يخيّل اليّ انه في غضون خمس سنوات من الآن سيصبح محظوراً مرور السيارات على نصف شوارع بغداد يوم الجمعة، أقله من التاسعة صباحاً حتى الثانية بعد الظهر .. والسبب (غير المعلن) صلاة الجمعة، فاسبوعاً بعد أسبوع نُفاجأ بإغلاق شوارع وطرق جديدة في العاصمة يوم الجمعة. وبالطبع فان القوات الأمنية لا تعطي معلومات مسبقة عن هذه الإغلاقات لكي يتدبر الناس أمورهم قبل أن يتورطوا بالاتجاه الى مقاصدهم عبر طرق تكون قد تقرر إغلاقها من دون سابق إنذار. افتراضي بحظر السير في نصف شوارع بغداد يقوم على واقع ان الجوامع والمساجد والحسينيات تتكاثر مثل الفطر هذه الأيام .. ليتنا كان لنا بعدد نصفها من المستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية التي تمسّ اليها حاجة الناس بدرجة قصوى من فرط التدهور في الصحة العامة وتفشي التلوث في كل الأمكنة والأرجاء. وليتنا كان لنا بعدد نصف الجوامع والمساجد والحسينيات من المدارس المناسبة لتعليم بناتنا وابنائنا بالمستوى المعقول. في السابق كان يُقال عن بغداد ان بين كل مقهى ومقهى فيها مقهى، أما الآن فان بين كل جامع وجامع في بغداد جامعاً، وبين كل مسجد ومسجد مسجداً، وبين كل حسينية وحسينية حسينية، وبين كل جامع ومسجد أو حسينية جامعاً او مسجداً أو حسينية .. ربما زاد عدد الجوامع والمساجد والحسينيات عن عدد المصلين! لست أدري إن كان صحيحاً ما يقال ان بعض ما يجري بناؤه من جوامع ومساجد وحسينيات جديدة يدخل في باب "البيزنس" أكثر منه في باب التقوى وطلب مرضاة الله.. يقال ، والعهدة على من يقول، ان بعض الجوامع والمساجد والحسينيات يبنى من أجل غسل الأموال أو التعمية على فساد فاسدين ومفسدين أو لـ "تحليل" مال حرام مكتسب بوسائل غير شرعية وغير مشروعة .. الله أعلم! ليست لدي مشكلة مع عدد ما يبنى من جوامع ومساجد وحسينيات.. مشكلتي وغيري مع الجوامع والمساجد والحسينيات تكون يوم الجمعة بالذات، وهو اليوم الذي أحرص وكثيرون من أمثالي من غواة الثقافة، فضلاً عن المثقفين، على الذهاب الى شارع المتنبي (أظن ان عدد رواده هذه الأيام يزيد عن عدد المصلين) .. كان يمكنني في السابق ان اعبر من الكرخ الى الرصافة عبر جسر العطيفية – الاعظمية، حتى فوجئت منذ ايام بقطع طريق العبور الى الاعظمية عند نقطة التفتيش القائمة عند رأس الجسر. والغريب ان القوات الأمنية لم تكلف نفسها وضع علامة عند رأس الجسر من الطرف الآخر تعلن عن منع المرور.(كتبت عن هذا سابقاً) .. الطريق البديلة هي المارة بجسر الصرافية (الحديد)، لكن المرور بهذه الطريق تتحول جمعة بعد جمعة الى مكابدة حقيقية، فجانب من الطريق يُحظر المرور عليه منذ الصباح، والسيب جامع براثا وصلاة الجمعة فيه. بعد التي واللتيا نعبر الى الرصافة فنفاجأ هذه الأيام بقطع شارع الجمهورية من باب المعظم .. لماذا؟ صلاة الجمعة أيضاً! .. والمقصود الصلاة في جامع الخلفاء وجامع الخلاني .. اذا احتججت أو سألت مجرد السؤال: ما أبعد باب المعظم عن الجامعين! فلن تجد من يردّ عليك! لا أظنه عملاً صالحاً وخيّراً أن تُقطع الطرق المؤدية الى مصالح الناس والمستشفيات وسواها .. الصلاة يُمكن اقامتها في البيوت وفي كل الأمكنة، لكنّ مصالح الناس لا تؤدى إلا في أماكنها.
|