ذات مرّة، و في لحظة تحدّ رياضي، كان المنتخب العراقي لكرة القدم يواجه فريقاً منافساً على أرضه، بمباراة ترقبتها الأوساط المحلية بحيرة وخوف، وصادف أن سُئل محلل رياضي عن كيفية الغلبة؛ وسط جمهور مشجع صاخب، سيضجّ ضجيج الآمل بغير آمالنا؟!. تبسم المحلل للسؤال الصعب، وموجهاً كلامه الناصح للفريق، بالقول: الجمهور المضاد!، الضاج، (سنخرسه) بالهدف الأول، وما يليه، محض زيادة. أتذكر كلمات المحلل الرياضي اليوم، في مشهد محتدم قبيل الانتخابات، وأصوات تعلو هنا وهناك، استباقاً (محبطاً) للمساس بتلك العملية الديمقراطية المهيبة، المرتقبة بصبر السنوات، وأمل التغيير الدائم. بالطبع، هذا المثال لتقريب بعض من صورة الحال، ولا يمكن وضع مقارنة للفعل الانتخابي بأي عمل آخر، لكن كشف صورة التحدي بروح اللحظة التي سنعيشها في الأيام المقبلة، يملي على الجميع مسؤولية الترقب، واستمكان التحديات ورصدها، ومعايشة وقائعها وصولاً إلى الدقيقة الانتخابية، تلك التي يخلو فيها الناخب إلى قراره، مقابل الصندوق، وهو يخيّر نفسه بين أن يجعل منه منطلقاً لإنجاز آماله، أو تابوتاً يضيع فيه الصوت بلا رجاء. إنها لحظة تشبه ما أراده محللنا الرياضي من هدف.. والهدف الأولي الحق يبدأ بالمشاركة في واقع الأمر، وهي مسؤولية الجميع، لأنها في هذه المرة ستكون انتصاراً أبعد من الفعل الديمقراطي، وستضاف إلى المأمول من الإنجازات المتحقّـقة بتحدّ وإرادة شعبية. بالقطع، ليس من خاسر حق في الوضع الديمقراطي، و في الحالتين سيكون الدرس نافعاً ومجدياً، فالأيام كفيلة بجعل كل ناخب في محل معرفة الأصلح، ولكن قسوة الرهان الحاضر تفرض هيبتها؛ إذ لم يعد من متسع زمني للتجريب، فثمة دائما ما يحسب بالأيام، في العدّ الديمقراطي لتجربة يتأمل الجميع أن تكون جولتها الأخيرة حاسمة للتغيير الأشمل. الدقيقة الانتخابية: بين أن يستلم الناخب ورقته، ويغمس إصبعه في حبر المشاركة، وبين أن يحسم اختياره ويضع علامات انتخابه لمن يجد فيه حسن التمثيل؛ هدف آخر!، وستبقى ماثلة في الضمير لسنوات مقبلة، وهي أصعب لحظة ضميرية يمكن أن يوضع فيها الإنسان الحر، متجرداً من أي ضغط، ومنقطعاً إلى صوته الذاتي ورغبته الشخصية، لدحر الأصوات المتحدية، وقتها، ستمرّ أمام عينيه وقائع كثيرة، مستذكراً تفاصيل عايشها، وتمنى تغييرها، وها هو ينتخب بديلاً عنه، وممثلاً لمسؤوليته. وآن له أن يجد من يناقش معه ما أشكل عليه، أبعد من أي مضمون شخصي، بل بإحساس يعاين كل المعضلات الوطنية. ومهما كانت ثقة هذا الناخب من حسن اختياره، ستلاحقه لحظة تردّد ومراجعة لبرنامج مرشحه، بالمفاضلة مع ما مرّ عليه من برامج لآخرين، وعليه أن يحسم أمره وبدقيقة واحدة!، لذا فالنجاح بالاختيار الحقيقي الدقيق، وتحويل تلك اللحظة الزمنية إلى إنجاز ذاتي مقنع، يبدأ من الآن.
|