تسعيركم الشلغم !

لا أحد قد بعثَ اليها ببرقية من طراز "تسعيركم الشلغم أثلج قلوبنا".. ولا أحد قد طلبَ من برنامج "ما يطلبه المشاهدون" أو ما يماثله بثّ أغنية "تسلم الأيادي" (أغنية مصرية لشكر الجيش المصري وقائده الفريق عبد الفتاح السيسي على الانحياز الى جانب الشعب في انتفاضته ضد حكم المرشد الإخواني).. ولا أحد نزل الى الشارع ليرقص ويهوّس، كما الحال حينما يفوز منتخبنا الوطني لكرة القدم على منافسيه. 
مع ذلك تبرعت فضائية "العراقية" لتعلن في برامجها و"سابتايتلاتها" المتحركة على الشاشة ان المواطنين العراقيين عامة، والمتقاعدين خاصة، فرحوا بقانون التقاعد الموحد وبتمرير البرلمان له. وما كان يعوزها الا بثّ مشاهد "صفكة" وهلاهل وبزخ و"جوبي" ترجمة لحال الفرح الطاغي التي افترضت فضائية الدولة (سباقاً والحكومة حالياً) انها اجتاحت أكثر من ثلاثين مليون عراقي بالمنحة الربانية النازلة أخيراً من السماء.
على الأرض كان الموقف مختلفاً تماماً، فقبل أن يغادر أعضاء مجلس النواب، الذين صوّتوا على قانون التقاعد، مكاتبهم كان بعضهم يلوم زملاءه الآخرين ويقرّعهم على تمرير مواد القانون التي احتفظت بعدم التوازن بين حقوق الفئة العليا من مسؤولي الدولة -الرؤساء الثلاثة وأعضاء البرلمان والحكومة وسائر المجالس المنتخبة وأصحاب الدرجات الخاصة- والفئات الأدنى. بل ان بعضاً من هؤلاء النواب هدد بالطعن في القانون لدى المحكمة الاتحادية.. وقبل المغادرة أيضاً حرص العديد من أعضاء مجلس النواب من كل الكتل النيابية الحاضرة جلسة التصويت على تبرئة أنفسهم من رجس التصويت لصالح القانون، مؤكدين لوسائل الإعلام انهم لم يصوّتوا لصالح الإبقاء على امتيازات الفئة العليا! (مَنْ صوّت إذاً!؟ .. نعرف ان هذا كله يندرج في خانة المزيدات الانتخابية). 
هذا على الأرض أو بعض مما على الأرض، أما في العالم الافتراضي (وهو عالم واقعي في الواقع)، فان ساحات "فيسبوك" و"تويتر" وسواهما شهدت في اليومين الماضيين هجمات كاسحة ضد القانون والحكومة والبرلمان، وتنادى العديد من الشباب -والشيوخ كذلك- للتنديد بالقانون في صيغته الصادر بها واستنكار موقف الحكومة والبرلمان اللذين لم يعيدا صوغ المواد الامتيازية في مشروع القانون بما يتماشى مع الحملة الشعبية التي تطورت في مرات عدة الى مستوى تظاهرات قمعتها قوات الحكومة كالعادة، بل ان الناشطين تنادوا من جديد الى حملة شعبية أخرى تتضمن أيضاً خيار المظاهرات التي لابدّ ان قوات الحكومة ستقمعها بحجة عدم الحصول على الترخيص الذي ترفض وزارة الداخلية، بكل إباء، وشمم منحه!
مبدأ "على حسّ الطبل (الحكومي) خفّن يا رجليَّ"، الذي تطبّقه "العراقية" الآن أيضاً مع أحداث الأنبار لا يصنع إعلاماً.