التخادم بين الفساد والإرهاب، الوطنية هي الحل

يُعد الفساد الاداري والمالي، وفي العراق خاصة أحد أهم مصادر تمويل الأنشطة المشبوهة، وخاصة النشاطات ذو الصبغة الإرهابية التي تستخدم العنف لتحقيق أغراض سياسية. ويدخل الفساد كعامل مباشر في إنعاش هذه الأنشطة أو بشكل غير مباشر عندما يسهم في تعطيل آليات كبح الإرهاب داخل الدولة.

وقبل الخوض في تفاصيل العلاقة المتبادلة والتخادم الخفي والمُعلن بين الطرفين، نتناول الحزبية والتحزب وما نتج عنها من محاصصة طائفية وعرقية كان قد أسهم في مضاعفة نسب الفساد الاداري والمالي وتعطيل عملية استشعار المسؤول الأمني لواجباته الوطنية والانسانية والتركيز على المنافع الشخصية والفئوية فقط والتي تتنافى مع دواعي المحافظة على الاستقرار داخل المجتمع.

وفي العراق بالذات، قد أصبحت الحزبية وسيلة للحصول على المناصب الادراية، والمناصب هي الأخرى قد أضحت وسيلة للتسلط وملئ الجيوب ومنصّة لإطلاق الوعود العرقوبية الكاذبة وخداع الناس، خاصة عندما يتخذ المسؤول من الطائفية السياسية وسيلة لترميم مصالحه الحزبية وتوسيع سلطاته ومن ثم هدم البنية الاساسية للمجتمع بدلا من التصدي لكل ما يثير الانقسام والفتنة بين أفراده ومكونّاته.

ان الترابط السلبي الوثيق بين الحزبية والفساد كان قد أسهم في نمو الارهاب، حيث تتجه النفوس الضعيفة الواقعة تحت وطأة الفقر وثقل الظلم ومطرقة البطالة نحو الفعل الارهابي المنظّم في معظم الأحيان، من حيث تشكّل الحاجة دافعا لذلك، أو أن يكون هؤلاء في أحسن الأحوال حواضن خائنة وملاذات آمنة للإرهابيين، حيث يؤدي الشعور بالغُبن والإحباط والوقوع تحت طائلة ماسلف من فقر وظلم الى ترجيح كفة الانتماء الفرعي على حساب الولاء الوطني والإنساني.

فلا ننسى بان التحزب والفساد الاداري يؤديان بالنتيجة الى تغييب الوعي الوطني والاساءة للعاطفة الصادقة تجاه البلاد ومن ثم اضمحلال القيمة الوطنية لصالح النزعة الطائفية والعرقية وربما القبلية أيضاً، ليتجسّد ذلك في فعل مساند للإرهاب سواءً من خلال توفير الحواضن او اندماج الأفرد في شبكات الارهاب المنظّم.

ومن هنا تقع على عاتق من يتصدى للمواقع الادارية في الدولة، جزء كبير من المسؤولية يتمثل في استثارة غيرة المواطن على قيمه وثوابته ومبادئه السياسية المنبثقة من التجربة الديمقراطية، وعلى عاتق المسؤول تقع أيضا انطلاقا من القول المأثور (سيّد القوم خادمهم) مهمة بناء قواعد الثقة مع الشرائح الوطنية داخل الدولة وكذلك تعزيز الشعور الوطني في نفوس افراد الشعب عندما يكون المسؤول مؤهلا للإقتداء بأقواله وأفعاله.

لكل مجتمع ثوابت ينبغي أن تنسجم حالة الوعي المراد تكريسها داخل المجتمع مع هذه الثوابت التي يتمكّن من خلالها مواطنو الدولة من تحقيق حالة من التعايش السلمي التي سبق وأن حققتها لفترات طويلة مضت.. ومع التطرق الى المجتمع العراقي كأحد الأمثلة على هذه المجتمعات ينبئنا واقع الحال بأن المسؤولين القابعون في الأبراج العاجية هم في واد والطبقات المسحوقة والمظلومة والتي تشكل الأغلبية الساحقة هم في واد آخر أي: (وادي النسيان). والفساد الناتج عن التحزب والمحاصصة الطائفية والعرقية في الحُكم، يضاف اليه الارهاب الذي يضرب بأطنابه في الواقع العراقي منذ أكثر من عقد من الزمن، تقتصر نزعة كل منهما على اجهاض الدولة الوطنية والمشروع الوطني لصالح المشروع الطائفي أو (دولة الخلافة المزعومة)، وما بين نقطة الشروع ولحظة تحقيق الهدف يدفع المواطن العراقي الثمن غاليا من وقته وأمنه ورزقه وحياته أيضاً، ومن ثم تصبح الدولة رويدا رويدا عِرضة للتلاشي، وتغدو سفينة الوطن برمّتها عرضة للغرق والإنهيار.

حيث تشكّل عملية تفعيل الانتماء الوطني والانساني دافعا للتطور والابتكار والابداع والاعمار والبناء، في الوقت الذي يؤدي تفعيل مادون ذلك من انتماءات قبلية وطائفية وعرقية الى تعطيل ما سبق، بل قد يكون مثل هذا التفعيل السلبي دافعا للحروب واثارة الضغائن والفتن ومدعاة للتخلف والإنحطاط على مستوى الأفراد والمجتمعات معاً.. إذن فالعودة الى الوطنية هي الحل.