اكرام المتقاعد دفنه

بات واضحا ان اعضاء مجلس النواب لم يعد بمقدورهم التمييز بين ما هو حي و ما هو ميت بل لم يعد بمقدورهم تصور ان هناك شعبا لا يزال يصارع من اجل البقاء على قيد الحياة, و لا يزال ينتظر منهم القوانين التي تحفظ له حياته و انسانيته التي اصبحت ارخص من حفنة تراب ! و خير دليل على ذلك هو ما اقره هذا المجلس الموقر بما فيه من نواب لهم صولاتهم الجهاديه التي لا يمكن اغفالها و ان لم نكن نعرفها ! او مساواة اصحابها بغيرهم من مواطني الدرجه الثانيه في العراق بل هم اقل من هذه الدرجه بكثير اذا ما رأينا معاملة الساده النواب للشعب الذين تنازلوا عن شئ من كبريائهم و رضوا ان يضعوا قانون يجمع بين تقاعدهم و تقاعد الشعب و هم على ذلك يستحقون الثناء و الشكر على هذه المكرمه التي لا تقدر بثمن.


ان قانون التقاعد الذي شرع في البرلمان يعتبر نكسه حقيقيه في عراق الديمقراطيه الذي نسمع عنه و لا نراه الا اذا كان للديمقراطيه وجهان احدها لاصحاب المناصب العليا في الدوله من رؤوساء و برلمانيين و ايضا اصحاب الدرجات الخاصه التي حيرت علماء العراق و عباقرته في الوصول الى ما هية هذه الدرجات و ما الذي انجزته كي يميز اصحابها على غيرهم و وجها اخر للشعب و هذا الوجه حفظه الشعب رغما عنه و حفظ ملامحه اكثر من حفظه لملامح وجهه؛ و يعد ايضا تكريسا و تمهيدا لمجتمع طبقي يجمع بين الثراء الفاحش و الفقر المدقع فبعد اربعة اعوام من الامتيازات و السلف الماليه التي يتم اسقاطها بأنتهاء الدوره البرلمانيه في واحده من اكبر عمليات الاختلاس للمال العام يكون سيادة النائب قد اصبح في قائمة اغنياء العراق ان لم يكن من اغنياء العالم و بعدها يحصل على راتب تقاعدي كغيره من موظفي الدوله اللذين قضوا ما يقارب الثلاثون عاما في خدمة الدوله بشرف و اخلاص حتى وصلوا الى ارذل العمر و باتوا بأشد الحاجه الى الدوله كي تكرمهم و ترعاهم ردا للجميل و تثمينا لجهودهم الشريفه ؛ لكن ما حدث كان طعنةً بخنجرا مسموم في ظهر المتقاعد حتى وصل الامر الى اعلان وفاته و هو حيا يرزق و اصدرت له شهادة الوفاة دون ان تكلفه او ذويه عناء ذلك و كان ذلك في ما يعرف بقانون التقاعد العام الذي يصح ان نسميه قانون اكراما للمتقاعد وجب دفنه.