(ثأر القائد محمد) اسم معتل لفعل ناقص


قبل أسابيع أعلن رئيس الوزراء العراق المالكي عن بدء عملية أمنية "لتطهير محافظة الأنبار من الإرهابيين"، ويبدو بأن العملية قاربت نهايتها، أو هكذا يستدل من خبر إذعان المالكي لكافة مطالب أهالي الأنبار.

اسم العملية معتل لسببين رئيسيين، أولها كلمة ثأر، فالقبائل تثأر، وكذلك القبليون، في العراق وغيره من المجتمعات القبلية، حرمها الإسلام قبل أكثر من 1400 عاماً، لكن العرب القبليين تشبشوا بها، ويبدو بأن عدوى الثأر والعادات القبلية الموروثة من عهد الجاهلية سرت إلى الحكومة العراقية الحالية، لذلك اختارت تسمية الثأر لعمليتها الأمنية الكبرى في الأنبار، والحكومات المتحضرة لا تثأر من جماعة أو فرد وإنما تحاسب وتعاقب، فهل نسي رئيس الوزراء المالكي أنه رئيس كتلة "دولة القانون" وأي قانون هذا يبيح الثأر؟

العميد الركن محمد الكروي شهيد الواجب بحق، ومثله الألاف من العسكريين والشرطة، كما هناك عشرات وربما مئات الألاف من المدنيين قضوا بفعل الإرهاب، وهؤلاء المدنيون عزل، ومنهم أطفال ونساء، وتتحمل الحكومة وساسة المنطقة الخضراء المسؤولية عن التقصير في حماية أرواح المدنيين، كما تلام القوى الأمنية من جيش وشرطة على ذلك، لكن مسمى العملية الأمنية يذكر العميد الكروي فقط، وكأنه أهم من كل الأعداد الجرارة من ضحايا الإرهاب، ولولا استشهاده لما تحرك رئيس الحكومة العراقية وأمر بتنفيذ عملية أمنية كبرى للقضاء على الإرهاب، وحتى لو لم يكن هذا هو القصد فالتسمية بالتأكيد تنم عن سوء اختيار وتقدير من المالكي بأبشع صوره.

الأدهى من اعتلال مسمى العملية أن فعلها ناقص، وفي الأساس هي متأخرة جداً، باعتراف المالكي نفسه، وعندما يتأخر الفعل أو في هذه الحالة رد الفعل على الإرهاب بصورة عامة – لا مقتل ضابط أثناء تأديته واجبه – تقل فاعليته، وتكون نتائجه قاصرة، وتعظم الرزية والسخط بمعرفة سبب التأخير، فهو سياسي بحت، ناتج عن تجاذبات ومساومات حزبية مصلحية بين المالكي والقوى السنية في مجلس النواب ومحافظة الأنبار، وعندما يقر المالكي بأنها متأخرة يحمل نفسه وأعوانه شطراً كبيراً من المسؤولية عن دماء المدنيين وكذلك العسكريين من ضحايا الإرهاب بما فيهم العميد الكروي الذين قضوا بسبب هذا التأخير.

من يتابع أخبار عملية "ثأر القائد محمد" يخرج بانطباع بأنها لم تكن تنفذ وتحقق بعض أهدافها المتواضعة من دون مشاركة عشائر الأنبار، أي أن الجيش العراقي غير قادر بقدراته الذاتية لتولي هذه العملية، وهذا انتقاص كبير للجيش العراقي وامتهان لسمعته المهنية وتشويه لصورته في أذهان العراقيين، وهي أيضاً رسالة خطيرة للإرهابيين وأعوانهم وبقايا النظام الطاغوتي تشجعهم على مواصلة إرهابهم وتمردهم، وتفتح المجال واسعاً أمام رؤوساء عشائر الأنبار لفرض شروطهم وكسب المزيد من التنازلات المذلة من الحكومة العراقية ورئيسها المالكي، ولو انسحب الجيش العراقي من الأنبار تاركاً مقاتلة الإرهابيين للقبائل كما صرح به أحد هؤلاء القادة العشائريين فسيكون ذلك الانسحاب نكسة كبرى للدولة العراقية ومؤسساتها السياسية والعسكرية يتحمل المسؤولية عنها المالكي وحكومته.