( ليس الغاية تأسيساً أو دعماً للطائفية المناطقية , لكنه طرح موضوعي ودعوة للواقعية وبعيداً عن التجميلات التي تزيّف الحقائق )
أنّ الأعتراف بالمشكلة أول خطوات حلها , ونحن نواجه مشكلة هوية الدولة . وكل المشاكل الأمنية والسياسية والأقتصادية تعود للأصل وهو الخلاف الغير معلن حول هوية الدولة .
لنتكلم عن المسكوت عنه في الأعلام الرسمي , كي ننتج فهماً عند الناس الذي أسائهم الواقع بكل أبعاده والذين يتصفوا بالسطحية في تحليلاتهم للوقائع . حتى نوقفهم على حقيقة الفوضى السياسية المفتعلة وسبب الأعتراضات على سوء الواقع من قبل بعض المحافظات .
أن العراق يقف على عمودين - شعب الجنوب كخزان بشري لحروب العراق -- ونفط الجنوب كمصدر وحيد لتشغيل الدولة العراقية . ومن تلك الثنائية تكوّن العراق ..
والشواهد كثيرة على هاتين الحقيقتين , وليس ثمّة حاجةً الى التدليل .
عاش شعب جنوب العراق ومنذ تأسيس الدولة العراقية في العشرينيات في معاناة,, وفقر وتجهيل وضعته في ذالك الجحيم السلطات السياسية المتعاقبة ( رغم أنها جاءت بأنقلابات عسكرية , حيث تقتل بعضها بعضاً , لكنها حافظت على سياستها المجحفة في تعاملاتها مع شعب جنوب العراق ) .
ومن جرّاء تلك السياسات التي عملت بنشاط على تجهيل أبناء الجنوب وغالبية الوسط , ومنعهم عن مزاولة حقهم في التعليم والعمل الحكومي وحرمانهم من البعثات الدراسية : وأزداد الأمر تعقيداً ووضوحاً أبان حكم البعث البائد حين أستولى على السلطة عام 79 -
حيث دأب على منع أبناء الجنوب من الأتصال بوسائل المعرفة المختلفة وعزلهم تماماً عن مدارسهم الدينية ومكتباتهم .
وفي حاضرنا توجد حركات ولدت من رحم الثقافة الجنوبية تتسم بالعنف والخروج على القانون , وهي نتاج حتمي لسياسات التجهيل التي مارسها البعث البائد بحق مناطق مدن الجنوب وعشائرهم .
حيث تنبت المفاهيم الفاسدة تحت ضلال الديكتاتوريات المتعملقة , فالمسؤول عن وجود تلك الحركات المتشددة والتي تنتسب الى ثقافة أبناء الجنوب هو البعث البائد . أنها ليست تبريرات بل حقائق . حين تبعد فرداً عن كل مصادر المعرفة والأطلاع أنك تمهد لأنتاج حركة متشددة تمتهن العنف .
فعلى الذين ينتقدون تلك الحركات عليهم أولاً توجيه النقد لمن ساهم وعمل على أنتاجهم . لأنه من البداهة حينما تعمد الى منع وأقصاء وعزل جمهور عن مصادر المعرفة الصحيحة تكون النتيجة حركات متشددة لأنها تفتقر الى المعرفة \ وتعوزها الوطنية التي لم تعمل السلطات على تعزيزها وتطويرها عندهم .
العراق ومنذ بداية تكوين الدولة عاش وفق منهجين منفصلين تماماً , حيث تجمعهم جغرافية الوطن وتفرقهما ثروة الوطن والقرار السياسي . والذي يحدث في حاضرنا الآن هو تداعيات لتلك المنهجية .
فالهزّات الأجتماعية والأعتراضات المستمرة على الواقع بكل أبعاده أنما هو بالحقيقة أجتماع لهذين النهجين أو أنفتاح طرف على الآخر .
فالمناطق التي كانت تشارك الجنوبيين في الوطن وجدت نفسها كالجنوبيين فثارت لاعنة كل الأحزاب السياسية وسفّهت كل ماللعملية السياسية من وجود . ومن هنا نجد مناطق غرب العراق وبعض من مناطق بغداد متبرمة من الحاضر . لكن لم نجد هذا المعنى منبسط في الجنوب رغم أن قلة الخدمات بأنواعها وضئالة فرص العمل تشترك فيه كل المحافظات . لكن بعضها لم تعتاد على هكذا نمط من العيش .
وعلينا أن ننوه الى جزئية,, مهمة,, في هذا المجال , كان يوجد ظلماً وتهميشاً وأقصاءاً وتحقيراً وأنتهاكاً للمذهب الديني وتصفية لرموزه وهدماً لمدارسه ودور العبادة وأنحسار كبير في الخدمات الضرورية ,
بيد أنه لاتعرف الكثير من مدن العراق الجنوبية منذ تشكيل الدولة العراقية , مياه صالحة للشرب أو خطوط كهرباء أو طرق معبدة ولا حتى مراحيض في مدارسهم التي أغلبها بنيت في عهد الزعيم اليساري عبد الكريم قاسم .
وليس هنالك رعاية للطفل أو المرأة حيث كان يعتدى على شرف المرأة بأوحش الطرق المبتذلة - ويقتل أبنها وزوجها أمامها لمجرد شبهة أو جراء تقرير لمخبر,, سري يريد الشر بتلك العائلة .
وأستمر هذا الوضع الكارثي لعقود,, من الزمن .
هذا من جانب أمّا من الجانب التمثيل السياسي لمناطق ومدن الجنوب صاحبة الأرض النفطية . حيث لاتوجد لديهم أي شخصية سياسية أو حزبية في الحكومات المتتابعة ( وأأكد مرة أخرى أنها جاءت كلها بأنقلابات عسكرية ومذابح , لكنها حافظت على نمطيتها في أقصاء أبناء الجنوب ) .
ورغم كل هذا الكم من الأنتهاكات المدروسة بحقهم , الاّ أنهم أشد الناس وطنيةً وحباً للأرض وحرصاً على وحدة العراق وأستقراره , بدليل أنهم لم يبدوا أي ممارسة تسيئ للوطن وتزهق الأرواح , ولا حتى فكروا أن يقوموا بأعمال تخريبية كأجراء تعويضي على الظلم الذي لحق بهم , حيث كان بأمكانهم تخريب آبار النفط وأنابيبه التي تتواجد في مدنهم .
ولم يعرف عنهم أنهم عملوا على أستقطاب الأجنبي أو تأليب الرأي العام الدولي ضد وطنهم . وكل ذالك كان متاح لهم لسبب بسيط ومهم أن مدنهم كانت ملاصقة لأيران عدو البعث اللدود . صاحب السلطة والنفوذ .
قد جئنا على حياة جزء من العراق عاش في ضروف مأساوية لعقود رغم تململه لكنه لم يسيئ لبلده ويثير الرعب ويجلب أوباش الآفاق ليعبثوا بأمنه وأرضه .
ونلاحظ في حاضرنا مدن في الأنبار والموصل خرجت منها معارضات ومظاهرات سرعان ما تحولت الى ظاهرة ميدانية مستخدمة كافة الأسلحة وجلبت مئات الأجانب لأرض الوطن , فقط لأن خدمة الكهرباء أنقطعت عنهم وقلة فرص العمل وتعثّر في الخدمات . وهذه ليست حصراً على مناطق غرب العراق بل تشترك فيها كل المحافظات وأشدها الجنوبية مرة أخرى !
وخلاصة لما تقدم أن مايحث في الأنبار والموصل هو نتاج لأستحقاق العدالة - أي تساوي الكل فليس هنالك من منعم وآخر منهك فقط لوجوده الجغرافي .
والذي يثير الدهشة حقاً أن مناطق كغرب العراق وبعض الأعلام المتباكي على سوء الحال _ هلاّ علموا أن محافظات الجنوب صاحبة النفط والموانئ كانت أسوء حالاً من أي منطقة غربية يقال أنها تعاني نقصاً في الخدمات ؟
لكنها لم تتعاون بأي شكل مع أي تنظيم تخريبي ولم تعلن حرباً على الآخرين الذين يقاسموهم جغرافيّة الوطن . كون رئيس الحكومة ينتمي الى مناطقهم
|