سُرّ ما خَطرْ!!(28,27).. بقلم/ د. صادق السامرائي |
هذا الصباح النوارس منشغلة ببرامجها الإحتفالية الممتعة وهي تؤدي طقوسا خفية لإستقبال الشمس التي تحاول النهوض من خلف الغيوم الداكنة وكأنها تستعين بالرياح لتحريكها والطبيعة استجابت لندائها فاحتشدت قدرات الرياح واتحدت وتعاونت فدفعت بالغيوم بعيدا عن ينبوع الإشراق وعين الحياة فأخذت الزوارق تتمايل والنوارس تتصاخب في عرس الترحاب بأنوار الصباح ومضت برقصاتها وغنائها وحركاتها ورفرفات أجنحتها وقفزاتها وصولاتها التي تغنم بها طعام يومها ومضيت أرقبها وأخاطبها وأقارنها بنوارس دجلة في مدينة سامراء وكيف أنها كانت قليلة لكنها سعيدة برغم قساوتنا فما تعلمنا كيف نرعاها ونتفاعل معها ونطعمها بل كنا نعتدي عليها فتهرب بعيدا عنا ذلك أننا لا نعرف صناعة الحياة والتعبير عن الجمال تلك النوارس الخائفة المرعوبة منا لم أجد لها أثرا لأن الماء قد غار وفار تنور الويلات والوعيد!
فنحن نقتل نوارس الأمل وندنّس نصاعة بياضها بلوننا المفضل الذي نستخرجه من عروق الأحياء ونفخر بسرقة الحياة النابضة في أي بدن ونستحضر الأحزان والمِحن!
- 28 – علي ضفاف نهر السين مدينة صغيرة تسمى ليتون وفيها كاتدرائية مبنية في القرن الثاني عشر وكل ما فيها من آيات عمرانية يشير إلى رغبة الإنطلاق نحو السماء وإرادة الإقلاع والخروج من قبضة التراب الكاتدرائية قطعة فنية أبدع الإنسان في بنائها حد الجنون فالعمران تعبير عن جنون العقل وإغراقه في بحر الخيال
أقف أمامها وتشمخ الملوية بفكرتها ومعاني عباراتها المشيرة لرغبة الإنسان للإنطلاق بعنفوان نحو قلب الأكوان الملوية تبعد عن ضفاف دجلة ميلا أو أكثر بقليل وهذه الكاتدرائية كذلك لكن المكان ما بين النهر والكاتدرائية يتميز بجمال وبهاء وروعة خيال أهله والمسافة ما بين الملوية وضفاف دجلة خاوية جرداء خالية من ملامح الجمال بل أن الخراب والإهمال وسوء الحال يتوطن ما بين الضفة والفكرة العلياء وعندما نتساءل عن السبب يكون الجواب (هو الإنسان) الإنسان مثلما يريد يكون وكما يفكر يتحقق ولا فرق ما بين المدن والأوطان إلا نوع الإنسان وإن شئت عقله وروحه ونفسه وحسب!
الملوية فكرة جوهرية تعلمنا الشموخ الحضاري وتمنحنا آليات الإنجذال والصعود لكننا في غفلةٍ نتهاوى كالصيصان في مراتع الغانمين فهل سندرك علتنا وننتصر على معضلة أسرنا في زنزانة الفراغ؟!!
|