سواء أهو الإهمال أم التواطؤ يكمن وراءه، فان الهروب من السجن جريمة ، المسؤولية عنها وعقابها يتجاوزان مرتكبها المباشر الى مسؤولي السجن وحراسه المهملين أو المتواطئين. وفي سجوننا حدثت الجريمة ليست مرة واحدة ولا مرتين ولا ثلاثاً .. العدد خرج عن الحساب، وحجم الجريمة ومستواها مضاعف، فالهاربون هم عتاة الإرهابيين القتلة الذين ظلوا يفرّون بالعشرات والمئات في كل مرة. وفي المرات كلها كان السبب هو التواطؤ وليس الإهمال، لكننا لم نسمع ان أحداً من المتواطئين، وبخاصة كبارهم، قد نال جزاءه العادل عن جريمته. الاربعاء الماضي نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريراً مثيراً للاهتمام عن هروب السجناء والمعتقلين من إرهابيي القاعدة وداعش من السجون العراقية، أعدّه مراسلها النشيط في بغداد تيم ارانغو ،ومحررها المتخصص في شؤون الإرهاب والأمن الوطني إريك تشميت، بمعاونة فريق متوزع بين العراق وسوريا. التقرير لفت الى أن السجناء والمعتقلين الفارّين عاد مئات منهم الى الالتحاق بصفوف منظماتهم الإرهابية فزادوا من قوتها وعززوا من سلطة قياداتها، وانهم يساهمون الآن بفعالية في جبهات القتال الممتدة من الأنبار الى سوريا، وهذا ما يفسّر ازدياد مستوى النشاط المسلح للقاعدة وداعش في العراق وسوريا خلال العام الماضي، كما ان النجاح المتكرر لعمليات الهروب شجّع على تنامي أعمال العنف داخل السجون والمعتقلات العراقية. مما نستنتجه من التقرير ان الوضع الأمني الصعب الذي تعيشه مدن محافظة الأنبار منذ شهر ونصف الشهر ربما ما كان له أن يكون لولا هروب المئات من إرهابيي القاعدة وداعش وسواهم من المنظمات الإرهابية، وهو هروب ما كان له أن يحدث لو لم يكن هناك مَن ارتكب جريمة الإهمال أو التواطؤ. فما الذي جرى مع المهملين أو المتواطئين، إن كانوا من وزارة العدل التي تدير السجون أو من وزارتي الداخلية والدفاع اللتين تؤمنان الحراسة للسجون، كما أفترض؟ ترتّب على هروب إرهابيي القاعدة وداعش من سجوننا مقتل وإصابة المئات، في الأقل، من العراقيين وترويع آخرين والحاق أضرار فادحة بممتلكات عامة وخاصة، ثم احتلال مدن بكاملها (الفلوجة والرمادي وسواهما) والتحصّن فيها. وهذا كله نتيجة لجريمة كبيرة مرتكبة، إهمالاً أو تواطئاً، تستحق العقاب المشدّد. كان من اللازم ان تجري محاكمات للمتورطين في هذه الجريمة وان تُعلن نتائج التحقيقات فيها والأحكام الصادرة في حق المدانين لنعرف الحقيقة، وهذا حقنا، ولنطمئن الى ان مرتكبي جرائم الإهمال والتواطؤ لن يفلتوا من العقاب، وليُلقَّن المهملون والمتواطئون الدرس حتى لا تتكرر جرائم الإهمال والتواطؤ وحتى لا تتجدد حالات الفرار بالعشرات والمئات لإرهابيين محترفين فتتقوى أكثر المنظمات الإرهابية ويتعزز أمل عناصرها في تحقيق أهدافهم الشريرة. بخلاف هذا سنظن ان الإهمال أو التواطؤ حاصل في أعلى المستويات في دولتنا .. أهو كذلك؟
|