دين الامة لكن هذه التذبذب بالمواقف من قبل المرجعية العليا نتيجة ترك الامة حتى وصل الحال بالأمة ان لا تفرق بين المنكر والمعروف حتى ابيحت المنكرات على مسمع ومرئي وبملاصقة المكتب الشريف للمرجعية العليا تُعرض الدمى العارية والملابس ..... اهذه الامانة التي ائتمننا عليها اهل البيت عليهم السلام.

هذا من جانب ومن جانب اخر عدم وجود موقف في اهم القضايا التي يحفظ بها امل الامة ومستقبلها وهو العمل السياسي فلا نجد للمرجعية دورا بارزا في تحديد الاصلح للامة بحجة ان المرجعية لا تتدخل بالأمور السياسية وما هذا الى صدى ما ردده السابقون الذي مزقوا الامة بفصلهم الدين عن السياسية وفصل القيادة الواعية التي قدر لها ادارة شؤون الامة عن المرجعية وإن كما هو معلوم من ان المستكبرين الذين يريدون أن يتسلطوا على الأمة الإسلامية بالقوة والتدليس يتلمسون طريقا لتسويغ شرعيتهم، ولفصل الدين عن السياسة وهنا قال الخميني " عندما يئس الاستكبار العالمي من إبادة العلماء والحوزات الدينية اختار أسلوبين لإنزال ضربته، الأول: أسلوب القوة والترهيب، والآخر: أسلوب الخداع والتغلغل  .

ولما فقد الأسلوب الأول بريقه في عصرنا هذا نشط الأسلوب الثاني. وإن أول خطوة خطاها على هذا الطريق وأهمها هي المناداة بفصل الدين عن السياسة.                                      

ومن المؤسف أن هذا التوجه قد فعل فعله في الوسط العلمائي إلى حد ما، حتى خيل أن التدخل في السياسة دون شأن الفقيه، وأن ممارسة النشاط السياسي يعني العمالة للأجانب... وكانت وما زالت ضربات العلماء غير الواعين ووعاظ السلاطين أشد من ضربات الأعداء أضعافا مضاعفة"(1 ).

لكن الذي يفجع الامة ان الكثير من قادة الامة في الحوزة العلمية يرون هذه التفكير وفصل القيادة الدينية عن السياسة تفكيرا صائبا حتى قال الخميني" من الطبيعي أن الحوزات العلمية ما زالت مشوبة بلونين من التفكير، وعلينا أن نكون حذرين من تسرب فكرة فصل القيادة الدينية عن السياسة المنبثقة من أدمغة المتحجرين إلى أذهان طلابنا الشباب... (2)"

وما هذا الى ترديد لما املاه عليهم قادتهم المزيفون حتى انتقد الأستاذ الشهيد مطهري رضوان الله تعالى عليه في كتاباته حول " الإمامة والقيادة " فهم الناس المغلوط للمرجعية والقيادة فقال:

" أما الموضوع الذي يمثل مهزلة ويعبر عن جهل الناس فهو أن كل من درس الفقه والأصول مدة وحصل على معلومات محدودة فيهما وأصدر رسالة عملية بادر أتباعه إلى تسميته بالقائد الكبير لمذهب التشيع ((المرجعية العليا))، من هنا يعد وضع " المرجع " مكان " القائد " من أهم مشاكل الوسط الشيعي ...

لقد جمدوا الطاقات الشيعية عند هذه النقطة، إذ يحسب مجتمعنا أن المرجع - الذي يعتبر الحد الأعلى لصلاحه كفاءته في إبلاغ الفقه - قائد، في حين أن إبلاغ الفتوى خلافة لمقام النبوة والرسالة أما القيادة فإنها خلافة لمقام الإمامة، وتضطلع بإبلاغ الفتوى وزعامة المسلمين على حد سواء)" 3).

فيجب على الامة ان تعي ما للقيادة المتقاعسة من دور سلبي في توجيه الامة فمعرفة الفقهاء بالزمان عندما يتولى الفقهاء هداية الناس وقيادتهم في هذا العصر، فإن معرفتهم بالزمان ضرورة حتمية، فالفقيه الذي لا يعرف متطلبات عصره فاقد لأحد الشروط الأصلية المهمة للاجتهاد، ولا يصلح لمقام الإفتاء والقيادة.

واستشهد بقول اخر للخميني قوله في دور معرفة الزمان في هداية الناس وقيادتهم، وفي ضرورة الاطلاع على متطلبات العصر بوصفه شرطا للاجتهاد:

" الزمان والمكان عنصران حاسمان في الاجتهاد. والمسألة التي كان لها حكم في الماضي ربما يكون لها حكم جديد في العلاقات التي تحكم الشؤون السياسية والاجتماعية والاقتصادية لنظام من الأنظمة. أي: أن المعرفة الدقيقة للعلاقات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية تجعل الموضوع الأول الذي لم يختلف عما كان عليه في الماضي من حيث الظاهر موضوعا جديدا يتطلب حكما جديدا لا محالة، وينبغي للمجتهد أن يلم بقضايا عصره، ولا يستسيغ الناس والشباب بل حتى العوام أن يقول المرجع والمجتهد: لا رأي لي في القضايا السياسية، فالاطلاع على كيفية التعامل مع الاقتصاد العالمي، ومعرفة ضروب السياسة والسياسيين ومعادلاتهم المفروضة، وإدراك الموقع الذي يحتله النظام الرأسمالي والشيوعي في العالم، والتعرف على نقاط قوتهما وضعفهما إذ هما اللذان يحددان استراتيجية التسلط على العالم، كل ذلك من صفات المجتهد الجامع (4)".

وان من يستبد برايه من القادة كما يحصل في الآونة الاخيرة من عدم مراعاة ما تريده الامة وتجاهلها مع انها -ان هذه الامة- تريد ترميم ما عجزت عنه المرجعية من اقامة الدين الحقيقي وسنن الانبياء والمصلحين المتمثلة بفقه الامام جعفر الصادق والذي كُتب على شكل قانون سمي بالقانون الجعفري فان رد مثل هكذا قانون يُسن في هكذا وضع ما هو الا استبداد بالرأي وانانية محضة، فان ترك آفة الاستبداد أهم قواعد القيادة، وهي فكر القائد ورأيه، ولهذا تعد من أخطر آفات القيادة. حيث إن الإمامة والقيادة تحتاج قبل كل شيء إلى فكر صحيح وقوي من أجل هداية المجتمع نحو التعالي والتكامل المادي والمعنوي. فالآفة التي تهدد صحة فكر القائد إنما تهدد الغاية من القيادة الاسلامية الحقيقة وهي ايصال الامة الى بر الامان .

وقد يشكل علينا باننا لا يحق لنا انتقاد القيادة وهذا ليس بصحيح فان حق النقد هو حق لإقامة سائر الحقوق، وإحياؤه يمكن أن يقي من الاستبداد الذي هو أخطر آفات القيادة الحاكمة على رقاب الامة.

ومتى كان النقد حرا في المجتمع وقدر الناس أن يتحدثوا بنقاط ضعف القيادة الحاكمة وسلبياتها تهيأ للمسؤولين أن يلحظوا نقاط ضعفهم بوضوح، وأن يكافحوا الفساد والظلم، ويقدموا خدمات أكثر قيمة.

ويصدق عكس ذلك أيضا، فإن غياب حق النقد يمهد الأرضية لنشوء المتملقين والمتزلفين، ويخفي نقاط الضعف عند المسؤولين في برامجهم السياسية وإجراءاتهم، ويؤدي إلى استشراء الفساد في الأجهزة الحكومية وغيرها، ويقضي على العدالة الاجتماعية في آخر المطاف.

وعكس هذه المرجعية المتخاذلة يوجد مرجعية رسالية لها ادوار بارزة في كل ما ذكرنا بل اكثر من ذلك فقط كان لها دور بارز في الوضع الاقتصادي والاجتماعي والحضور الفاعل بالمجتمع بل وتوقع المستقبل من خلال قراءة الواقع وتدرجه ووضع الحلول البديلة التي من شانها رفد الامة بحياة صحية في ظل هذا الواقع المرير الذي يعيشه العراقيين .

وقد انبرى سماحة المرجع الديني الشيخ محمد اليعقوبي دام ظله لهذا الدور في تبيان الحقائق والدسائس السياسية وتوجيه القادة السياسيين لما فيه صلاح الامة وفلاحها .

ولذا نجد موقف المرجعية الرسالية من الاقتصاد العراقي منذ بروز الفساد عام 2005 ومن امثلتها شركات التسويق الشبكي  وما له من فساد اقتصادي عالمي ومحلي ولذا فقد طرح سماحته مشروعا لتفادي هذا النصب والاحتيال على هذا الشعب المجروح واصدر فتوى بحرمة التعامل مع مثل هذا الشركات في حين ان المرجعية العليا افتت بجواز التعامل مع مثل هكذا شركات والبعض الاخر سكت ولم يُبدي موقفاً وما هذا الى دليل غياب القيادة العليا عن واقع الامة لان الدول الاوربية صرحت بفساد مثل هكذا معاملات وحرمت التعامل معها وعدتها جرما.

خلافا للمرجعية الرسالية  فتجدها واعية ولا ينحصر دورها بتحديد الاحكام فقط بل ايضا تقوم بتحديد الموضوعات والبحث عنها والفات نظر الامة لها وعلى الامة الرجوع لمثل هكذا قيادات في حال التباس الوضع وعدم معرفة الحال الصحيح فالمرجعية في مثل هكذا مواقف توجه نحو الاصلح والافيد من خلال خبرتها في العمل الرسالي  .

وايضا موضوع بيع الدولار بالآجل وما له من مفاسد اقتصادية في تضخم السوق المحلي ولذا حددت المرجعية سقفا زمنيا محدد بقيمة معينة وما ذلك الا لحماية المشتري من الفرق المجحف الذي يؤدي الى العجز عن تسديده او هرب البعض الى خارج البلاد وتحديد الفرق لمنع احتكار الاموال بيد فئة قليلة لتسيطر على السوق والتعاملات بينما الاغلب يكون ضحية .

وما هذه الا نماذج من المواقف العامة .

وكذلك في السياسة والاجتماع والاقتصاد والتنمية والشعائر وما لسماحة المرجع اليعقوبي من دور بارز في تهذيبها قبل سنين عديدة في حين نجد ان المرجعية (العليا) الان التفت الى هذه الامور واصدرت في هذه السنة توجيهات للزائرين في حين ان المرجع اليعقوبي اصدرها قبل ما يقارب 8 سنوات وقد ذكرت هذه المفارقة لكي يتوضح لدى القارئ التأخر لدى المرجعية العليا في مواكبة الامة .

ولمن اراد ان يراجع مواقف المرجعية الرسالية فليراجع بيانات ومواقف سماحة المرجع اليعقوبي والتي نشرت في كتاب خطابات المرحلة بأجزائه الثمان والذي أرخ مواقفه وبياناته منذ تصديه للمرجعية خلفاً للسيد الشهيد الصدر الثاني (قده) .

فعلى الامة ان تعي هذا الفرق الشاسع بين المرجعيتين الربانية والدنيوية ان يكون الحاكم بالاتباع والانقياد هو العقل والضمير الواعي وليس العرف والمصلحة الشخصية ولا تكونوا مغيبين عن الواقع قولاً وفعلاً  

 

1 ) القيادة في الإسلام - محمد الريشهري - ص ٤٩

 

2 ) القيادة في الإسلام - محمد الريشهري - ص ١٥٧

 

3 ) الإمامة والقيادة- مرتضى مطهري ص 228 و 229

 

4 ) صحيفة النور: 21 / 98، نداء الإمام إلى علماء البلاد ومراجع المسلمين بتاريخ 15 رجب 1409 ه‍