سُرّ ما خَطرْ!!(24,23).. بقلم/ د. صادق السامرائي

 

 

 

 

 

 

 

- 23 -

النهر خيال والموج رؤى

وتصورات وآفاق

وأبجديات لغات

النهر يكتب ملحمة وجوده على صفحات الماء

والإنسان يجب أن يقرأ

ويدرس ويتأمل ليدركَ

فلسفة الأمواج وأفكارها

ويترجمها إلى موجودات ذات قيمة حضارية

وجمالية تساهم بروعة لوحة الحياة

الإنسان لوحده يؤسس لصيرورة مثلى

عندما يتعلم أنغام النهر ويفهم نداءات الأمواج

المتواصلة التي لا تهدأ أبدا

نعم الإنسان

 

الفرق بين نهر السين وأنهارنا

أننا نجهل أبجدياتها وننكرها

ونسعى حولها كالعميان

الأميين اللامدركين

لمعانيها وأفكارها

وكلما إزددنا جهلا

عشنا ضعفا وتأخرا وتدحرجا للوراء البعيد

وهذا ديدن تداعياتنا وبراكين مآسينا

لأننا لا نتعلم منها

ولا نعي رسالتها

ويا ليتنا نسقط كحجارة في قاعها

لكننا تحولنا إلى عثرات تصد إرادتها

وتغير مجراها

ونقاتلها بأسلحة الشرور

المتفجرة في أعماق يأسنا وضعفنا

ومعاداتنا لها وللأحياء والشجر

فالماء يغادرنا

ولا نمتلك مهارات وعيه

وآليات التفاعل الحي معه

فما عاد يعشقنا

لأننا نرفع رايات البغضاء

ونكره إنعكاس حياتنا فيه

فهل نحن تعساء؟!

 

- 24 -

يا نهر السين الدفاق

وجدت دجلة حزينا

دامعا مذعورا من البشر

كأنه يريد أن يهجر

أرضا يمنحها الحب والخيرات

لأنها تحولت لوجود غاضب

وبركان تفاعلات مريرة

لم يعهدها في مسيرته الأزلية

عند البشر الذين بدؤوا وجاؤوا وغابوا

وتفاعلوا مع مياهه بطاقاتهم المتدفقة بالعطاء الحضاري

ويجد نفسه في مأزق عجيب

فالناس لا تراه ولا تقرأ ما يحمله من رسائل وقدرات

وثورات أفكار ومنطلقات

إنها لا تريده , فتهمله وتقسو عليه

وتحطم كل جميل على ضفافه

وتحيله لمستودع آهات وآلام ونفايات

وتترعه بالأفكار السوداء والأفعال النكراء

دجلة يصرخ من البشر

ويتساءل عن مصيره

ولماذا سبقته بحضاراتها باقي الأنهار

دجلة ينادي هل من أمل

إنه نداء أليم لا تسمعه الأجيال

المنهمكة في حفر الويلات والأوجاع

والمكبلة بحل مشاكل الغابرات

فقد أنكرت حاضرها

وقتلت مستقبلها

وتحولت إلى حسرات وعثرات

ودخان وعيد وميدان إنكسارات وهزائم

وتداعيات في تنور التلاحي المتوهج بالمنكرات

وتغيب محملة بالهموم الصاخبات

وما جالست الأمواج

وتعلمت منها مفردات الجريان في عروق التحديات

ولا إنطلقت من نهرها ترسم باللون الأخضر

لوحة النماء والعطاء الأغنى

تحت أنوار السماء