أيهما أسبق لظروف العراق : التعايش بين المكونات أو المصالحة السياسية الإجرائية ؟ |
ثمة ضرب من المفاضلة الصفرية – إن جاز لي استخدام مثل هذا المصطلح – يحيلنا إليها هكذا نمط من الأسئلة الحدّية ؛ بين حلول سياسية ذات طابع ظرفي / برغماتي ، غالبا"ما يزعم أصحابها أنها تتوخى تقويم الاعوجاجات وتسوية الانحرافات الكائنة في صلب وضع / واقع ، لم يبرح يتفلت من سياقات المأسسة ويأبى الانصياع لرهانات العقلنة من جهة ، وبين معالجات اجتماعية ذات منحى أصولي / طوباوي ، عادة ما يدعي مروجيها أنها تستهدف ترميم التصدعات في بنى الوعي ورتق التشققات في نسيج العلاقات من جهة أخرى . بمعنى آخر إن هذا النوع من الأسئلة الحرجة ، كفيل بأن يقحم الإنسان العراقي بين شقي رحى ، أو إن شئت انه يتيح له الخيار بين أمرين أحلاهما مرّ ؛ أما أن يضع رهانه لجهة القبول ببعض المكاسب الآنية / المفترضة ، التي يمكن – إذا سلمت النوايا وصدقت الغايات – أن تتمخض عن مشروع (المصالحة السياسية) الذي طال أمده وتعثرت خطواته ، بين أطراف / قوى شعارها ( لا نأتلف إلاّ لنختلف ) . أو أن يمحض تأييده ويجير رصيده لدعاوى تفعيل عوامل التعايش وتنشيط مقومات التآلف بين مكونات / أطياف – أثبتت بالملموس أنها لا تجيد سوى لغة العنف حوار" ولا تضمر إلاّ مشاعر الكراهية موقفا"- توحي بأنها منخرطة في بناء أسس وتشييد قواعد مدماك الوحدة الوطنية ، بعد أن تكون قد تمكنت من تسيير دفة الدولة المتعثرة وتجسير فجوة الجماعات المتذررة . والحال إن الأوضاع الشاذة والظروف الاستثنائية التي يتلظى بجحيمها المجتمع العراقي ، فضلا"عن الأطماع الإقليمية والمآرب الدولية التي لم تخفي استهدافها حاضر العراق ومستقبل أجياله ، لا تتطلب فقط من العراقيين أن يجاهدوا للتخلص من إغواء احتمالات ( أما ) والتملص من إغراء توقعات ( أو ) فحسب ، بل أن يشرعوا بالتحرك العاجل والشامل على الجبهات كافة ؛ السياسية ( المصالحة الوطنية والتوافق السياسي ) ، والاقتصادية ( تصعيد وتائر الأعمار وتقليص معدلات البطالة وكبح جماح التضخم ) ، والاجتماعية ( تعزيز روابط الألفة وتمتين أواصر العلاقات ) ، والثقافية ( نشر الوعي الديمقراطي وتعميم المعرفة العقلانية ) ، والدينية ( نبذ مظاهر التعصب المذهبي وإشاعة قيم التسامح الاعتقادي) ، والنفسية ( تنقية الأجواء الملبدة وتهدئة النفوس المجيشة ) . من هنا فان اللجوء إلى نظام الأسبقيات والتخطيط على أساس الأولويات ، في وضع كالوضع العراقي وضمن مجتمع كالمجمتع العراقي ، قمين بأن يرهن إرادتنا وسط خانق من الاستقطابات البينية والأرجحيات التفضيلية ، التي لا يملك العراقيين ، في الوقت الراهن ، ترف تقديم هذا الخيار على حساب ذاك أو تسويغ هذه الخطة على حساب تلك . فما الضير أن تستأنف خطوات التقارب وتفعيل محاولات التوافق على جبهة السياسة لإنجاز مشروع المصالحة الوطنية العتيد ، وتجري ، في الوقت ذاته ، مبادرات زرع بذور الثقة في حقول الاجتماع التي أمحلت ، ومدّ جسور التواصل في ميادين التاريخ التي تقطعت ، وفتح قنوات التفاعل في فضاءات الثقافة التي تعطلت . لا لكي يخفف غلواء التطرف في التعاملات أو تلطف نوبات التعصب في الذهنيات ، بحيث لا تلبث أن تطلق العنان لمظاهر العنف الدموي عند كل منعطف ، وإنما لتشخيص مكامن العلل التي لم تفتأ تضرب بنى المجتمع العميقة ، ووضع اليد على مفاصل التأزم التي ما انفكت تهدد أنساقه بالتفكك !! |