ثقافة الأذلال وتحقير الذات ..


قال الحقيقة, عندما كان الشهيد عبد الكريم قاسم يؤكد في خطاباته وتصريحاته على عظمة الشعب العراقي " الشعب العراقي العظيم " حيث استطاع بهذا الشعب وعبر اربعة اعوام واربعة اشهر , ان يقفز بالعراق ـــ ورغم محدودية امكانياته المادية ـــ الى مرحلة اعمار هائل على أصعدة الدولة والمجتمع, وحقق احترام مشرف للسيادة الوطنية ورسم خطوط حمراء تتوقف عندها اطماع الأنظمة الأقليمية والدولية , ووضع حقبة العزل الطائفي بين مكونات المجتمع التي مثلها النظام الملكي البائد ( في كل شيء )على رفوف الماضي , اربعة اعوام وبضعة اشهر , مسك العراقيون خلالها خيوط تاريخهم الحضاري , ورفعوا عن عقلهم الجمعي اغبرة التخلف والأذلال , واتسع الوعي الحداثي مستقبلاً لشعوب المنطقة .
انظمة الجوار والغرب الأمريكي , تعرف تاريخياً وحضارياً وجغرافياً واقتصادياً وواقعاً متحركاً ما يعنيه العراق بالنسبة لحركات التحرر والديمقراطية لشعوب المنطقة , فأستنفرت ووحدت كل قواها الشريرة داخل مشروع التآمر لعودة العراق " الحصان الجامح " الى حضيرتهم للتبعية والعمالة .
ما كان بالأمكان ان تنجح المؤامرة في اغتيال ثورة 14 / تموز 1958 وتصفية حكومتها الوطنية لولا العزلة الداخلية التي فرضتها اطراف جبهة التحالف الوطني ــ المعارضة ـــ للنظام الملكي انذاك على حكومة الثورة , حيث اشتركت جميع اطرافها كادوات محلية لتنفيذ انقلاب 08 / شباط / 1963 الدموي , كانت تلك الأطراف مقيدة بشروط التبعية الصارمة للأختراقات الخارجية , فبعضها اوراق طائفية للنظام الملكي الأيراني واخرى عربية تركية طائفية قومية, واوراق سوفيتية اممية التبعية والخنوع وهناك اوراق عمالة تحت الطلب دائماً .
اغتيال ثورة 14 / تموز / 58 الوطنية , وتصفية قائدها ورموزها الوطنية , كانت باكورة مشروع اذلال العراقيين وتحقير شخصيتهم الوطنية .
احتلال العراق في 09 / نيسان / 2003 , كان في الواقع , انقلاب شباطي للأطاحة بالشباطيين بعد استهلاك كامل اوراقهم , ثم الأحتفاظ ببعض ( سكرابهم ) لأعادة تأهيله ادوات مجربة ساندة لمواصلة المشروع الأقليمي الدولي , بغية اكمال تدمير الشخصية العراقية وسلخ المجتمع العراقي عن تاريخ وحدته الحضارية عبر عملية اذلال مبرمجة قاسية , وضع تحت تصرفها الأموال والأعلام والأرهاب , مسبوقة بالحروب والحصارات والتجويع والتجهيل والأجتثاثات الوحشية بغية تمزيق النسيج الوطني للمكونات العراقية المتآخية .
استهدفت المؤامرة الأقليمية الدولية منذ بدايتها تدمير العقل العراقي وتعطيل الوعي المجتمعي وتحقير الشخصية العراقية عبر ثقافة الأذلال والتحقير المبرمج , دسيسة مجلس الحكم الموقت , اكملت حلقات المخطط الذي لم ينجزه النظام البعثي كاملاً , فكان المشروع الطائفي العرقي البغيض في تحاصص المصير العراقي جغرافياً واقتصادياً وسياسياً وثقافياً ونفسياً , البداية الكريهة المثلثة الأضلاع , حيث فرض على العراقيين , وبطريقة غير مسبوقة, ان يكون رئيس الجمهورية كوردياً ورئيس الوزراء شيعياً ورئيس مجلس النواب سنياً , هكذا تمت جريمة ديمقراطية التقسيم والتحاصص من رأس الدولة حتى قدميها , بعد قراءة الفاتحة على روح الوطنية العراقية والمشروع العراقي والهوية المشتركة للمكونات العراقية .
تسعة اعوام تقريباً, رسمت وثبتت حدود العزل الطائفي بالدم العراقي, وعبر دسيسة الدستور, استمدت الفتنة فيتامين عافيتها, حرائق احقاد وكراهية وخوف من الشقيق الآخر , وتم تكريس مشروع اذلال العراقيين وتدمير الشخصية التاريخية للأنسان العراقي واقعاً يومياً وثقافة مجتمعية على ارضية رعب الفتنة المؤجلة .
جينات الشخصية العراقية المميزة , التي تشكلت عبر تاريخ حضاري عريق لا زالت تحت جلد الأنسان العراقي , عودة مؤجلة للحقيقة العراقية, فالعقل العراقي الذي اكتمل عبر الاف السنين ليس من السهل استئصاله’ وتراكمات الوعي المكبوس تحت ركام الأمية والتخلف, لا يمكن خنقه, تلك الحقيقة تدركها اطراف المشروع .
مؤامرة اذلال وتحقير الشخصية العراقية , ستتواصل بكل اشكال العنف والتجهيل والأفقار والموت اليومي , لكنها ـــ وقوى الردة على يقين ـــ لا تستطيع الأمساك برقية الورقة العراقية واللعب عليها خسارة وطنية الى ما لا نهاية , انها نتاج طبـع متأصل, لهذا تبقى تلك الشخصية مقلقة للردة الداخلية والأطماع الخارجية .
بعض القوى التي تدعي تمثيل مكونات هامة من المجتمع العراقي , تتصرف ازاء العراق وكأنها شركات اجنبية لا يهمها غير الربح الشخصي والفئوي , وبدلاً من معالجة الأشكالات الداخلية عن طريق الحوار الوطني , تأخذ معها الشخصية العراقية الى عواصم الأرتزاق والتبعية , وتدعوا المتدخلون لسحقها عبرالتدخل اكثر في الشأن العراقي , مع عرض خدمات الخيانة , ومن هناك تنبح بوجه العراقيين اهانة وتحقيراً واذلالاً .
بكامل الثقة ومطلق الأيمان , هناك نهوض من تحت جلد الضعف العراقي وصمت العراقيين , وهناك من سينهض ليصرخ ( ويصرخون معه ) وطنية ونزاهة وكفاءة وايمان بالوطنية العراقية , وعلى عموم جغرافية الوطن ـــ هنا العراق عائد ـــ .
اللذين يؤمنون بشعبهم ويحترمون وطنهم وحدهم يرون ان العراق لا زال قادر على ان ينهض , الصغار الشامتون الشاتمون الكارهون لشعبهم ووطنهم, الراكعون تبعية وعمالة وسمسمرة في كل الأتجاهات , هم وحدهم العار والدونية والحقارة , مهما كانت قومياتهم واديانهم وطوائفهم ومذاهبهم واحزابهم وعشائرهم , انهم ذات الوجوه الشباطية يلعبون اوراقهم بلا شباط وجواكرهم مكشوفة , اذلاء يكررون ادوارهم على مسرح الوجع العراقي .