خيارات كردستان بعد الموقف الامريكي الاخير |
هناك تباين واضح بين المنجزات السياسية والمكتسبات الاقتصادية لإقليم كردستان خلال السنوات القليلة الماضية , ففي الوقت الذي خطى فيه الاقليم خطوات اقتصادية ثابتة نلاحظ انكفاء واضحا في مواقفه السياسية داخل وخارج الاقليم , وآخر ما يشير الى هذا الانكفاء هو الرفض الامريكي لاستعدادات كردستان اعلان الانفصال عن العراق خلال الخمس سنوات القادمة . هذا الموقف ليس جديدا على الحكومة الامريكية فطالما لمحت اليه .. غير ان ما يميزه هذه المرة انه جاء وسط متغيرات كثيرة تمر بها المنطقة توحي لحكومة الاقليم بضرورة اعادة النظر في ادائها السياسي وتوظيف نجاحاتها الاقتصادية لقضاياها السياسية الملحة . فقد نجح الاقليم خلال السنوات السابقة في انعاش الاقتصاد الكردستاني وجذب الاستثمارات الاجنبية ايمانا منها بان الاقتصاد هو مفتاح حل لمشاكل كثيرة , وعملت على جعل كردستان مركزا اقتصاديا وتجاريا مهما في المنطقة لكن ما تغافلنا عنه في كردستان هو توظيف هذا النمو ليكون في خدمة الاهداف السياسية للشعب الكردي , وبدلا من ان تكون الاستثمارات الاجنبية ورقة ضغط على الدول ذات العلاقة بها لإحداث تغير في مواقفها ازاء استقلال كردستان فقد اصبحت ورقة ضغط على الاقليم نفسه وبدا من الصعب التحرك سياسيا بشكل مرن في هذا الصدد . كان من الممكن اظهار الامكانيات الاقتصادية للإقليم على مراحل وانتظار المكسب السياسي في كل مرحلة ثم البدء بعد ذلك بمراحل اخرى .. لكن الذي حصل هو ان الاقليم قد دفع بكل اوراقه الاقتصادية دفعة واحدة للحصول ( بعد ذلك ) على مكاسب سياسية من الدول المعنية في تحقيق طموحاته السياسية . هذا (الدفع بالآجل) للمكاسب السياسية قطعا لم يجني الاقليم ثماره وهو ما حصل ايضا في ملف استخراج النفط وكذلك تصديره . فعلى الرغم من ان تصدير النفط الكردستاني الى الاسواق العالمية كانت الورقة الاخيرة التي يمكن الاستفادة منها لتحقيق حلم الانفصال الكردستاني فان سوء التوقيت ادى الى ضياع هذه الورقة ايضا بعد ان تزامن مع المتغيرات الاقليمية , ولذلك فليس من المستغرب ان ينصح بايدن الساسة الكرد بالتروي في اعلان الانفصال حتى وان كان بعد خمس سنوات قادمة . ان ربط السياسة الخارجية للإقليم بفلك السياسة التركية جعلته منكفئا على الداخل الكردي سواء في كردستان سوريا او كردستان تركيا في الوقت الذي كانت المنطقة تشهد تغيرات في ميزان القوى كان من المفترض ان يتحرك الاقليم في مسارات اخرى غير التي تحركت خلالها , بينما استطاع المالكي من خلال هذه المتغيرات كسب نقاط كثيرة لصالحه مكنته من التحول الى نقطة لالتقاء المتناقضات السياسية بين امريكا وإيران وتحول الى عامل اطمئنان للسياسة الامريكية والإيرانية في الحرب الاقليمية على الارهاب ساعده في ذلك تغير الموقف الامريكي والغربي من التعامل مع ايران والأزمة السورية بينما بقي الموقف الكردي معتمدا على صدى مواقف تركيا المتقلبة التي حشرت في زاوية ضيقة اقليميا مقابل توسع الدور الايراني في المنطقة . كنا قد حذرنا في مناسبات سابقة من مغبة وقوع حكومة اقليم كردستان في فخ المماطلة والتسويف الذي كانت حكومة المركز تمارسه معها وسياسة التطمينات التي كانت الادارة الامريكية تمارسها مع الجانب الكردي في الملفات العالقة بين اربيل وبغداد . ومع ذلك فالوقوف على الاخطاء يجب ان لا يعطلنا عن دراسة ما يترتب علينا عمله في المراحل المقبلة والبحث في الامكانيات المتاحة لإقليم كردستان للتحرك على ضوئها مستقبلا . واهم ما يتحتم على الساسة الكرد دراسته هو هل ان الانفصال امر ممكن في الوقت الراهن ام انه لا بد من البقاء ضمن عراق يحكمه المالكي وسيتبعه بالتأكيد في الحكم الكثير من مالكيي العراق ؟ ان وصول الشعوب الى طموحاتها في الاستقلال لن يكون دون ثمن ومخطئ من يظن انه بالإمكان انفصال كردستان عن العراق دون ان يدفع الشعب الكردي وحكومته الثمن , وكلما طال زمن اتخاذ هذه الخطوة كلما زاد حجم الثمن .. فالعامل الزمني ليس في صالح الاقليم وهو يتناسب طرديا مع الثمن الذي سيدفعه الكرد في طريق الانفصال لاسيما بعد توجه حكومة المركز لتقوية ترسانته العسكرية بحجة محاربة الارهاب وتهافت الجانب الامريكي على تنفيذ العقود المبرمة بين الطرفين وتحويل العراق الى سوق كبيرة للأسلحة الامريكية . هذا التباين في التسليح بين مركز مدجج به وإقليم غير مصرح له بشراء الاسلحة رسميا يجعل من التسويف في خطوة الانفصال اشبه بانتحار جماعي لشعب كامل . وان كانت الحكومة في كردستان تعرف بان ليس بمقدورها الان حتى التفكير في الانفصال لأسباب سياسية او اقتصادية معينة ( وهذا امر مؤسف حقيقة ) فعليها ان تتحرك وفق اسس جديدة تبقيها قوة سياسية فاعلة في الشأن العراقي غير مهمشة وعلى هذا الاساس فعليها ان تتحرك وفق النقاط التالية :-
|