ولماذا لايعود مشعان الجبوري؟

(في انتظار غودو) مسرحية شهيرة للكاتب صموئيل بيكت تنتمي إلى مسرح العبث، وفيها شخصان بائسان فى حالة ترقب وانتظار لبطل يودعانه أحلامهما.. ويتوقان إلى أن يكون فى وجوده خلاص لهما من معاناتهما التي طالت.
بطلا المسرحية "فلاديمير"  و"أستراغوان" ينتظران "غودو" من دون أن يتأكدا من زمان ومكان اللقاء وكل ما لديهما بهذا الشأن مجرد تلميحات وتكهنات. "ماذا تريد أن تقول؟!.. هل أخطأنا المكان؟! - لم يقل قولا حاسما بأنه سوف يأتي - وإذا لم يأت؟!.. نرجع غدا؟!.. وإذا لم يأت غدا؟! نرجع بعد غد؟! "بل إنهما لا يذكران ما وعدهما به "غودو" وما طلبا منه.. هل وعدهما بالتغيير؟!.. بالحرية والعدالة والديمقراطية والرفاهية؟!.. هل طلبا منه  وضعا أفضل، حياة أجمل ؟ مستقبلا مشرقا ؟ هل وعدهما وعدا سيتحقق أم أنها مجرد وعود؟
ويتساءلان ، هل لابد من أن يبذلا جهدا خارقا حتى يصبحا جديرين بزعامته.. ومن ثم يحظيان  باهتمامه ورعايته.. لابد من أن يتوسلا..ويهرعا بالتوقيعات والهتافات والتوسلات،  كي يقبل في النهاية ان يكون هو القائد والزعيم، وتستمر هذه الدورة الى ما لانهاية و" غودو " غير معني بآلام وآمال المنتظرين.
سعى  نوري المالكي  في فترة  ولايته الأولى ومن ثم الثانية  إلى ان يتقمص دور" غودو" وان يحدد للناس ما الذي يجب أن تسير عليه، ووضع الأجندة الخاصة بالبلد، وحدد الأولويات حسب ما يعتقد ، وقبلها الناس طائعين مرغمين، ولم يحدث إلا ما يريده ائتلاف دولة القانون، فيما يظل الناس  - في أغلب فئاتهم – مثل  المسكينين" فلاديمير واستراغون" سجناء احتياجاتهم الحياتية  وأحلامهم.
 " غودو" وجماعته لم يتعلموا سوى إعداد طبخات سياسية فاسدة. ولأن طباخيهم هواة لا يخجلون من إعداد طبخات منتهية الصلاحية، من يراهم  اليوم يتخيل أنهم  جماعات  جاءت لتعاقب العراقيين وتنتقم منهم.. يتصورون أنفسهم شطارا فيضعون على طبختهم  توابل لإخفاء معالم الطبخة الفاسدة . إنه مزاج متطرف يعادى الدولة الحديثة ويتمسح بها. ينشر خطاب الطائفية ويسميه المظلومية والدفاع عن الطائفة،  كأن المجتمع هو الفاسد وليس السلطة.. أو كأن الديمقراطية عقاب سيجعلنا نلعن التغيير، ونشتم امريكا ليل نهار .
احدث طبخات ساسة دولة القانون إعادة مشعان الجبوري الى الواجهة  .. عندما قرأت ما كتبه الزميل عدنان حسين في شناشيل الأمس عن الحمايات التي خصصها المالكي لمشعان الجبوري تساءلت مع نفسي: ولماذا لا يخصص له حمايات ، والسؤال الأهم: لماذا لايعود مشعان؟ انه سؤال يمكن أن نفكر فيه بالمنطق الذى عادت به وجوه من نظام "القائد الضرورة" بعد أن استبدلت  قشرتها، ولماذا لا يتصالحون مع  مشعان الجبوري؟ لماذا لا يتصالحون مع منظومة كاملة غاصت في الخراب والفساد.. وتريد أن تخرج؟ إنهم يريدون شيئا واحدا، إعادة تركيب منظومة "القائد الضرورة " كما كان مع استبدال الوجوه وتعديل المواقع، إنهم يريدون أن يقولوا "السلطة اولا وأخيرا".
إن الذاكرة العراقية لا تزال تحتفظ بصورة مشعان الجبوري مطروداً من قبل أهالي الموصل، وتحتفظ بشكل خاص بصورة النائب مشعان وهو يهرّب ملايين الدولارات المسروقة من أموال العراقيين تحت سمع وبصر الحكومة، سيقول البعض أن حالة "مشعان" هي جزء من الإسفاف السياسي الذي يتحول إلى مسخرة، إلا أن حالة العديد من سياسيينا تبدو أشبه بالمأساة حين نسمع ونتأمل كيف يفكرون، ونراجع العديد من تصريحاتهم التي لا تختلف كثيرا عن مضمون الخطاب الذي يقدمه صاحب "قناة الشعب". وإذا كان مفهوما أن تنحو ردود مشعان الجبوري باتجاه القذافي وبشار وأن يخرج رافعا راية نصر الزعماء التاريخيين ، فإن من غير المفهوم أن يرفع المناضل مشعان شعارات جديدة يؤيد فيها قرارات المالكي، بإقصاء الآخرين، ويتبجح بأنه عائد من أجل أن يخوض حربا شعواء لإقامة "دولة القانون". 
مشعان الجبوري ايها السادة لاعب أخرجته حياة سياسية فاسدة، ففسد فيها وجعلها ملعبا للفساد، ومن يتصالح معه يريد أن يعيد إنتاج ماكينة الفساد، اما كيف يعود من نهب الدولة، يعود فقط لأنه سرق أكثر ويستطيع أن يدفع ثمن عودته؟  
ايها السادة ، المسرحية أصبحت مملة جدا، لأن العبث عندما يستمر ويصبح هو البطل الأوحد، سينصرف الجمهور ولن يبقى على الخشبة إلا ممثلون فاشلون.