فقهاء الحكام و فقهاء العوام (١) .. بقلم / السيد عصام احميدان الادريسي* |
العراق تايمز ــ كتب / السيد عصام احميدان الادريسي: فقهاء الحكام أكلوا بهم الدنيا : روى الكلينى (ره) في الكافى باب اختلاف الحديث ج 1 ص 62. والصدوق (ره) في الخصال. والرضى (ره) في النهج أن سليم بن قيس الهلالي سأل الإمام علي ع قائلا: "إني سمعت سلمان وأبا ذر والمقداد يتحدثون بأشياء من تفسير القرآن والأحاديث والروايات عن رسول الله صلى الله عليه وآله ثم سمعت منك تصديق ذلك ورأيت في أيدي الناس أشياء كثيرة من تفسير القرآن والأحاديث والروايات عن رسول الله صلى الله على وآله يخالفونها فيكذب الناس متعمدين ويفسرون القرآن بآرائهم؟ فقال أمير المؤمنين عليه السلام: قد سألت فافهم الجواب، إن في أيدي الناس حقا وباطلا وصدقا وكذبا وناسخا ومنسوخا وعاما وخاصا ومحكما ومتشابها وحفظا ووهما وقد كذب على رسول الله صلى الله عليه وآله في حياته كذبا كثيرا حتى قام خطيبا فقال: "أيها الناس قد كثر علي الكذابة ، فمن كذب علي متعمدا فليتبوء مقعده من النار" وكذلك كذب عليه بعده. إنما أتاك بالحديث أربعة ليس لهم خامس: رجل منافق يظهر الإيمان متصنع بالإسلام لا يتأثم ولا يتحرج أن يكذب على رسول الله صلى الله عليه وآله متعمدا ولو علم الناس أنه منافق كذاب لم يقبلوا منه ولم يصدقوه ولكنهم قالوا: قد صحب رسول الله صلى الله عليه وآله ورآه وسمع منه، فأخذوا منه وهم لا يعرفون حاله. وقد أخبر الله عزوجل عن المنافقين بما أخبر ووصفهم بأحسن الهيئة فقال: " إذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم " ثم تفرقوا من بعده وبقوا واختلفوا وتقربوا إلى أئمة الضلالة والدعاة إلى النار بزور والكذب فولوهم الأعمال والأحكام والقضاء وحملوهم على رقاب الناس وأكلوا بهم الدنيا وقد علمت أن الناس مع الملوك أتباع الدنيا وهي غايتهم التي يطلبون إلا من عصم الله فهذا أحد الاربعة .." . فقهاء العوام ( أموات الأحياء ) : جاء أيضا عن الإمام علي عليه السلام في نهج البلاغة أنه قال : «إن من أحب عباد الله إليه ، عبداً أعانه الله على نفسه ، فاستشعر الحزن ، وتجلبب الخوف ، فزهر مصباح الهدى في قلبه ، وأعدَّ القِرى ليومه النازل به ، فقرب على نفسه البعيد، وهون الشديد ، نظر فأبصر، وذكر فأكثر، فارتوى من عذب فرات ، سهلت له موارده فشرب نهلاً، وسلك سبيلاً جدداً، قد خلع سرابيل الشهوات ، وتخلى من الهموم إلا هماً واحداً انفرد به ، فخرج من صفة العمى ، ومشاركة أهل الهوى، وصار من مفاتيح أبواب الهدى، ومغاليق أبواب الردى، قد أبصر طريقه ، وسلك سبيله ، وعرف مناره ،وقطع غماره ، واستمسك من العرى بأوثّقها، ومن الحبال بأمتنها، فهومن اليقين على مثل ضوء الشمس ، قد نصب نفسه - لله سبحانه - في أرفع الاُمور، من إصدار كل وارد عليه ،وتصيير كل فرع إلى أصله ، مصباح ظلمات ، كشاف غشوات ، مفتاح مهمات ، دفاع معضلات ، دليل فلوات ، يقول فيفهم ، ويسكت فيسلم . قد أخلص لله سبحانه فاستخلصه ، فهو من معادن دينه ، وأوتاد أرضه ، قد ألزم نفسه العدل ، فكان أول عدله نفي الهوى عن نفسه ، يصف الحق ويعمل به ، لا يدع للخير غاية إلا أمها، ولا مظنة إلاّ قصدها، قد أمكن الكتاب من زمامه ، فهو قائده وإمامه ، يحل حيث كان محله ، وينزل حيث كان منزله. وآخر قد تسمى عالماً وليس به ، فاقتبس جهائل من جهال ، وأضاليل من ضُلاّل ، ونصب للناس أشراكاً من حبائل غرور وقول زور، قد حمل الكتاب على آرائه ، وعطف الحق على أهوائه ، يؤمن من العظائم ، ويهون كبير الجرائم ، يقول :أقف عند الشبهات ، وفيها وقع ، ويقول : أعتزل البدع ، وبينها اضطجع ، فالصورة صورة إنسان ، والقلب قلب حيوان ، لا يعرف باب الهدى فيتبعه ، ولا باب العمى فيصد عنه ، فذلكميت الأحياء.." . إن المتأمل في خطاب الإمام علي عليه السلام في هذين الحديثين يجد نفسه بحاجة إلى التأمل في طبيعة العلاقة التي سادت بين الفقهاء والحكام من جهة ، وأيضا بين الفقهاء والعوام من جهة أخرى ، ليقف على حقيقة محنة أهل الإسلام تاريخيا في مواجهة صنفين من الفقهاء وهم : فقهاء الحكام وفقهاء العوام . من هذا المنطلق ، جعلت من "فقهاء الحكام وفقهاء العوام " عنوانا لهذه الدراسة ، وإن كنت أجد أن المشكلة الكبرى –في الأعم الأغلب- التي ابتلي بها الفقه السني تمثلت في تبعية الفقهاء للحكام ، غير أن الفقه الشيعي وإن استطاع التخلص من التبعية للحكام –نسبيا وليس كليا – بفضل الاستقلالية المالية للفقيه عن الحاكم بدعامة الخمس والحقوق الشرعية ، إلا أنه سقط – في الأعم الأغلب- في مشكلة أخرى وهي : تبعية الفقهاء للعوام ومحاولتهم إرضاء الجو العام ومسايرته كي يحافظ على درجة مقبولة من الدعم المادي والمعنوي ..وقد وجد أيضا من داخل كل مدرسة مذهبية كلا الصنفين من الفقهاء ، حيث نجد أيضا بعض فقهاء العوام داخل أهل السنة والجماعة كما نجد بعض فقهاء الحكام داخل المدرسة الشيعية . فقهاء الإسلام رساليون لا يخشون أحدا إلا الله : إن الحلقة المفقودة في كلا الاتجاهين والمستهدف الأبرز كانت هي :" فقهاء الإسلام " الذين من المفترض فيهم أن يكونوا فقهاء رساليين مستقلين عن السلطة والمجتمع مرتبطين فقط بواجبهم الديني والأخلاقي الذي حدده لهم الله عز وجل في إطار وظيفتهم الرسالية قائلا عنهم في كتابه العزيز : ( الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله وكفى بالله حسيبا ( سورة الأحزاب ، آية : 39 ) . فقوله تعالى أنهم يبلغون رسالات الله ويخشون الله ولا يخشون أحدا إلا هو ( لا يخشون أحدا إلا الله ) تشمل خشية الحكام وخشية العوام ، فالخشية لله وحده والارتباط إنما يكون بالرسالة الإلهية وبالله تعالى ، وكفى بالله حسيبا .
* السيد عصام احميدان الادريسي الحسني - معتمد ووكيل سابق للمرجع الرسالي السيد محمد حسين فضل الله (رض) بالمغرب . - حاصل على بكالوريوس القانون العام شعبة العلاقات الدولية من كلية الحقوق بجامعة محمد بن عبد الله بفاس، المغرب . - بصدد إعداد رسالة الماجستير في القانون والعلوم الإدارية للتنمية بكلية الحقوق بطنجة ، جامعة عبد الملك السعدي، المغرب . ـ عضو مؤسس للخط الرسالي بالمغرب. - كاتب للعديد من المقالات في صحف مغربية وعربية .
|