صدام حيّ !

هل سيثير العجب والاستغراب القول إنه بعد إحدى عشرة سنة من إسقاط نظام صدام حسين، لم يزل الدكتاتور السابق يحكمنا ويُطبق الخناق علينا مثلما كان في حياته؟.. لست أمزح، ففي منتهى الجد أنا الآن.
كيف هيمن صدام على الدولة والمجتمع على نحو مريع لما يزيد عن ربع قرن؟.. فعل ذلك بالقوانين الصادرة باسم الشعب! وبالقرارات الصادرة باسم مجلس قيادة الثورة الذي اختزله صدام بنفسه... تلك القوانين والقرارات صِيغت بما صِيغت به لتحقق لصدام ما كان يريد، وهو فرض دكتاتوريته الغاشمة.
تلكم القوانين والقرارات لم تزل بأغلبيتها الساحقة مقدّسة من حكومتنا، إذ علينا جميعاً واجب احترامها والخضوع لها والتقيّد بها، وإلا كنّا خارجين على القانون ومن واجب السلطة القضائية وجهاز الشرطة ملاحقتنا وإلقاؤنا في المعتقلات والسجون، تماماً مثلما كان يحصل في عهد صدام، بتهمة انتهاك تلك القوانين!
هذا كله حاصل لأن مجلس النواب لم يسنّ قوانين بديلة عن قوانين صدام وقراراته. ومجلس النواب، كما نعلم، معطلٌ دوره التشريعي تماماً بحكم عجيب غريب من المحكمة الاتحادية لم يعطِ للبرلمان سوى حق اقتراح مشاريع القوانين التي يتعيّن أن تنظر فيها الحكومة وتوافق عليها قبل أن تعيدها الى المجلس ليشرّعها والا قضت المحكمة بانها لاغية!
واضح ان الحكومة غير راغبة في تشريع قوانين جديدة تحلّ محل قوانين صدام وقراراته. لماذا؟ لأن القوانين الجديدة لابدّ أن تكون منسجمة مع أحكام الدستور.. وأحكام دستورنا تحول دون قيام سلطة مطلقة.. الحكومة الحالية، وسابقتها أيضاً، ترى ضرورة لبقاء السلطة المطلقة التي تتركز الآن في أيدي رئيسها مثلما كانت تتركز في أيدي صدام حسين.
أمس حضرتُ مع جمع من الإعلاميين وممثلي منظمات المجتمع المدني وبرلمانيين اجتماعاً عُقد في إحدى قاعات مجلس النواب، نظّمه بالتعاون مع لجنة المجتمع المدني "المرصد النيابي العراقي"، وهذا منبثق عن مؤسسة "مدارك" لدراسة آليات الرقي الفكري. عرض علينا المرصد ملخصاً لتقريره النهائي عن عمل مجلس النواب الحالي. ومع ان النواب المشاركين سعوا للدفاع، بطريقة بيروقراطية مألوفة، عن مؤسستهم حيال الوقائع الموجعة التي احتواها التقرير، فان حقائق التقرير كانت أقوى من أي تبرير لإخفاق هذه المؤسسة في تحقيق المهمات المناطة بها دستورياً كسلطة أولى في البلاد، وأهمها تشريع القوانين الماسّة حاجة الناس اليها.
في واحد من مئات المعطيات التي تضمنها التقرير نجد انه من آلاف قوانين صدام وقراراته لم يلغ المجلس الحالي على مدى سنواته الأربع سوى 22 قانوناً وقراراً! (واحد فقط في العام الماضي و13 في العام 2012 و8 في العامين 2010 و2011). وبين هذه القوانين والقرارات الملغية كانت 10 فقط بطلب من الحكومة (مشاريع قوانين).. ما معنى هذا؟ انه يعني ان الحكومة منسجمة تماماً ومتعايشة كليةً مع البيئة القانونية لدكتاتورية صدام حسين.
هل ثمة حاجة للمزيد من القول؟.. كلا، فقد أدرك شهرزاد الصباح فسكتت عن الكلام المباح!