تقبلني كما أنا لأتقبلك كما أنت

أعطى الله الإنسان إمكانية فعل الفعل، أعطاه عقلا مفكرا مدبرا، وعينا ترى، ويدا تعمل، ورجلا تمشي، ثم ترك له نية فعل الفعل، إن شاء عمل خيرا يثاب عليه، وإن شاء عمل شرا يعاقب عليه، بمعنى انه يستطيع إما توظيف هبات الله سبحانه لكي يحرق الدنيا بما فيها لمجرد انه يختلف مع شخص ما عقديا، أو لا يتفق معه فكريا، وإما يحيل مفازات الصحارى والقفار إلى جنائن غناء ومروج قرنفل وأقحوان، لأنه يؤمن أن للإنسان الآخر الحق بالحياة مثله تماما.
وربما لهذا السبب دون سواه كرر الخطاب القرآني دعواته للمسلمين أن يحترموا الشعوب والقبائل التي خلقها الله كما هم عليه؛ مع وجوب دعوتهم إلى (كلمة سواء) حرصا عليهم، لا خوفا منهم، ولا انتقاما.
ويعني هذا أن على المسلم الحقيقي ولاسيما في عصرنا الراهن، عصر الفتن والمماحكات والدعوات الطائفية والنعرات العصبية أن يتقبل أولا المسلم الآخر كما هو عليه، ما دام ذلك المسلم يتقبله كما هو عليه، ثم يتقبل الإنسان الآخر كما هو عليه؛ من حيث كونه إنسانا يتمتع بنفس درجته الإنسانية التي تختلف عن درجات باقي المخلوقات رقيا وسموا، دون النظر إلى العقيدة والفكر اللذين يحملهما.
أما من يدعي بأنه أسمى من الآخرين فكرا أو عقيدة أو نسبا أو عرقا أو إثنية، وأنه بحكم ذلك يجب أن يترفع على باقي البشر فيَسِمُهُم مرة بالكفر وأخرى بالخروج من الدين وثالثة بأسوأ النعوت، فهو إنسان مخبول يحتاج إلى الرعاية النفسية حرصا عليه، لأنه إذا استمر بمنهجه المنحرف هذا سوف يجلب على نفسه الويلات ويسبب للإنسانية المصائب والنكبات، في عالم لم يعد محتاجا إلى الألم بعد كل الألم الذي عاناه على مر التاريخ.
وهذه دعوة إلى الذين يريدونها طائفية في العراق وسوريا وباقي جغرافية الإسلام، عسى أن يثيبوا إلى رشدهم، وينتبهوا إلى جوهرهم، ويشعروا بإنسانيتهم قبل فوات الأوان، فالطائفية قنبلة دمار وشر موقوتة تحتاج فقط إلى من يشعل فتيلها لتحرق الأخضر واليابس، سعيرا ونارا، ولا تبقي في أرض الإسلام ديارا، وهي متى ما استعرت نارها وتأجج لهبها وتطاير شررها؛ سوف تحرق الأقرب فالأقرب فيكونون هم أول حطبها، وخبث الطمر تحت رمادها، ويبوءون بغضب الله قبل غضب الشرفاء.
اللهم بعزتك وجلالك أحفظنا من شتات الأمر، ومس الضُر، وامنن علينا بدوام العافية والستر، ووحدة شعب العراق الحر بدون طائفية ولا جيش (حر)