مشيخات وممالك النفط... والمتاجرة بحقوق الشعب السوري! |
من جديد تطفو على السطح مواقف أشباه العربان، أزلام الدول الاستعمارية، وصبية السياسة، أصحاب النعم الحديثة، ليتحدثوا عن أحلام تراودهم دائماً في رؤية حلف الناتو يغزو سورية، ومجلس الأمن يصدر قراراً بخصوص سورية تحت البند السابع، والدولة والشعب السوري في حالة انهيار. تباكوا على حال ''نازحين'' سوريين هنا وهناك، حتى فاضت كلماتهم بمشاعر تبكي لها أحجار الصوان، دون أن يتجرأ أي منهم على ذكر السبب الحقيقي وراء نزوح من نزح من الشعب السوري، لم يتجرأ أي منهم على القول أن الأعمال الإجرامية التي يرتكبها الإرهابيون المرتزقة بحق الشعب هي وراء النزوح، ولم يأت منهم على ذكر أن أولئك المرتزقة المجرمين يقاتلون بسلاح تمدهم به حكوماتهم، ويأخذون رواتب من خزائن بلدانهم، ويقاتلون وفق فتاوى مشايخ فتنتهم. سورية كانت وفي كافة العصور ملاذاً آمناً لكل لاجئ أو مهجر من بلاد يسودها العنف أو العدوان العسكري أو انعدام التسامح الديني، كما كانت ثالث أكبر دولة مضيفة للاجئين في العالم عاملتهم بأسلوب إنساني تام وفي فضاء من الأمان والحرية الدينية والمساعدات المتعددة، على الرغم من أنها لم تنضم إلى اتفاقية اللاجئين لعام 1951.
سورية لم تنشئ في تاريخها مخيمات لاستيعاب اللاجئين أو المهجرين ولم تطلق أي نداء استجداء أو إشارة تذمر على الرغم من محدودية إمكاناتها وان المفوض السامي ''غوتيريس'' كان يكرر وفي كل مناسبة إشادته بكرم وسخاء الحكومة السورية وشعبها في تحمل أعباء تلك الاستضافة. وسورية لم تعرف في تاريخها مشكلة المهجرين داخلياً باستثناء السوريين الذين هجرتهم إسرائيل من الجولان السوري بعد عدوان عام 1967 الغاشم، وأنها كانت ملاذاً آمنا لكل مهاجر قدم إليها من بلاد يسودها العنف والاضطهاد وعاملته بالترحاب والتسامح والمساعدة ودون أن تقيم مخيماً واحداً لاستيعابهم. و نتيجة للأحداث المؤسفة التي حصلت في سورية، اضطر عدد من المواطنين إلى النزوح هرباً من جرائم المرتزقة وتدميرهم للبنى التحتية وكذلك نتيجة لقسوة العقوبات الظالمة التي فرضتها بعض الدول والمنظمات الإقليمية والتي استهدفت غذاءهم وصحة أطفالهم وتحصيلهم العلمي، كما أدت إلى توقف العديد من المشاريع والصناعات المحلية وانتشار البطالة الأمر الذي اضطرهم إلى النزوح. فالإرهاب التكفيري دخل البلاد بدعم وتمويل من السعودية وقطر والكويت... وتركيا، والذي عمل على سفك دماء المواطنين الأبرياء وتدمير البنى التحتية والمرافق العامة والخاصة ومارس أساليب التهجير القسري على أسس مذهبية وطائفية بغيضة مما أسفر عن عواقب سلبية كارثية شملت جميع مناحي الحياة في سورية أجبر عدداً من السكان على النزوح داخل البلاد وخارجها. فقد انعكس هذا الوضع الميداني المؤلم بصورة كبيرة على الوضع الإنساني وأصاب الشعب السوري عميقاً في أمنه واستقراره ولقمة عيشه، وباتت أرقام اللاجئين السوريين التي تشهد ارتفاعاً يومياً أرقاماً صعبة في معادلة الأزمة السورية تضاف إلى الأرقام المسجلة حول أجيال سوريا الذين دقت بالأمس منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) ناقوس الخطر من حرمان سوريا من طاقات أجيال من أطفالها وشبابها، ما يهدد بتحولها إلى دولة شائخة. فالتقارير الواردة عن الأوضاع الإنسانية للاجئين السوريين تبعث الألم والحزن أن يصبح هؤلاء اللاجئون عرضة للابتزاز والانتهاكات المتعددة، وعرضة للأمراض تنهش أجسادهم البريئة وعرضة للجوع والفقر يغرزان أنيابهما في أجسادهم المجهدة، إنها مأساة تعبر عن تناقضات كبيرة تتخم بطون الكلاب، وازدواجية السياسات الدولية والنفاق الدولي بخاصة حين يتعلق الأمر بالقضايا العربية. فمن كان يصدق أن يرى ما يناهز المليون سوري مهجرين ومشردين من منازلهم، في خيم صغيرة تكتنز بأعداد كبيرة وتفتقد للمظاهر الصحية وأبسط الحقوق، ومن كان يصدق أن الملايين من الشعب السوري تتحول بين عشية وضحاها لقمة سائغة يفترسها الجوع والفقر، وقد كان الشعب السوري واحداً من الأمثلة على الشعوب العصامية التي تمكنت من أن تحقق اكتفاءً ذاتياً من الغذاء، بل إن الشعب السوري أحد المصدرين الأساسيين للفائض من غذائه ومنتجاته إلى الدول العربية؟ اليوم، تتباكى مشيخات وممالك النفط على الوضع الإنساني للاجئين السوريين، وقد تناست أن ما خصصته لمساعدة السوريين خارج الأراضي السورية لا يشكل إلا جزءاً صغيراً جداً من المبالغ التي تخصص لدعم الجماعات الإرهابية المسلحة التي ترتكب الجرائم بحق البشر والشجر والحجر، كما أنها تناست أنها ساهمت بل بذلت جهوداً كبيرة من أجل فرض عقوبات اقتصادية على الشعب السوري بعد أن اختطفت الجامعة العربية وجعلتها مطية لتنفيذ أجندات ضد الشعب العربي عموماً وضد الشعب السوري على وجه الخصوص.
ومن هذه الأجندات تدمير البنية الاقتصادية وفرض إجراءات طالت لقمة عيش المواطن السوري، الأمر الذي يشير بوضوح إلى أن هذه الدول التي تتباكى على المأساة التي يعيشها اللاجئون السوريون هي من ساهمت وتساهم في معاناتهم وتشريدهم عبر المساهمة في إطالة عمر الأزمة في سورية ومن خلال مواصلة فرض العقوبات الاقتصادية التي يتأثر بها الشعب السوري، وتالياً دعم العصابات المسلحة بالمال والسلاح وتشجيعها على مواصلة ترويع المواطنين وارتكاب الجرائم والمجازر بحق الأبرياء وبالتالي دفعهم لترك منازلهم ومناطقهم هرباً من جحيم العصابات التكفيرية التي استباحت كل المحرمات.
ولذلك فإن حديث صبية السياسة وأشباه الرجال، عن الوضع الإنساني ودعوتهم الآخرين للتبرع بالمساعدات الإنسانية ـ وإن كان هناك من إنسانيته وضميره وعقيدته تدفعه نحو ذلك ـ ما هو إلا تغطية لجريمتهم الكبرى على الأرض السورية التي تنطق وقائع وأحداثاً يندى لها الجبين من فرط ما ارتكبته عصابات الإرهاب المدعومة من قبلهم، وبالتالي فإن تعطيلهم للحل السياسي بمحاولة عرقلة إنجاح مؤتمر جنيف الثاني ووضع الشروط التعجيزية، وقصر تحركهم على الجانب الإنساني، هو نوع من أنواع المتاجرة بحقوق الشعب السوري...
ولا يعطي إلا تفسيراً واحداً، وهو أن الهدف من جمع الأموال هو إبقاء اللاجئين السوريين في مخيماتهم لأجل استمرار القتل في من بقي منهم في الداخل ومواصلة التدمير للبنية التحتية، لأن الأمر لو كان بخلاف ذلك لرأى الجميع توازياً في التحرك نحو المسارين السياسي والإنساني بحيث يتم تقديم المساعدات الإنسانية والإغاثية للاجئين وللسوريين الذين حاصروهم وفرضوا عليهم عقوبات اقتصادية ظالمة في الداخل بجانب الحل السياسي والتوقف عن دعم الإرهاب، والتمهيد لعودة جميع من هجرتهم عصابات الإرهاب إلى مدنهم وقراهم أو تركوها بمحض إرادتهم.
فهؤلاء اللاجئون أولى بهم أن يكونوا في وطنهم سوريا بدلاً من أن يتم إرهاق دول إمكاناتها الاقتصادية لا تمكنها من تلبية احتياجاتهم الإنسانية كما هو حال لبنان، وقد رأى العالم بأسره المعاناة التي يكابدها اللاجئون السوريون في مخيمات اللجوء، فضلاً عن حالات الابتزاز والمس بأعراض الأسر السورية المتكررة.
وما يؤسف له، أنه في الوقت الذي كان على مجلس التعاون الخليجي مراجعة سياساته الخاطئة والفاشلة التي تبناها تجاه الأزمة السورية، ولو مراعاة للجوانب الإنسانية للاجئين السوريين، إذا به يصر على مواصلة تلك السياسات الظالمة والفاشلة، ويصر بالتالي على مفاقمة أوضاع الشعب السوري جميعاً وإلحاق بهم الضرر، بتكرارها بالمطالبة بالفصل السابع في الأمم المتحدة على قاعدة نفس الذرائع النفاقية، أي التي ظاهرها إنساني، وهكذا يتحول الشعب السوري وأزمته كما تحول الشعب الفلسطيني وقضيته إلى تجارة لدى السياسيين الغربيين وبعض العرب وبخاصة السعودية...
ومن المهم الإشارة ـ لمن يجهل أو يتجاهل ـ التأكيد أن الشعب السوري قبل الأزمة لم يكن بحاجة إلى من يقدم له مساعدة إنسانية، وإنما كان المواطن السوري المثل الأبرز في الاعتماد على النفس في توفير لقمة العيش واستغلال أرضه والوفاء لها، فمأكله ومشربه وملبسه ومسكنه من أرضه، بل إن الشعب السوري كانت أياديه ممدودة بخيرات أرضه إلى أشقائه العرب من عرقه وكده، ويكفي أن سوريا لم تكن رهينة للمؤسسات الدولية الدائنة ولو بدولار واحد، إلا أن حقد الحاقدين وإرهاب الإرهابيين وتبعية العملاء يرفض رؤية شعب سوريا بهذا الكفاف والعصامية والبذل والعطاء، ويكره أن تساند سوريا أشقاءها المظلومين الواقعين تحت براثن الاحتلال الصهيوني وتنافح عنهم، فكان خيارهم سكب زيت حقدهم وكراهيتهم ونار إرهابهم على النحو الذي نراه. وما يندى له الجبين اليوم، أن تتحول أزمة اللاجئين السوريين في مخيمات اللجوء إلى ورقة مساومة وابتزاز بيد دول النفاق الدولي، في صورة هي أقرب إلى الاتجار بالبشر، بل لا ينطبق عليها إلا هذا الوصف. فالوضع الإنساني المأساوي للاجئين السوريين وما يتعرضون له من معاناة، سواء كانت بسبب مضايقات الأجهزة الأمنية والاستخباراتية للدولة صاحبة مخيمات اللجوء، أو نتيجة ضعف الخدمات الإنسانية والمتطلبات المعيشية، بالإضافة إلى الاكتظاظ الشديد، كل ألوان المعاناة تلك ستظل وصمة عار تلاحق بالدرجة الأولى المتسببين فيها واستمرارها بتدخلهم في الشأن الداخلي السوري... مؤلم ومحزن الإصرار على محاولات الدوس على الكرامة الإنسانية للشعب السوري، وتوظيف معاناته ومطالبه في هذه المحاولات الدنيئة والمتاجرة بأزمة سوريا في تكريس ضرب الكبرياء وإهانة مشاعر الاعتزاز والكرامة لدى المواطن السوري، وذلك بهدف تغيير مواقفه من قضاياه الوطنية والقومية التي يرفض التخلي عنها أو حتى مجرد مساومته عليها، وبهدف ملء قلبه بالأحقاد والكراهية والكفر بكل ما هو سوري وعربي وقومي، وبالتالي قتل المبادئ والقيم ومظاهر النخوة والشهامة والكرم والإباء والكبرياء، وكنزه بالانهزامية والخنوع والجبن والخوف والمهانة والذل، ليكون مواطناً مستكيناً مهزوماً نفسياً مهزوز الثقة، متقبلاً كل ما يملى عليه، لا هوية ولا شخصية له، مطلوب منه أن يحمل مشاعر الأحقاد الطائفية والمذهبية العرقية، لأن هذه المشاعر وكل هذه المثبطات والإحباطات هي التي ستجعل من سوريا سوريات أو كانتونات طائفية متناحرة خدمة للمشروع الصهيو ـ أميركي، وضمانة لنجاح مشاريع الهيمنة والاستعمار. إن التباكي على الشعب السوري من دول كالسعودية على سبيل المثل لا الحصر، التي لم يعرف عنها احترام حقوق الإنسان أو الاعتراف بالمساواة بين البشر على الأقل في التعامل مع المرأة وحقوقها، يظهر حجم النفاق والخداع الذي تمارسه هذه الدولة وتوابعها من مشيخات وممالك النفط الصغار، ولو توقف هؤلاء المنافقون عن إرسال المال والسلاح للإرهابيين واحترموا ما يزعمونه من مساندتهم للحل السلمي، فإن الحرب في سورية ستتوقف وينتهي القتل، ويتفرغ السوريون لإتمام الإصلاحات التي يريدونها وفي الوقت نفسه وحدة وسلامة أراضي وطنهم. لذلك يطالب السوريون ويؤكدون على إلزام آل سعود وحلفائهم بالكف عن التدخل في شؤونهم، والتوقف عن دعم المجموعات الإرهابية التي تمتهن قطع الرؤوس وتقطيع الجثث بالسواطير، وهذه مسؤولية دولية وأميركية بشكل خاص، بالنظر لأن الأميركيين هم الذين يشكلون الغطاء السياسي لممارسات آل سعود الإرهابية. هذا ما يريده السوريون، وما يعملون على أساسه للخروج من الأزمة، وهم في كل الأحوال لن ينسوا ولن يسامحوا، وسيجدون الوسيلة المناسبة للرد على أعدائهم إن لم يكن الآن فغداً حتماً، لأن دماء أبنائهم غالية جداً، ولا يمكن المساومة عليها.
|